قضايا وآراء

من نحن وماذا نريد؟ منطلقات الحركات الإسلامية تحت المجهر (7)

1300x600
غياب الخبرة التراكمية السياسة نموذجا:

تفتقر الحركات الإسلامية بوجه عام إلى الخبرة التراكمية، فلا هي تتعلم بشكل حقيقي من أخطائها أو أخطاء غيرها، ولا هي تبني على نجاحاتها أو ما حققه غيرها.

ولعل "السلفية" -على اختلاف مدارسها- مثال بارز، وبخاصة في تشتت الرؤية حول العمل السياسي. فبعض تجمّعاتها اعتبره رجسا من عمل الشيطان والقول الفصل ما قاله ولي الأمر، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك وهتك عرضك، حتى وصل الحال بمن اعتمد هذا المنحى إلى أن أجبروا على تحريم الحلال وتحلّة الحرام، اتقاء لبطش ولي الأمر، بل ربما رموا غيرهم من الحركات الإسلامية بالكفر والمروق من الملة، أو عدّوهم من الخوارج ونسبوا لهم صناعة الإرهاب، لا لقناعة بذلك بل سيرا في ركاب أولى السلطان رغبا أو رهبا.

في المقابل رأى "سلفيون آخرون" أن الانخراط في المجال السياسي سبيل رئيسي لنشر فكرهم ورفع رايتهم، فشاركوا في العمل الحزبي التنافسي من أول يوم، بينما نجد قطاعا آخر ينتسب لنفس المظلة السلفية قد تبنّى حرمة السياسة قبل الربيع العربي، ثم جعلها واجبة بعد النجاح المؤقت لتلك الموجة، ثم عاد مجددا إلى سيرة الأولى من طاعة ولي الأمر "المتغلب بالقوة" بغض النظر عن شرعية، تماما كما فعل فصيله الأول، ليرتمي في أحضان كل سلطة أو نظام حكم مهما تجبّر، بل يبرر له ما يصدر عنه من ظلم أو سفك للدماء حتى لو كانت من ذات الفصيل.

أما "الصوفية المدجّنة" فلا مبالغة في القول إن كثيرا من الطرق المنتسبة لها تعشق الديكتاتورية وتزدهر أنشطتها في عصور القهر، كيف لا وهي ترفع شعار "الدين في القلب، والسلطان لمن غلب"، ونحن مع الغالبين لا ننكر على ظالم ولا نعارض سفاحا، عملا بقولهم دع الخلق للخالق.

و"الجماعة الإسلامية" قد بنت على التغيير المفصلي في بعدها عن العنف واعتمدت العمل السياسي مفتاحا رئيسا لحراكها، لكنها لا تزال تتلمس خطاها في هذا الطريق، فمن جانب لا تريد الصدام مع الدولة، وتريد أن تتمايز عن غيرها من الجماعات التي سبقتها في العمل السياسي دون أن تبني على أخطائها. و"الإخوان" تذبذبوا رفض التحزّب والحزبية إلى عكسه، ورشح عن ذلك نماذج ثلاثة: إما إنشاء حزب سياسي تابع للجماعة (الأردن نموذجا)، أو حزب منفصل شكليا عن الجماعة (مصر نموذجا)، أو التمايز الواضح بين الحزب والجماعة دون رابط تنظيمي بينهما (المغرب نموذجا). لكن أكبر تذبذب سياسي للإخوان كان الانتقال من شعار المشاركة إلى المغالبة، وتولي مقاليد السلطة بالكامل في نقلة سريعة لم يكن الصف الإخواني مهيأ لها في سياق متقلّب، ولا كان المجتمع مع ما تعرّض له من دعاية سلبية لم تتوقف عبر عقود حتى كرست فكرة شائهة في أذهان مثقفي الناس قبل عامتهم.

التدرج أم القفز:

لقد افتقر التعامل السياسي في مسألة استلام السلطة بعد الثورة إلى الواقعية في التقدير وعمق التحليل، واستشراف المآلات، بل إنه لم يستفد من الخبرات السابقة.

فمن اعتمدوا منهجية التدرج في الإصلاح غبر إيجاد الفرد المسلم ثم الأسرة والمجتمع ثم الحكومة والدولة والخلافة؛ لم يخضعوا هذا التدرّج للمراجعة من الناحية السياسية، ولو بسؤال: هل هو شرع لا ينبغي مخالفته؟ أم رؤية إصلاحية رشح عنها هذا الاجتهاد في سياق تاريخي وظرف سياسي واجتماعي محدد، وأثبت الواقع خلال قرن من الزمن - تقريبا - فشل تطبيقه واقعيا أو تحقيق مستهدفاته سياسيا.

فالحركة الإخوانية في السودان وصلت إلى السلطة عبر انقلاب عسكري، وحركة حماس في فلسطين لم تحافظ على نجاحها في الانتخابات إلا بدعم جناحها العسكري، وتجربة النهضة في تونس أجهضت في أول استحقاق انتخابي، وتجربة الإنقاذ في الجزائر نسفت بفراغ سياسي مصطنع ومدعوم من جنرالات الجيش، والحركة الديموقراطية في ليبيا - والإسلامية في مقدمتها - تم وأدها بالكامل بحراك عسكري، وتجربة الإصلاح في اليمن والانقلاب الحوثي؛ فحدّث عنها ولا حرج.

كل هذا يعيدنا مجددا للسؤال السابق حول موقع السلطة في أهداف الحركة الإسلامية ووسائلها؟! لعل تجربة خسارة الحركات الإسلامية في انتخابات نزيهة في بعض الدول العربية لو درست واستخلصت منها الدروس، لكان هذا كفيلا بتغيير الواقع السياسي في دول أخرى، أو على الأقل تجاوز أضرار وتلافي تجارب سلبية أعادت أصحابها عقودا للوراء.