كتاب عربي 21

لا تسبوا الشعب!!

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
لاحظت في الآونة الأخيرة هبوب رياح عاصفة لمواسم هجاء الشعب المصري من بعض هذا الشعب المصري، واعتبر ذلك مسألة خطيرة، يؤشر ذلك على أن هذا الشعب الذي انقسم على نفسه قد أصابه شرخ كبير من الواجب العمل على التئامه، ذلك أن بعض التعليقات التي تقوم على قاعدة من لغة اتهامية لهذا الشعب ووصفه بمجموعة صفات سلبية إنما يشكل مسلكا يحسن التنبيه إلى مخاطره، وكثير من المحاذير التي ترتبط به، وتترتب عليه.

نرى أن مسألة هجاء الشعب ورميه بكل نقيصة تتم من خلال فئات عدة على مر الزمان وصرنا نتعامل مع خطاب مزدوج مرة نقدر هذا الشعب ونعظمه ومرات نتهم هذا الشعب ونهجوه، ومن المؤسف حقا أن يأتي هذه المرة من جزء من الشعب على سائر الشعب.    

ذلك أننا لاحظنا أن تلك الظاهرة بدت في أحايين كثيرة من توجهات لتيارات مدنية للأسف الشديد صارت تتهم هذا الشعب بالجهل وعدم النضج في كل مرة تجري فيها انتخابات ولا يحصلون فيها على نتائج لصالحهم، ودائما كان يتعلل هؤلاء أن الجهات المنظمة مثل الإخوان على سبيل المثال والتي في رأيهم احترفت التعامل مع المسائل الانتخابية هي التي تكسب الانتخابات، وتحدثوا في ذلك عن رشاوى انتخابية كانت تقدمها قوى سياسية بعينها متهمين هذا الشعب بالجهل وبالأمية الأبجدية فضلا عن الأمية السياسية، وحينما جاءت لهم الفرصة انتهجوا نفس الأساليب التي سبق وانتقدوها.

وظل هؤلاء يتعاملون مع مقولة الشعب باعتبارها خطرا عليهم حينما يحين  امتحان الانتخابات، ظلت هذه القوى تسجل فشلها المرة تلو المرة، وفي كل مرة أحالت هذا الفشل على غيرها وطفقت تتهم الذي يكسب الانتخابات وتهاجم الشعب الذي انتخب، هكذا ظلت هذه القوى لا تتهم ذاتها بالقصور مع أنها فشلت فشلا ذريعا في التعامل مع الشعب والانخراط بين صفوفه وتبني حاجاته الحقيقية وضروراته المعيشية مرات عديدة، ظهرت بعض هذه الفئات والنخب المثقفة والسياسية المدنية التي ترطن بكل مفردات الديمقراطية والليبرالية ولكنها في حقيقة الأمر ظلت تتعامل في هذا الأمر كغطاء ولم تحقق أي تقدم يذكر في هذا المقام، وبدلا من من أن تنتقد ذاتها وتراجع أفعالها قامت بإسقاط سياسي خطير باتهام هذا الشعب بالجهل والأمية وعدم النضج.

فئة أخرى تتهم هذا الشعب رغم أنها حملت خطابا شعبويا ممن يسمون بـ"القوميين والناصريين"، ظل هؤلاء يتشدقون بمقولة الشعب ولكنهم في حقيقة الأمر يتعاملون معه بمنطق التعبئة والحشد، وكأنهم يقومون بغسيل مخ جماعي لهذا الشعب من دون أدنى اعتبار لمطالبه وضروراته، ولكن ظلت هذه الفئة تتحدث فقط عن إرادة الشعب وهي في قرارة نفسها لا تقوم بأي عمل حقيقي من أجل هذا الشعب وغاياته.

وهذه مجموعة أخرى من المثقفين الذين يتعالون على الشعب، نخبة مثقفة تجد أنها في ثقافتها وكأنها المرشد الأمين في تعليم الشعب الجاهل والجماهير من الأميين، صار المثقف في ذلك في واحدة من علاماته أن يرطن برطانته غير المفهومة، وأن يتهم الشعب بعدم الفهم وعدم الفاعلية، ولكنه في يوم من الأيام لم يتطرق إلى حقيقة خيانة المثقفين لهذا الشعب والتعبير عن آماله وآلامه، مجموعة من المثقفين تسكن في برجها العاجي لغتها التعالي وخطابها اتهام الشعب بكل نقيصة.

