مقالات مختارة

شريط المدن الآمنة شمال سوريا

أيمن خالد
1300x600
1300x600
انتهت دولة اسمها سوريا ربما إلى الأبد، والأسباب بالطبع أن النظام لا يعرف سوى لغة القتل، كبقية الأنظمة العسكرية المستبدة المعروفة. وأما المعارضة على اختلاف اطيافها، الإسلامية وغيرها، فلا تملك القدرة على إدارة البلاد ولا حتى إدارة الصراع، لافتقادها الاتفاق فيما بينها، وافتقادها القدرات الحقيقية اللازمة لإدارة الدولة، لذلك أصبح مصير المدنيين بمثابة قنبلة موقوتة، سيكون تأثيرها خطراً على أنفسهم وعلى العموم، أمام انتشار وتمدد رقعة التطرف الناتج عن حالة اليأس، وخطرها على الأجيال الجديدة التي ولدت ونشأت في الحرب ولم تجد أي أفق أمامها، والتي حرمت حتى من فرصة التعليم، بعدما ولدت ونشأت تفاصيلها الأولى في أجواء غير طبيعية.

ومن عجائب سوريا، وقوف الحركة الصوفية خلف النظام مع أنه نظام طائفي بامتياز، والسبب أن الحركة الصوفية تتفق مع النظام في حربه، وتجد أن المعركة القائمة هي بينها وبين الوهابية. وأما الفصائل الإسلامية السورية فهي تحمل تناقضات عجيبة، فأغلب التيارات الموجودة تعتبر نفسها سلفية، ولكنها جميعاً غير قادرة على الاتفاق فيما بينها، يضاف الى ذلك تنظيم الدولة الذي يحمل رؤية عجيبة، لا تنسجم مع الحاضر ولا المستقبل.

هنا الخاسر الأكبر هو المجتمع المدني الذي يستمر بدفع الثمن، أمام غياب الأفق لأي بشارة أمل؛ أمام إصرار إسرائيل على بقاء نظام الأسد الذي يؤيده عمليا كل من إيران وروسيا وحزب الله ودولة الإمارات العربية التي يفترض أنها على خلاف شديد مع إيران بسبب احتلال إيران للجزر الإماراتية. ويؤيد نظام الأسد أيضاً عدد من الدول العربية، بالإضافة للحركات والأحزاب القومية والماركسية العربية. فهل هناك صراع في الدنيا يحمل كل هذه التناقضات؟...

باختصار، سوريا هي لعبة مصالح، ومطحنة يدفع فيها الشعب السوري الثمن باهظاً، فإذا كانت الدول اليوم تشعر بالقلق فقط من ظاهرة أطفال الشوارع، فما هو حالنا اليوم أمام ظاهرة أطفال الحروب، وهي الظاهرة الأسوأ عبر تاريخ المنطقة؟ فالصراع في سوريا هو ليس في أفغانستان ولا إفريقيا، ولكنه في قلب الشرق الأوسط، وهو ما ينذر بكارثة بمثابة قنبلة على عموم العالم.

شريط المدن الآمنة الذي يمكن أن ينتشر ما بين مدينتي جرابلس وعفرين؛ يمكن أن يوفر فرصة حياة واستقرار لملايين اللاجئين، ويمكن أن يكون أول بيئة من إعادة تشكيل سوريا، بحيث تضم مدن هذا الشريط جميع الطوائف والقوميات، وبحيث يتم دمج الجميع تحت رقابة دولية، تضمن أن تكون هذه المنطقة خالية كلياً من سلاح الفصائل المتحاربة، بحيث ننشئ مجتمعاً مدنياً يحول دون تسلل الفوضى اليه.

علينا أن نتوقف عن بناء المخيمات، وعلينا أن نفكر ببناء جزء من الحياة على هذه البقعة من الأرض، وعلينا أن نعطي فرصة للمدنيين من كامل مناطق النزال بالقدوم اليها لأجل حمايتهم، خصوصاً أبناء مدينة الرقة، الذين لا يريدون لأبنائهم أن يكونوا في المستقبل مجرد أداة من أدوات الحرب. شريط المدن الأمنة هذا، هو من أجل شعوب المنطقة بالكامل.

(نشر المقال باللغة التركية في صحيفة ديريلش بوستاسيه)
التعليقات (0)