ملفات وتقارير

بذكراها السادسة: كيف ينظر الليبيون لثورتهم ومستقبلها؟ (ملف)

هل باتت الثورة مجرد ذكرى؟ - أرشيفية
هل باتت الثورة مجرد ذكرى؟ - أرشيفية
يحتفل الليبيون في 17 شباط/ فبراير من كل عام بذكرى الثورة الشعبية ضد نظام العقيد معمر القذافي، وفي كل ذكرى يبحث الليبيون عن إنجازات وإخفاقات انتفاضتهم، وسط حالة ترقب وتخوف من مستقبل هذا الحراك الشعبي.

وتحل الجمعة الذكرى السادسة لثورة فبراير 2011، فيما البلاد تعيش حالة من الاحتقان السياسي والعسكري شرقا وغربا وجنوبا. لكن يصر المؤمنون بهذا الحراك على رفع علم الاستقلال (رمز الثورة)، في شتى مدن ليبيا، رغم أن تساؤلات جدية تطرح نفسها بقوة، من قبيل: هل نجحت الثورة حقيقة؟ وماذا عن الإنجازات والإخفاقات؟ وكيف ينظر ثوار ليبيا إلى مستقبل بلادهم؟

إنجازات

وخلال هذه الفترة، شهدت انتخاب جسمين تشريعيين متتاليين، المؤتمر الوطني العام (انتخب في 7 تموز/ يوليو 2012)؛ الذي سلّم المهام لمجلس النواب المنتخب (بدأ مهامه في 4 آب/ أغسطس 2014)، كما تم انتخاب هيئة لصياغة دستور البلاد، وتم تشكيل خمس حكومات متتالية، بعد تسلم المهام من المكتب التنفيذي الذي تأسس خلال أحداث الثورة، وكان يتبع المجلس الوطني الانتقالي السابق، بدأت بأول حكومة بعد الثورة برئاسة عبد الرحيم الكيب، المكلف من المجلس الانتقالي (بدأت مهامها في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011)، وانتهت بحكومة الوفاق الوطني المشكلة طبقا للاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية نهاية 2015.

وعسكريا، شهدت البلاد عدة أحداث أمنية واشتباكات في مناطق متفرقة، بعضها ذو طابع قبلي وأخرى من أجل النفوذ والسيطرة. كما شهدت البلاد إطلاق عدة عمليات عسكرية ذات أهداف محددة، ففي المنطقة الغربية، انطلقت عملية "قسورة" بتاريخ 13 تموز/ يوليو 2014، بهدف السيطرة على مطار طرابلس الدولي بعد طرد كتيبتي الصواعق والقعقاع (مجموعات مسلحة تابعة لمدينة الزنتان، جنوب غرب طرابلس)، ثم تطورت العملية وتحول اسمها إلى عملية "فجر ليبيا"، والتي ظلت مسيطرة على العاصمة حتى وقت قريب، بهدف تأمينها وطرد الكتائب "غير الشرعية" منها، بحسب العملية.

ثم انطلقت عملية "الشروق" بتاريخ 13 كانون الأول/ ديسمبر 2014، بقرار من المؤتمر الوطني العام، بهدف تحرير الموانئ النفطية من قبضة المجموعات المسلحة المسيطرة عليها والرافضة لتصدير النفط. وقد كانت هذه المجموعات حينها مؤيدة للواء خليفة حفتر. ومؤخرا انطلقت عملية البنيان المرصوص، التابعة لحكومة الوفاق الوطني، بتاريخ 5 آيار/ مايو 2016، بهدف القضاء على تنيظم الدولة في مدينة سرت الساحلية.

وفي الشرق الليبي، انطلقت عملية الكرامة في 16 آيار/ مايو 2014، بقيادة حفتر، بحجة محاربة "المجموعات المتطرفة" في الشرق الليبي، مع الحديث عن السعي للتوسع باتجاه العاصمة طرابلس، لكن هذه العملية حتى الآن لا تزال في حالة كر وفر في مدينة بنغازي، دون حسم واضح للمعركة، بحسب مراقبين.

إخفاقات

وبحسب متابعين للوضع الليبي، تتمحور إخفاقات الثورة حتى الآن، في: فشل هيئة صياغة الدستور (بدأت أعمالها في 21 نيسان/ أبريل 2014)؛ في الانتهاء من مهامها الموكلة لها، والانتهاء من صياغة دستور ينظم الحياة السياسية والتشريعية في البلاد، وكذلك الفشل في تكوين مؤسسة عسكرية موحدة، واستمرار حالة التناحر والازدواجية بين المؤسسات، حيث توجد في البلاد، ثلاث حكومات متناحرة، ومؤسستان تشريعتان، ومؤسستان عسكريتان، وهو ما يعد إخفاقا في مسار ثورة فبراير، وفق المتابعين.

وفي ذكرى الثورة السادسة، استطلعت "عربي21"، آراء مجموعة من الساسة والناشطين المشاركين في الثورة منذ انطلاقها، للوقوف على الجديد في هذه الذكرى، وكيف ينظر هؤلاء إلى مستقبل بلادهم وثورتهم.