وها هو خطاب يتعلق بجنرالات العسكر يتحدث عن الشعب بلغة منافقة ومزدوجة، مرة يصف هذا الشعب بأنه شعب عظيم، كما ينظر إليه كحالة دونية، ومرة ينافق هذا الشعب من موروثات فائض الكلام والخطاب، فيتحدث تارة بنفاق شديد عن الشعب الخالد والمعلم، وعن إرادة الشعب وهو يزهقها، وعن حرية الشعب وهو يكبتها، هذا الخطاب المزدوج يبدو لنا في خطاب منظومة الانقلاب حينما تصدر خطابا "نور عينينا" و"أن الشعب لم يجد من يحنو عليه"، وتارة أخرى يصدر خطابا حينما يشكو الشعب ويتألم فيتحدث بعض الجنرالات "احمدوا ربنا أنكم عايشين، في بلد" أو يدفعون سدنة إفك إعلامهم ليرفعوا شعار "لو مش عاجبكم غوروا"، ويصل هذا الخطاب إلى قمته حينما يستخدم أوصافا قاسية لوصف هذا الشعب للتعبير عن نظرتهم الدونية والتلاعب بهم في مسرحية الشعب، فهو شعب "جعان"، "متنيل بنيلة"، هم يجيدون استنفاره وكذلك قعوده، فهم فقط يتعاملون معه كمادة استعمالية يأخذون به "اللقطة ثم يلبسونه العمة"، هذه بعض المفردات التي يستخدمونها في هذا المقام، لتعبر عن لغة منافقة تتراوح في مفرداتها وفي أدائها.

ومن هؤلاء بعض من المسؤولين الرسميين سواء على عهد المخلوع مبارك أوم جاء بعده ويدعمهم في ذلك بعض المثقفين، يتحدثون عن أن هذا الشعب لم ينضج بعد لممارسة الديمقراطية، أو لحرية الرأي والتعبير ومطالبته بحقوقه الإنسانية والأساسية، إنه شعب غير ناضج، شعب لابد أن يوجهه من يعرف مصلحته الحقيقية، وللأسف أن من يعرف مصلحة هذا الشعب يسرق قوت يومه، ويهدر أمنه وأمانه، ومن المؤسف حقا أن ذات الفئة لا تستجيب إلى مطالبه وضروراته بل تارة تصمها بأنها مطالب فئوية لا تقدر ظروف البلاد والأزمة التي فيها الدولة، ولا هؤلاء الذين يعملون من أجلهم ليل نهار، وفي النهاية يطالبونهم بمزيد من شد الحزام والتقشف، لأن هذا الشعب يمارس إسرافه، ولم يتحدث هؤلاء أبدا عن ذلك الإسراف الحكومي والتبذير الرسمي، واستهلاكاتهم الاستفزازية، فهم يتنعمون وغيرهم يجب أن يبقى في شقاء مقيم.

مارس كل هؤلاء خطابا خطيرا في حق هذا الشعب، يهجونه ويسبوه مع بعض غطاء من كلام هنا أو هناك في محاولة للتغطية على رؤيتهم الحقيقية لهذا الشعب الذي صبر طويلا على حكامه الذين بطشوا به، وعلى سارقيه الذين تمتعوا بخيراته وموارده، وعلى أجهزة وزبانية الأمن الذين يستبيحون أرواح الناس ولا يقيمون وزنا لهذا الشعب وحقه في حياة كريمة.

إلا أن الخطير في ذلك أن يأتي من الشعب ذاته نفر فيه يهجو الشعب ذاته، ويتحدث أنه لا يستأهل إلا أن يحكمه فرعون يستبد به ويضربه بالعصا، يبرر حال الاستبداد والعبودية، ويؤكد أنه لا يُسيّر ولا يمكن أن يُدبّر أمره إلا بجنود فرعون الذي يتحكمون به، حتى أنهم لا يتحدثون عن فرعون الذي استبد بهم بل يتحدثون عن "الشعب الفرعون"، ولعمري فإن هؤلاء خاصة بعد الثورة بدا لهم مع تمكنهم بعمل غسيل مخ جماعي في أن يشتم الشعب بعضه، وأن تنتقل خلافاته مع حكامه إلى شقاق وشجار بين أبنائه.

الأكثر خطورة من ذلك أن نجد مواسم سب هذا الشعب وهجائه تتجدد مع أحداث بعينها يعممون من خلال جزء مستعمل ومُستأجَر لمصلحة السلطة مستغلين فيه حاجته ليقوم بمظاهر يمكن أن تشكل حالة من حالات العبودية، مثل هؤلاء الذين رأيناهم يحملون البيادة فوق رؤسهم وغير ذلك من مؤشرات، ولكن هؤلاء في حقيقة الأمر لا يرون هذا الشعب الذي وقف وقفة رجل واحد أثناء ثورة يناير واحتضن شباب الثورة في جمعة الغضب في الثامن والعشرين من يناير، ولا ينظرون إلى هذا الشعب الذي قاطع الانتخابات والاستفتاءات سواء ما تعلق منها بالدستور الانقلابي، أو الانتخابات الهزلية في الرئاسة، أو مسرحية الانتخابات المخابراتية التي تم من خلالها تشكيل البرلمان الأمني، من المؤسف حقا أن يغمط بعض الناس حق هذا الشعب، ولا يشير إلى مؤشرات وعيه، ويركز على فئة أظنها ليست بالكبيرة ولكنها فئة مصنوعة أسماها الانقلاب "المواطنون الشرفاء" أو هؤلاء الكومبارس الذين تستخدمهم الشؤون المعنوية في مناسبات ومظاهرات مؤيدة.

