حلب تحترق

شعراء الشرق والغرب ينظمون عن حلب: "قصدنا وأنت السبيل"

حضرت حلب في الشعر الشرقي والغربي وجذبت اهتمام الشعراء- أرشيفية
حضرت حلب في الشعر الشرقي والغربي وجذبت اهتمام الشعراء- أرشيفية
منذ تأسيسها؛ حضنت "عروس الشرق" الشعر، وألهمت الشعراء، فقد كانت مسكن المتنبي الذي يوصف بأنه أعظم شعراء العصر العربي، كما وصل صيتها إلى أعظم شعراء الغرب ويليام شكسبير في أكبر مسرحياته.

ولعل الشعر واحد من الفنون التي حضرت وانتعشت في حلب، يشهد على عظمة الحاضرة الكبرى في زمن الانتصارات، وبلغت ذروة مجدها الحضاري والشعري في عصر الحمدانيين، وتغزل بها المتنبي، وابن عم سيف الدولة الحمداني، أبو فراس الحمداني.

ولعل أشهر قصيدة كانت للمتنبي في وصف حلب: ما لنا كلنا جو يا رسول، ويقول فيها بيته الشهير:

لا أقمنا على مكان وإن طاب .. ولا يمكن المكان الرحيل
كلما رحبت بنا الروض قلنا .. حلب قصدنا وأنت السبيل
فيك مرعى جيادنا والمطايا.. وإليها وجيفنا والذميل

والتي قالها في مديح سيف الدولة الحمداني، والذي كان ابن عمه أبا فراس الحمداني، الشهير ببيته: "سيذكرني قومي إذا جد جدهم.. وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر"، قال في حلب:

سقى ثرى حلب ما دمت ساكنها.. يا بدر غيثان منهل ومنبجلس
أسير عنها وقلبي في المقام بها.. كأن مهري لثقل السير محتبس
هذا ولولا الذي قلب صاحبه.. من البلابل لم يقلق به فرس
كأنما الأرض والبلدان موحشة.. وربعها دونهن العامر الأنس
مثل الحصاة التي يرمي بها أبدا.. إلى السماء فترقى ثم تنعكس

كما قال فيها البحتري، صاحب سلاسل الذهب، وابن منبج، من ريفها، قائلا:

أمرر على حلب ذات البساتين.. والمنظر السهل والعيش الأفانين

لكن أكثر من امتدح حلب كان شاعرها الحلبي، أبا بكر محمد بن الحسن، المعروف بـ"الصنوبري":

سقى حلب المزن مغنى حلب .. فكم وصلت طربا بالطرب 
وكم مستطاب من العيش لذ.. بها إذ بها العيش لم يستطب 
إذا نشر الزهر أعلامه.. بها ومطارفه والعذب 
غدا وحواشيه من فضة.. تروق وأوساطه من ذهب 

وله قصيدة طويلة مطلعها: "احبسا العيس احبساها.. وسلا الدار سلاها"، أجاد بها ووصف منتزهاتها وقراها القريبة منها، وأوردها ياقوت الحموي، في "معجم البلدان"، كاملة.

وقال بها الشاعر الفارسي كشاجم:
أرتك ندى الغيث آثارها.. وأخرجت الأرض أزهارها
وما أمتعت جارها بلدة.. كما أمتعت حلب جارها
هي الخيد يجمع ما تشتهي.. فزرها، فطوبى لمن زارها

أما الشاعر أبو العلاء المعري الشهير، رغم تشاؤمه وغضبه، فقد رأى أن حلب علاج ودواء، فقال، في "رسالة الغفران":
يا شاكي النوب انهض طالبا حلبا.. نهوض مضنى لحسم الداء ملتمس
واخلع إذا حاذيتها ورعا.. كفعل موسى كليم الله في القدس

كما وصفها بأنها:
حلب للوارد جنة عدن.. وهي للغادرين نار سعير
والعظيم العظيم يكبر في عينه منها قدر الصغير الصغير

وحتى الملك الأيوبي الناصر الذي كان يحمي حلب، تنازل وتغزل بها قائلا:
إذا حلب وافيتها حيّ أهلها.. وقل لهم: مشتاقكم لم يهوّم

وقيل بها كثير من الشعر في العصر الأيوبي، مثل ما قال بها محمد بن علي:
حلب تفوق بمائها وهوائها.. وبنائها والزهر من أبنائها
نور الغزالة دون نور رحابها.. والشهب تقصر علة مدى شهبائها
بلد يظل به الغريب كأنه.. في أهله فسامع جميل ثنائها

وجعفر بن محمود:
حيا الحيا تربة الشهباء من حلب.. بما تدر علي الأنواء من حلب

ووصل صيت حلب إلى غرناطة، فقال بها أبو الحسن الغرناطي:
حلب أنها مقر غرامي.. ومرامي وقبلة الأشواق
وعلو الشهباء حيث استدارت.. أنجم الأفق حولها كالنطاق