ثورة مضادة

من جهته، قال موسى فرج، عضو المؤتمر الوطني العام السابق، وعضو المجلس الأعلى للدولة حاليا، إن "ثورة فبراير عززت ثقة المواطن الليبي في نفسه وقدرته على البناء والمشاركة والإبداع في دولة المواطنة، لكنها تعرضت إلى ثورة مضادة في وقت مبكر جدا، ما تسبب في وقوع بعض الإخفاقات"، كما قال.

وأوضح لـ"عربي21" أن "أكبر إنجاز للثورة هو تحقيق الحرية التي كانت محرمة على الليبيين أكثر من 40 عاما من القذافي"، مضيفا: "نعم تم ارتكاب الكثير من الأخطاء خلال مسار الثورة سواء بقصد أو بسوء تقدير، لكن ذلك لا يقلل من قيمة هذه الثورة، ونستبشر بالمستقبل".

لكن عضو مجلس النواب الليبي، عبدالسلام نصية، رأى من جانبه؛ أن "الحرية تحققت فعليا بمشاركة المواطن في الانتخابات التي تمت بفضل الثورة من مؤتمر وبرلمان وبلديات".

واستدرك في حديثه لـ"عربي21"، قائلا: "الإخفاق الكبير كان في عدم القدرة على استعادة الدولة بعد انهيارها؛ نتيجة لاختطاف الثورة الشعبية من قبل تيارات مؤدلجة ومحاولاتها المستمرة لعرقلة المسار الديمقراطي وإعادة بناء مؤسسات الدولة"، على حد وصفه.

حكم العسكر

وأكد أول وزير تخطيط بعد الثورة الليبية، عيسى تويجر، أن "الثورة حققت أول هدف أساسي، وهو التخلص من معمر القذافي، لكنها لم تتخلص من ثقافته التي رسخها في كثير من العقول حتى مؤيدي الثورة".

وعن مستقبل البلاد في ظل الثورة، عبّر تويجر عن اعتقاده بأن "المستقبل أفضل، ولكن الوصول إليه يعتمد على مدى قدرة الليبيين على استيعاب الدروس، والتوجه فورا نحو التوافق والبناء والتوقف عن السير وراء المرتزقة وأثرياء الفساد ونبذهم"، حسب قوله.

وقال المدون الليبي، فرج كريكش، لـ"عربي21"، إن "الإنجاز الأهم هو التمايز الواضح بين محبي المدنية والمؤسساتية والحريّة المتمثل في تيار الثورة؛ وبين الحنين إلى الاستبداد وحكم العسكر والفوضى المتمثل في تيار الثورة المضادة الذي يختبئ خلف محاربة التطرف والإرهاب"، بحسب تعبيره.

لكن الصحفي الليبي، عبد الله الكبير، أشار إلى أن "الثورة الليبية ما زالت تصارع قوي العسكر التي تسعي لإعادة إنتاج السلطة الدكتاتورية والفاشية الدينية؛ التي تسعي للحكم باسم التعاليم المقدسة، مضيفا: "وبخصوص المستقبل الثورة، فلا يمكن التكهن به، لأننا لا زلنا في مرحلة انتقالية بالغة الصعوبة"، كما قال.

وقال الصحفي الليبي والمراسل الحربي أثناء الثورة، عبد الوهاب مليطان، إن "ثورة ليبيا أسقطت القذافي، لكنها لم تنجح في إنهاء الظلم والطغيان، بل زادت حدتهما عن ذي قبل"، محذرا، في حديث لـ"عربي21"، من أنه "في حالة استمرار الانقسام والصراع، فإن المستقبل لا ينذر بخير".

المستقبل

وفي هذا السياق، اعتبر رئيس منظمة التضامن الليبية لحقوق الإنسان، جمعة العمامي، أن الثورة انحرفت عن مبادئها بوقوع انتهاكات عدة لحقوق الإنسان قد تفوق ما حدث في عهد القذافي".

وأضاف: "إذا استطعنا العودة إلى مسار الديمقراطية الذي اخترناه، فإن بناء الدولة سيكون ممكنا جدا، لكن إذا بقينا على ما نحن عليه الآن، فالانقسام وضياع مقدرات الوطن هو النتيجة لهذا الصراع"، وفق قوله لـ"عربي21".

لكن الناشط السياسي وعضو حزب العدالة والبناء الليبي، المبروك الهريش، رأى أن "مستقبل ليبيا بعد الثورة ليس واضحا بعد، ما يحتم على الليبيين الاتفاق على أسس وقواعد جديدة لبناء دولتهم عن طريق الحوار والمصالحة بعيدا عن الاحتراب"، على حد وصفه.

وأكد عضو المؤتمر الوطني السابق، محمد خليل الزروق، لـ"عرب21"، أن "مستقبل ليبيا في ظل الثورة طريق طويل مرتبط بالوضع الإقليمي والدولي، وفيه كثير من المعاناة، ولكنه طريق مفض إلى الاستقرار وطوله وقصره رهن باستفادة الناس من الدروس"، وفق قوله.
التعليقات (0)