كتاب عربي 21

وقفة أخرى مع جيل العماليق

جعفر عباس
1300x600
1300x600
لخص واقع الحال في العالم الثالث، منذ منتصف خمسينيات الى أواخر سبعينيات القرن الماضي، الشاعر السوداني تاج السّر الحسن، عندما تلاحمت شعوب آسيا وأفريقيا، في معارك الاستقلال:

يا صحابي صانعي المجد لشعبي

يا شموعا ضوؤها الأخضر قلبي

وأنا في قلب إفريقيا فدائــي

يا صحابي وعلى وهران يمشي أصدقائي

والقنال الحر يجري في دمـــائي

وعلى باندونغ تمتد سمــــــــائي (الإشارة هنا لمؤتمر حركة عدم الانحياز التاريخي في مدينة باندونغ الإندونيسية، في 14 إبريل/ نيسان من عام 1955، حيث تم التوافق على ميثاق للحركة، أهم بند فيه محاربة الاستعمار، والنأي عن الاستقطاب بين موسكو وواشنطن، وكانت تلك أول مرة يسافر فيها الرئيس المصري جمال عبد الناصر خارج بلاده منذ وصوله للحكم في عام 1952، كما شارك في المؤتمر رئيس الوزراء السوداني إسماعيل الأزهري، رغم أنه لم يكن وقتها قد تم إعلان استقلال السودان رسميا)

يا رفاقي فأنا ما زرت يوما اندونيسيا
أرض سوكارنو ولا شاهدت روسيا
غير أني والسَّنا في أرض إفريقيا الجديدة
والدجى يشرب من ضوء النجيمات البعيدة

مصر يا أخت بلادي يا شقيقة
يا رياضا عذبة النبت وريقة.. يا حقيقة
مصر يا أم جمال .. أم صابر
ملء روحي أنت يا أخت بلادي
سوف نجتث من الوادي الاعـادي
فلقد مدت لنا الأيدي الصديقــــة
وجه غاندي وصدى الهند العميقة
صوت طاغور المغني
بجناحين من الشعر على روضة لحن
 يا دمشق
كلنا في الفجر والآمال شرق

أنت يا غابات كينيا يا أزاهر
يا نجوما سمقت مثل المنائر
يا جزائر .. هاهنا يختلط القوس الموشى
ها هنا من كل دار .... كل ممشى
نتلاقى كالرياح الآسيوية
كأناشيد الجيوش المغربية

والقصيدة طويلة يحيي فيها الشاعر أيضا كينيا ممثلة في بطل استقلالها جومو كينياتا، ويغني للصين "الجديدة"، التي كانت وقتها شيوعية على استحياء، وانضمت فعلا إلى حركة عدم الانحياز، كما فعل زعيمان شيوعيان، هما تيتو اليوغسلافي، وكاسترو الكوبي.

ومثل كاسترو، فإن تيتو لم يصل إلى الحكم على متن الدبابات السوفيتية، بل أهله للقيادة والرئاسة أنه كان قائد المقاومة الباسلة في البلقان لألمانيا النازية، بل كانت حركة المقاومة التي قادها هي الأكثر فعالية في أوربا كلها، ورفض تيتو منذ الأربعينات الدوران في فلك الاتحاد السوفيتي، وكان مع عبد الناصر ورئيس الوزراء الهندي نهرو، الآباء المؤسسين لحركة عدم الانحياز، ورغم أنه كرواتي، إلا أنه حكم يوغسلافيا - التي تفتت بعد  موته إلى عدة دول - دون معارضة تذكر، لأنه كان زعيما محنكا يحترم التوازنات داخل بلاده، ونجح في تعزيز اقتصادها، لأن رفضه للوصاية السوفيتية، مكَّنه  من إقامة علاقات قوية مع بقية دول أوربا، بينما ظلت موسكو تعتبره ابنا ضالا، ولم يشفع له أنه حارب ببسالة في مختلف ارجاء روسيا لتوطيد حكم البلاشفة (الشيوعيين الروس).

وكما التاجر المفلس الذي يجد العزاء في تقليب دفاتر أيام العز، فسأواصل – إن شاء الله – رحلة الحنين إلى عوالم عاشها جيلنا، في ظل العماليق ذوي الكاريزما، ثم أدقق النظر كرتين في حاضرنا الذي ساد فيه "الأقزامِزما"، فينقلب إليَّ البصر خاسئا وهو حسير.
التعليقات (0)