ووفق نظرية اللقطة وتلبيس العمة تقوم سلطة العسكر باستغلال هذه الصورة التي تتعلق بالشعب، وتستنفر جزءًا أيضا من هذا الشعب الذي أضير في معركة صناعة الكراهية التي افتعلها جنرالات العسكر، ويتحدثون ليل نهار أنه لولاهم لكان الإرهاب في كل مكان، ولنشبت حرب أهلية بين فئات الشعب، زعم يروجوه ويحاولون من كل  طريق تكريسه في أذهان الناس وهو في الحقيقية لا يمثل أي وزن حقيقي إلا أن تكون لغة الإفك والكذب والزيف وتزوير الصورة التي تتعلق بهذا الشعب، فينتج عن ذلك حالة شعب يمزق بعضه بعضا، ويهجو بعضه بعضا، ويسب بعضه بعضا، هنا فقط تتفرق لحمة الشعب وجماعته الوطنية، وتصير الكراهية هي القانون، ويصير استعداء الشعب على بعضه حالة مصنوعة ومصطنعة يتوجها الشعار "انتوا شعب واحنا شعب.. ليكوا رب ولينا رب" وتحكمهم معادلة "ياحنا.. يانتم" بدلا من معادلة "نحن وأنتم"، في لحمة تؤكد وحدة هذا الشعب التي تكفل له هزيمة الاستبداد وتشكل مقاومة لفرعون، ذلك أن سياسات فرعون القبيحة والخبيثة أن يجعل هذا الشعب شيعا وفرقا م وأفرادا متشرذمين حتى يسود في حكمه وطغيانه وفاشيته.

إنها عملية تزييف وتزوير الوعي وصناعة الكراهية والشقاق حتى يتمكن من سلطانه، ويحمي كراسي طغيانه، ومن هنا فإنني أؤكد على هذه الرسالة الكبرى، دعوا هؤلاء الذين خانوا الشعب يتمتعون بسبابه وهجائه، لكن لا يجب لأحد منكم أن ينزلق لسباب غيره من شعبه، فإن هذا الشعب قد أصابه ضرر كبير حينما يتأوه من أجل لقمة عيشه أو كرامته أو دماء سالت منه، أو مطاردين منه وفيه، فإن هذا الشعب بأسره قد طالهم ظلم من جنرالات العسكر الذين قاموا بذلك الانقلاب وامتهنوا إرادة هذا الشعب التي تمثلت في خمسة استحقاقات انتخابية واستفتائية.

أيها الشعب المصري.. إنها معركة الوعي ومعركة الاصطفاف الواسع والكبير، وإن هؤلاء الذين يتحكمون بكم من العسكر لا يريدون خيرا بكم، يتمددون في مساحة فرقتكم وآن الأوان أن يكون هذا الشعب صفا واحدا في مواجهة جلاديه وسارقيه، فلا نتشاتم أو يسب بعضنا بعضا، ولكن أن نجتمع جميعا على كلمة سواء للدخول إلى معركة النفس الطويل، معركة العيش، والكرامة الإنسانية، والحرية الأساسية، والعدالة الاجتماعية، لا تسبوا الشعب أو تهجوه، فهل أنتم منتهون؟!.  
التعليقات (1)
محمد الدمرداش
الثلاثاء، 22-11-2016 07:38 م
أيهما أقوى ؟ .................. أن سياسية فرق تسد التي يتحكم بها مستعمر أو طبقة حاكمة في شعب كبير مبنية على دراسة مجتمعية لعموم الشعب و تصنيفه طوائف و فئات و عرقيات و طبقات إلى جوار قياس أتجاه الرأي العام فإذا ما كان أتجاه الرأي العام ضد المستعمر أو الطبقة المتحكمة فإن أدوات التحكم من أعلام و صناعة رأى عام تنطلق بقوة لتعزف لحن تمييز كل طائفة أو فئة أو عرق لنفسها عن باقي عموم الشعب و ينمى التنافر و التنازع ليبقى المستعمر أو الطبقة المتحكمة لسلب عموم الشعب خيراته و ثرواته و آماله و حاضره و مستقبله . و لكن إذا ما ولدت من مجمل أحاسيس و انفعالات و دوافع عموم الشعب نزعة الاستقلال أو الثورة فإنها بداية لا تنتهى إلا باستقلال أو تغيير شامل لنظام حالي . و من المعلوم أن المؤسسة العسكرية تتحكم في مصر منذ 1952 و طوال هذه المدة حتى 2011 كونت قناعات لدى عموم الشعب المصري و خاصة الشباب منهم أن الثورة طريق و التغيير حتمي و كانت ثورة 25 يناير بداية ثورة و أول طريق و تمارس مؤسسة العسكر سياسية فرق تسد لتظل متحكمة هذا بالإضافة إلى أنها تمارس فشلها المعتاد في أدارة البلاد لأن فاقد الشيء لا يعطيه فهي فشلت في السابق مما أستدعي ثورة و مازالت تمارس الفشل مما يجعل أن استمرارية الثورة حتى التغيير الشامل أمر حتمي . و يبقى السؤال أيهما أقوي ثورة ولدت أم فرق تسد ؟