الشعر الحديث

أما في الشعر الحديث، فقد قال في وصف حلب الأخطل الصغير، قائلا:

نفيت عنك العلة والظرف والأدبا.. وإن خلقت لها إن لم تزر حلبا
لو ألف المجد سفرا عن مفاخره.. لراح يكتب في عنوانه حلبا

وقال عنها الشاعر الدمشقي نزار قباني:
كل الدروب لدى الأوربيين توصل إلى روما
كل الدروب لدى العرب توصل إلى الشعر
وكل دروب الحب توصل إلى حلب
صحيح أن موعدي مع حلب تأخر ربع قرن
وصحيح أن النساء الجميلات لا يغفرن لرجل
لا ذاكرة له ولا يتسامحن مع رجل لا ينظر
في أوراقه الروزنامة..
ولا يقدم لهن فروض العشق اليومي 
كل هذا صحيح ولكن النساء الجميلات وحلب
واحدة منهن
يعرفن أيضا أن الرجل الذي يبقى صامدا في نار العشق
خمسا وعشرين سنة ويجيء ولو بعد خمس وعشرين سنة

وتغنى بها الشاعر اللبناني خليل مطران:
أي هذه الشهباء.. والحسن في ذلك الشهب
حبذا في ثراك ما.. فيه من عنصر الشهب
ذلك العنصر الذي.. ظل حرا ولم يشب
عنصرا قد أصاب منه.. ابن حمدان ما أحب
وبه "أحمد" ارتقى.. ذروة الشعر في العرب

كما قال جبران خليل جبران، فيها:
ضاق بالسرعة الفضاء.. ولم يبق مغترب
يدرك الشأو أو يكاد.. متى أزمع الطلب
أرز لبنان هاكسة.. حلب هذه حلب

وقال بها:
ما الذي أنجبت حلب.. من جمال هو العجب
ومن اللطف والحجي.. ومن الظرف والأرب

كما حضرت حلب في شعر المراثي، حيث أوردها الشاعر العراقي مظفر النواب في قصيدتين، إحداهما "وتريات ليلة"، قائلا:
أتيت الشام أحمل قرص بغداد الكبيرة
بين أيدي الفرس والغلمان مجروحا
على فرس من النسب
قصدت المسجد الأموي
لم أعثر على أحد من العرب
فقلت أرى يزيد لعله
ندم على قتل الحسين
وجدته ثملا
وجيش الروم في حلب

كما قال بها، في "نهنهي الليل":

كيف عبرت ولم..؟
فأنا في الطرفين من النهر
كأن الكوفة في حلب

وكان أبرز ما استحضرت به حلب في الوجع، قصيدة محمود درويش المطولة الشهيرة: "مديح الظل العالي"، والتي قال بها:

قَصَبٌ هياكلنا.. وعروشنا قَصَبُ
في كُلِّ مئذَنةٍ.. حاوٍ، ومغتصبُ
يدعو لأندلس.. إن حُوصرتْ حَلَبُ

الأدب الغربي

ولعل حلب واحدة من المدن النادرة القليلة التي وصلت إلى الأدب الغربي، حيث وردت في مسرحيتي: ماكبث، وعطيل، عندما كانت في فترة حكم العثمانيين، وأبدى انتقاده لهم وحضورهم في حلب.

حيث يقول شكسبير في مسرحيته "عطيل":

دموعا سراعا كما تدر أشجار العرب‏
صمغها الشافي هذا دونوه‏
وقولوا أيضا إنني ذات مرة في حلب ..‏
حيث هوى تركي شرير معمم‏
على بندقي بالضرب وأهان الدولة‏
أمسكت بالكلب من عنقه‏
وضربته هكذا "يطعن نفسه"‏

كما قال في قصيدة ماكبث، متحدثا عن إحدى الساحرات أنها ذهبت إلى حلب.

وفي حلب، بدأت أغاثا كريستي بكتابة أهم رواياتها: "جريمة في القطار السريع"، في فندق البارون، عام 1935، والتي أوردت بها حلب، قائلة: "يجب أن تكون هنا حلب، مكانا خفيف الإضاءة بأصوات مزعجة باللغة العربية".
التعليقات (2)
نفرتيتي
الثلاثاء، 02-03-2021 01:41 م
انا نفرتيتي هاهاه
Rannosh Kassas
الثلاثاء، 19-11-2019 09:50 ص
بلدي اشتقت ليكي سوف أعود قريباً انتي روحي وعمري وكلشي بملكوا من الدنيا بدعي من قلبي اني ارجع انتي كل حياتي ?? مافي عيش ألا بحلب هي زهور هي رمز عطاء