ملفات وتقارير

هل تهدد المؤسسات الخاصة التعليم العمومي في تونس؟

المدرسة الصادقية التي أسسها الصدر الأعظم خير الدين التونسي سنة 1875- عربي21
المدرسة الصادقية التي أسسها الصدر الأعظم خير الدين التونسي سنة 1875- عربي21
شهدت تونس منذ ثورة 2011 ارتفاعا غير مسبوق في المؤسسات التعليمية الخاصة؛ في مختلف المستويات الابتدائية والثانوية والجامعية.

وتزامن هذا الارتفاع مع تقهقر مستوى التعليم العمومي، وتراجع ثقة العائلات التونسية بالمؤسسات الحكومية، والإقبال على المؤسسات الخاصة، نظرا للخدمات التي توفرها، والتي تفوق ما توفره الدولة في مؤسساتها.

ورغم تميز تونس بمجانية التعليم منذ توحيد النظام التعليمي سنة 1958، يحذر العديد من المختصين في المجال من خوصصة قطاع التعليم، والتي قد تؤدي إلى حرمان الفئات الاجتماعية ضعيفة الدخل من تحمل أعباء تدريس أبنائها، وبالتالي انعدام تكافؤ الفرص.

أرقام رسمية

ووفق الأرقام الرسمية لوزارة التربية؛ لم يستقطب التعليم الابتدائي الخاص خلال السنة الدراسية 1985- 1986 سوى ستة آلاف و295 تلميذا موزعين على 16 مدرسة، وهو ما يعادل نسبة 0.51 بالمئة من جملة تلاميذ المستوى الإبتدائي (السنوات الست الأولى من التعليم).

وتطورت نسب التلاميذ بالمدارس الخاصة بنسق متواصل لتصل خلال السنة الدراسية 2011- 2012 إلى 2.77 بالمئة من مجموع التلاميذ، بعدد إجمالي قدره 28 ألفا و875 تلميذا، موزعين على 128 مدرسة.

وتواصل الارتفاع بعد الثورة لتستقطب المؤسسات التعليمية الابتدائية الخاصة، خلال السنة الدراسية 2014- 2015، أكثر من 40 ألف تلميذ، موزعين على 191 مدرسة.

وعرف التعليم الجامعي بدوره ارتفاعا هاما في عدد الجامعات الخاصة ونسبة استقطابها للطلاب، فبعدما كان يستقطب في حدود الـ15 ألف طالب سنة 2009- 2010؛ تجاوز عدد المسجلين بالجامعات الخاصة الـ30 ألف طالب، موزعين على 66 مؤسسة.

أسباب التراجع

وأرجع المحاضر المختص في علوم التربية، الدكتور مصدق الجليدي، أسباب ما سمّاه "الهروب" المتزايد إلى المدارس الخاصة؛ إلى "التعثر الذي يشهده ملف الإصلاح التربوي، بحكم التجاذبات القوية الحاصلة بين مختلف الأطراف ذات العلاقة بهذا الإصلاح؛ من الوزارة، والنقابات التعليمية، والمربين، والمجتمع المدني، وخبراء التربية".

واعتبر الجليدي أن تعثر هذا الإصلاح بعث برسالة سلبية جدا إلى التلاميذ وأوليائهم، محملا وزير التربية ناجي جلول بالدرجة الأولى "المسؤولية عن هذا الوضع السلبي، نظرا لقيادته لهذا الملف بشعبوية وحزبوية مفرطة" وفق تعبيره.

وأضاف لـ"عربي21": "التجاذبات القائمة بين نقابات التعليم ووزارة التربية، والتي بلغت مستويات قياسية خلال السنتين الماضيتين والسنة الحالية، وما صاحبها من إضرابات متكررة من المدرسين بهدف الضغط على الوزارة والحكومة لتلبية مطالبهم المشروعة؛ سبّب أيضا قلقا متزايدا لدى أولياء التلاميذ على المسار الدراسي لأبنائهم، وعلى مستقبلهم، فلجؤوا إلى التعليم الخاص حيث لا توجد إضرابات".

وحول سبل إنقاذ التعليم العمومي؛ أوضح الجليدي أن "الحل يتمثل في إنجاز إصلاح تربوي عميق؛ لا يقصي أحدا، ويضمن أعلى درجات الجودة والحوكمة الرشيدة، ويحظى بأوسع توافق وطني ممكن من خلال مسلك ديمقراطي تشاركي حقيقي، وهو ما لن يتحقق إلا بالابتعاد عن الشعبوية والحسابات الحزبية والأيديولوجية الضيقة، والتحرر من ضغوط اللوبيات المالية والسياسية في الداخل والخارج".

مسألة نفسية

من جهته؛ قال أستاذ التعليم الابتدائي، وسيم السبيعي، إن تراجع جاذبية المدرسة العمومية على حساب الخاص هي "مسألة نسبية، وترتبط أساسا بنفسية الولي".

واعتبر السبيعي أن بعض الأولياء يختارون إرسال أبنائهم للمؤسسات الخاصة ليوهموا أنفسهم بأن أبناءهم من المتميزين، وفق تعبيره.

وأضاف السبيعي لـ"عربي21" أن "ظروف التدريس في المؤسسات الخاصة، على مستوى البنية التحتية والتجهيزات ورفاهية الفضاء؛ أفضل بكثير مما يتوفر في المؤسسات العمومية، وهو أحد عناصر الجذب".

وتابع: "كمدرسين؛ وجودنا مرتبط أساسا بوجود المدرسة العمومية. وإضافة إلى رسالتنا الخالية من الجوانب المالية؛ فإن ناشئة تونس من حقها التعلم تعلما جيدا مهما كان مستواها الاجتماعي، وسنكون الضامن لاستمرار المدرسة العمومية رغم محاولات إضعافها بالجنوح نحو الخوصصة".
التعليقات (0)