كتاب عربي 21

ترامب وخطاب حول الإسلام والإرهاب

1300x600
من المنتظر أن يلقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 21 أيار/ مايو الجاري خلال زيارته للمملكة العربية السعودية في أول جولة خارجية له، خطابا أمام قادة أكثر من خمسين دولة خليجية وعربية وإسلامية حول الإسلام والإرهاب، حيث يشارك الرئيس ترامب فى ثلاث مؤتمرات قمة خلال جولته في الرياض؛ الأولى مع الملك سلمان، والثانية مع قادة دول "مجلس التعاون الخليجي"، والثالثة مع قادة من جميع أنحاء العالمين العربى والإسلامي.

لعل السؤال الأكثر إثارة على الإطلاق يتمثل في طبيعة الحالة النفسية الوجدانية لشخص ترامب وهو يجهد في محاولة الفصل بين الإسلام والإرهاب، وحد النفاق الممكن لتجاوز قناعاته الراسخة بالتطابق بين الإسلام والإرهاب، ذلك أن زعماء العالم الإسلامي الذين سيخاطبهم يؤمنون بأن الإسلام دين السلام، فمن المعروف أن ترامب يتوافر على رؤية استشراقية شديدة التطرف حول الإسلام باعتباره دين الإرهاب والتطرف، وقد حفلت حملاته الانتخابية  بالحديث عن "الإرهاب الإسلامي المتطرف"، ولم تكن عباراته المتطرفة مجرد رطانة في سوق التنافس الانتخابي، فعقب فوزه بالرئاسة دوام على تكرار عبارته الأثيرة، وفي خطابه أمام الكونغرس في 28 شباط/ فبراير الماضي تحدث حول ضرورة حماية الشعب الأمريكي من "الإرهاب الإسلامي المتطرف"، وشدّد في خطابه على الكلمات الثلاث: "متطرف إسلامي إرهابي"، وأكد على أن تلك العقيدة التي يؤمن بها هي التي دفعته  إلى فرض قيود على الهجرة على العديد من الدول الإسلامية.

هكذا فإن أحد أبرز أطروحات ترامب حول الحرب الإرهاب ترتكز إلى الأخذ بالنظريات الإستشراقية والثقافوية، وتدفعها إلى غاياتها النهائية، فإذا كان الإسلام يتسم بالجوهرانية والسكونية ومتلبس بالعنف والتطرف والإرهاب فيجب منع المسلمين من دخول أمريكا، وإذا لم يكن ممكنا طرد المسلمين الأمريكيين من أمريكا فلا بد من إخضاعهم لفحوصات الوطنية الأمريكية، وقد دعا ترامب سابقا لمراقبة المساجد في الولايات المتحدة قائلا: إنه لا يعنيه إذا كان قوله "صحيحا سياسيا"، واقترح مراقبة المسلمين من قبل الجهات الأمنية كمبادرة لمكافحة الإرهاب، وانتشرت تقارير كثيرة على أن ترامب يريد إنشاء قاعدة بيانات عن كل المسلمين الأمريكيين.

لا يدع ترامب مناسبة دون الحديث عن علاقة الإسلام بالإرهاب، كما لو كان رسولا لـ"الإسلاموفوبيا"، وكان قد قال في مقابلة تلفزيونية أجريت معه في آذار/ مارس 2016 إنه يعتقد بأن "الإسلام يكرهنا"، أي يكره الأمريكيين، وهي المقابلة التي اعتبرها كثيرون تتضمن تعبيرات عنصرية وفيها حض على الكراهية، كما حاول ترامب المطابقة بين الإسلام والإرهاب في تلك المقابلة، وإظهار المسلمين على أنهم جميعا يؤيدون العنف والإرهاب.

