مقالات مختارة

تصريحات شاب طموح.. لا أكثر!

رشيد ولد بو سيافة
1300x600
1300x600
الاعترافات الصّادرة عن مرشح الرئاسة الفرنسية "إمانويل ماكرون" حول الماضي الاستعماري البشع للدّولة الفرنسية، وعلى الرّغم مما أحدثته من ردود فعل وجدل كبير على السّاحة السّياسية الفرنسية، تبقى مجرد كلام لا أثر له، خاصة أنّه صادرٌ عن مرشح للرئاسة يحاول استمالة ملايين الأصوات في الجزائر وفرنسا.

الجزائر كانت بلدا آمنا مستقرا مكتفيا اقتصاديا، والشعب الجزائري كان شعبا متعلما متحضرا، إلى أن جاء الاستعمار الفرنسي وفتح المجال للمعمّرين من الجنسيات الأوروبية وشرعوا في واحدة من أفظع جرائم التّصفية العرقية ونهب الثّروات في التّاريخ الحديث، وعلى مدار 132 سنة تمكنت فرنسا من طمس الهوية والتّاريخ وكادت الأمّة الجزائرية أن تختفي كما حدث للعديد من الأمم والشّعوب في قارتي إفريقيا وأمريكا، لولا أن الحركتين الوطنية والإصلاحية أعادتا بعث الجزائر من جديد.

وبعد كل هذا لا تكفي تصريحات شاب طموح يريد كرسي الرئاسة الفرنسية، لنقول إن فرنسا بدأت تعود إلى الصواب وتعترف بجرائمها في حق الشعب الجزائري، بل إن الإقرار بالماضي الأسود لفرنسا في الجزائر من قبل المرشّح ماكرون، شكّل حساسية كبيرة لدى الأوساط السّياسية الفرنسية، إلى درجة أنّ زعيمة اليمين المتطرّف "مارين لوبان" قالت إنّ تصريحات ماكرون "تنمّ عن كراهية لتاريخ فرنسا".

ومهما يكن، فإنها ليست المرة الأولى التي يغازل فيها السّياسيون الفرنسيون الجزائريين من خلال تصريحات فضفاضة، تعترف بجزء من المسؤولية عن الماضي الاستعماري؛ سعيا للأصوات الانتخابية أو للحصول على مزيد من الامتيازات والمشاريع والأسواق والنّفوذ السياسي والمالي.

وعموما، فإن الاعتراف بالماضي الاستعماري حتى لو صدر عن الرئاسة الفرنسية، لا يقدِّم شيئا ولا يؤخِّر بشأن تلك الحقيقة التي عبَّر عنها الزّعيم هواري بومدين عندما قال: "بين الجزائر وفرنسا جبال من الجماجم ووديان من الدّماء" وعليه، فإنّ هذا الإرث الإجرامي الثقيل لا يمكن محوُه أو نسيانُه بتصريحات شاب طموح.

وفي الواقع، فإن العجب ليس في تصريحات السياسيين الفرنسيين الذين لديهم مآرب سياسية، ولا في أولئك الذين يعبِّرون بصراحة عن رفضهم الاعترافَ والاعتذار عن الجرائم المرتكبة في حقِّ الجزائريين، ولكن العجب كل العجب في فئة من الجزائريين المستلَبين لغويا وثقافيا، قلوبهم معلقة بفرنسا وشغفهم بها كبير، إلى درجة إذا مرت سحابة ممطرة في باريس رفعوا "المطريات" للاحتماء وهم في الجزائر!

الشروق الجزائرية
0
التعليقات (0)