سياسة عربية

"الليدات".. سلاح الغزيين لقهر الظلام

انارة - آمنة
انارة - آمنة
بات الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي في قطاع غزة حافزاً يدفع المواطنين لخلق طرق بديلة للتعايش مع الأزمة الصعبة التي يعيشونها.

فالإرباك المتكرر على جداول توزيع الكهرباء في القطاع وانقطاعها لساعات طويلة دفع الناس هناك للبحث عن أساليب وأدوات جديدة تقهر عتمة الليل؛ من بينها "الليدات" وهي مصابيح صغيرة تضاء عبر بطاريات يتم شحنها في فترة وصل الكهرباء لتضيء العتمة عند انقطاعها.

ورغم عدم إيفائها بالمطلوب واقتصارها فقط على الإضاءة لكنها تعتبر الأكثر أماناً من الشمع والمصابيح القديمة التي تعمل بـ"الغاز" والتي تسببت في العديد من حوادث احتراق المنازل وسقوط ضحايا معظمهم من الأطفال.

الليدات بديل الشمع

أبو محمود لاجئ بمخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة يعيش في أحد المنازل البسيطة برفقة زوجته وأولاده الستة عبر لـ"عربي21" عن سخطه العميق من أزمة الكهرباء قائلا: "لا نستطيع تحمل أكثر من ذلك.. الكهرباء عصب الحياة ونحن محرومون من أبسط المقومات وتساءل: هل يعقل ذلك؟".

وتابع أبو محمود الذي يعمل بأحد المصانع: "أعمل في مجال الخياطة وبسبب انقطاع الكهرباء لا أتمكن من العمل يوميا، فالعمل قليل وشحيح في غزة والكهرباء تجعله أقل شحاً بسبب الانقطاع اليومي".

وعن استخدام "الليدات" قال أبو محمود: "كنا نستخدم الشموع في الليل لإضاءة البيت ولكن الشمع خطير وحين شاهدت "الليدات" بالأسواق قمت بشراء مجموعة منها مع بطاريات يتم شحنها على الكهرباء عند وصول التيار وفي الليل حين تنقطع الكهرباء نقوم بإنارتها حتى يتمكن أطفالي من متابعة واجباتهم المدرسية ونستطيع أيضا التحرك في البيت دون أن نتعثر بسبب الظلمة.

مباردة شبابية

وحال أبي محمود هو نفسه الذي يعاني منه معظم سكان القطاع، فالأزمة طالت كل الأهالي، الأمر الذي دفع مجموعات من الشباب لتبني مبادرة لإضاءة بيوت الفقراء في قطاع غزة بجهود ذاتية.

وفي هذا الصدد قال أدهم أبو سلمية أحد القائمين على مبادرة شابية انطلقت بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة: "بدأت الفكرة انطلاقا من الشعور بأزمة انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة عن المنازل وقد فقدت بلدتي تسعة أطفال بسبب الشمع الذي يستخدم للإضاءة في المنازل، وقد توفي 3 أشقاء من عائلة بشير بفعل حريق بمنزلهم تسبب به الشمع وهذه كانت البداية للتفكير الجدي من أجل إيجاد إنارة آمنة للمنازل عبر مبادرة شبابية".

وتابع أبو سلمية في حديثه لـ"عربي21": "بدأنا نجمع المال اللازم لذلك من أهل الخير في الداخل والخارج ومن لجان الزكاة المحلية في بلدتنا "دير البلح"، وشرعنا بالفعل بإنارة منازل الفقراء في البلدة حتى تمكنا من إنارة أكثر من 1200 منزل وسرعان ما انتشرت المبادرة إلى كل أرجاء ومخيمات قطاع غزة".

وأضاف أبو سلمية وهو أيضا المتحدث الرسمي باسم هيئة الحراك الوطني لكسر الحصار وإعادة إعمار غزة قائلاً: "انطلقت أكثر من 10 حملات على مستوى القطاع وأكاد أجزم أن أكثر من 90% من منازل الفقراء تم إنارتها فعليا ورغم صعوبة توفير الدعم اللازم إلا أنه بتضافر الجهود تمكنا من التغلب على هذه المشكلة وبلغت تكلفة إنارة البيت الواحد حوالي 50 دولارا".

وأكد أبو سلمية أن أزمة الكهرباء في غزة معقدة ومركبة "فمرور 16 ساعة قطع للكهرباء يمثل مشكلة كبيرة ويكدر الحياة" .

وحمَل أبو سلمية الاحتلال المسؤولية باعتباره المسؤول عن توفير الحاجات الأساسية وفق اتفاقية جنيف الرابعة، مضيفاً: "نحن شعب تحت الاحتلال".

وتعرضت محطة الكهرباء بغزة لاستهداف الاحتلال عام 2006 وتكرر قصفها بعد ذلك أكثر من مرة الأمر الذي أضعف قدرتها الفعلية في ظل منعه لإدخال معدات الصيانة للمحطة التي لا تستطيع تغطية احتياجات القطاع من الكهرباء.

ومضى أكثر من 10 سنوات وأزمة الكهرباء التي تعصف بقطاع غزة تراوح مكانها في ظل حلول خجولة لم تستطع اختراق الحاجز والقفز إلى حل جذري يعيد الكهرباء كما كانت من ذي قبل.

سلطة الطاقة توضح

وعزت سلطة الطاقة الفلسطينية أزمة الكهرباء في قطاع غزة لعدد من الأسباب أبرزها محدودية مصادر الكهرباء عن تلبية كافة احتياجات القطاع، والحاجة لمصادر أخرى.

بالإضافة لزيادة استهلاك الكهرباء والأحمال بزيادة سنوية (7% سنويا) مع ثبات المصادر وعدم نموها، وكذلك عدم توفر مصادر ثابتة لتزويد المحطة بالوقود بسبب العراقيل الإسرائيلية والسياسية من مختلف الأطراف وإغلاق المعابر.

علاوة على عدم قدرة شركة توزيع الكهرباء عن توفير ثمن الوقود اللازم لتشغيل المحطة بالكامل نظراً لأن جباية شركة توزيع الكهرباء تعاني من عجز كبير يرجع لامتناع شرائح عريضة من المواطنين عن دفع الفواتير في ظل احتياج الشبكة لتطوير 

وتعمد سلطات الاحتلال الإسرائيلي لإدخال كميات محدودة من الوقود تقول سلطة الطاقة في غزة أنها لا تكفي لتشغيل محطة التوليد إلا ليوم واحد فقط، الأمر الذي يتسبب بأزمة حقيقية في ظل الإغلاقات المتكررة لمعبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة تحت ذرائع واهية تطول لأيام كان آخرها الإغلاق المفاجئ للمعبر لمدة 6 أيام على التوالي أواخر الشهر الماضي، وتسبب ذلك في إرباك كبير في خطط توزيع الكهرباء بمختلف مناطق القطاع حتى وصلت ساعات الوصل لــ6 مقابل 12 قطع، وهو ما تسبب بأزمة كبيرة ضربت العديد من المرافق الرئيسية في قطاع غزة خاصة المستشفيات والمخابز.

ولم يسجل أن تمتع المواطنون منذ فرض الحصار على قطاع غزة بــ24 ساعة وصل للكهرباء في حين لم تتمكن الجهود المختلفة التي بذلت على مدار 10 سنوات من حل مشكلة انقطاع الكهرباء عن أكثر من مليون و800 ألف مواطن يعيشون في بقعة جغرافية ضيقة باتت أشبه بالسجن.
التعليقات (0)