خطاب ترامب في الرياض سوف يجسد صورة "المنافق" بامتياز، لكن فلسفة النفاق لا تختلف كثيرا عن جوهر الفلسفة البراغماتية الأمريكية، ذلك أنه سيمتثل لأوامر المؤسسة بالابتعاد عن ربط الإرهاب بالإسلام، وقد عمل "مستشار الأمن القومي" الأمريكي ماكماستر على إقناع الرئيس ترامب بوقف استخدام مصطلح"الإرهاب الإسلامي المتطرف"، حيث صرح ماكماستر في 16 أيار/ مايو للصحفيين بأن ترامب "سيلقى خطاباً ملهماً ومباشراً حول الحاجة إلى مواجهة الإيديولوجية المتطرفة وأن الرئيس يأمل في تكوين رؤية مسالمة للإسلام".

أحد المسائل المحيرة لدى عدد من الخبراء والمحللين والصحفيين في الولايات المتحدة والغرب فضلا عن المنطقة، تتمثل بصعوبة فهم استقبال ترامب بحفاوة وكرم في العالمين العربي والإسلامي رغم وسم دينهم بالإرهاب والتطرف، في الوقت الذي يتعرض فيه ترامب للامتهان والتحقير والاستخفاف في بلده وفي أوروبا.

بصرف النظر عن شخصية الرئيس في أمريكا والإدارات المختلفة، فإن الولايات المتحدة تعتمد في تدبير سياستها الخارجية على نهج يقوم على فلسفة "براغماتية" تستند إلى تحقيق "المصلحة القومية الأمريكية" وعلى الرغم من اللغط والجدال حول الفروقات بين إدارة أوباما وخلفه ترامب إلا أن كلاهما ينتمي إلى ذات الفلسفة البراغماتية الأمريكية بوجوهها المتعددة الإمبراطورية والإمبريالية والحقوقية، إذ تقوم سياستها الخارجية في الشرق الأوسط على الحفاظ على "الأمن والاستقرار" لضمان إمدادات "النفط"، وحماية أمن المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية في فلسطين، وذلك من خلال الالتزام بدعم الأنظمة الاستبدادية وحماية تلك المصالح من "اإرهاب" أبناء المنطقة.

في هذا السياق لا تختلف سياسة ترامب عن سلفه أوباما ولن تختلف خطاباتهما سوى في "سياسات الحقيقة" نظرا لاختلاف الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية حيث يقدم ترامب خطابا شعبويا أحاديا شديد الوضوح فيما كان أوباما يقدم خطابا نخبويا تعدديا شديد الالتباس، لكن حقيقة الأمر أن ترامب يسير على خطى أوباما عمليا ويتنكب له خطابيا، لاختلاف تصوراتهما حول مسألة "عظمة أمريكا" لكن مضمون الخطاب والممارسة لا يخرج عن سياق الفلسفة البراغماتية بصيغها المحتملة.

كان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما قد توجه مع بداية رئاسته إلى العالم الإسلامي بخطاب شهير من القاهرة في 4 حزيران/ يونيو 2009، في محاولة لتحسين صورة أمريكا افتتحها بقوله "السلام عليكم" باللغة العربية، واستشهد في خطابه بآيات من القرآن الكريم، وبشر بعلاقات جديدة بين أمريكا والعالم الإسلامي تقوم على الاحترام والمصالح المشتركة، وقال:"إن أمريكا والإسلام لا تعارضان بعضهما البعض ولا داعي أبدا للتنافس فيما بينهما"، وأعلن عن "التزامه بحل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، ولم يستخدم عبارة "الإرهاب الإسلامي"، وشدد على قيم الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان.

في نهاية مطاف رئاسة أوباما لم يتحقق شيء من وعوده ب"الأمل" و"التغيير"، وذهب خطابه أدراج الرياح، الأمر الذي سوف يتجنبه ترامب في خطابه، فبحسب مستشار الأمن القومي الأميركي: إن الرئيس الأميركي سيلقي خطابا "ملهما ولكنه مباشر"، ولذلك لن يستشهد ترامب بآيات من القران الكريم، ولن يتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسيكون خطابه دون منمقات بلاغية، فالخطاب سيركز كما أفاد ماكماستر على "الحاجة لمواجهة الأيديولوجية المتطرفة وآمال الرئيس بانتشار رؤية سلمية للإسلام في جميع أنحاء العالم"، وبأن "الخطاب يهدف إلى توحيد العالم الإسلامي الأوسع ضد الأعداء المشتركين ولإظهار التزام أميركا تجاه شركائها المسلمين".

إن خطاب ترامب لن يقدم شيئًا جديدًا في اطار محاربة الارهاب على الصعيد العملي، فهو يشبه ما طرحه أوباما بخصوص الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية وما يطبقه فعلا، إذ تحدث ترامب منذ وصوله إلى البيت الأبيض عن عمليات ائتلافية مشتركة من أجل القضاء على تنظيم الدولة وعن تعاون دولي لقطع التمويل عنها واستخدام الطائرات من دون طيار إضافة إلى تعزيز التعاون الاستخبارتي والحرب الالكترونية من أجل تعطيل دعاية تنظيم الدولة وتقويض مساعيها للتجنيد وهي أساليب يستخدمها أوباما.

هكذا فإن ترامب سيناقش خلال زيارته إلى السعودية ولقائه قادة العالم الإسلامي عدة بنود حسب واشنطن بوست، أهمها إيجاد حل طويل الأمد للتطرف، واتخاذ إجراءات إضافية لوقف تمويل المنظمات المسلحة، ومواجهة تأثير إيران وتنظيم الدولة الإسلامية، وزيادة التعاون الأمني بين دول الشرق الأوسط.

على الصعيد العملي فإن زيارة ترامب للسعودية تهدف إلى تحقيق المصالح الأمريكية بصورة أساسية، وذلك من خلال الحصول على مزيد من الأموال عبر صفقات تجارية هائلة، الأمر الذي تحقق في اليوم الأول من الزيارة، فقد اعلن البيت الأبيض عن عقود تسليح فورية للمملكة العربية السعودية من الولايات المتحدة، بقيمة 110 مليارات دولار،  كما أعلن البيت الأبيض عن توقيع اتفاقيات عسكرية بين الجانبين بقيمة 350 مليار دولار على مدى 10 سنوات ليصبح مجموع الاتفاقيات الموقعة 460 مليار دولار.

أما الحديث عن رؤية ترامب لإنشاء هيكل أمني إقليمي جديد يطلق عليه مسؤولو البيت الأبيض "حلفا عربيا"، لتوجيه الكفاح ضد "الإرهاب" والرد على إيران، فهو لا يعدو عن كونه محض خيال غير قابل للتحقق، ذلك أن الولايات المتحدة ذاتها تفتقر إلى استراتيجية حقيقية لمواجهة "الإرهاب"، فضلا عن "إيران".

خلاصة القول أن خطاب ترامب حول الإسلام والإرهاب يقع في خانة الرطانة البلاغية، ذلك أن "الإرهاب" هو نتاج السياسات الإمبريالية الأمريكية، وربيبتها الأنظمة الاستبدادية المحلية، ومخرجاتهما الطائفية، ولا تخرج المقاربات الإمبريالية والدكتاتورية حول "الإرهاب" عن جوهر النظريات الاستشراقية والثقافوية في ربط الإرهاب بالإسلام أو بأحد تأويلات الإسلام، الأمر الذي يدفع بالمقاربة العسكرية الأمنية إلى حدودها البراغماتية القصوى  دون النظر إلى أسباب التطرف والإرهاب الموضوعية التي تتعلق بسلسلة من التدخلات الخارجية الدولية في المنطقة، ودعم وإسناد إسرائيل، وغياب أي تسوية وحل للقضية الفلسطينة، وغياب الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان، وانسداد الأفاق السياسية لدول المنطقة، وشيوع الاستبداد.