كتاب عربي 21

ليلة القبض على "علا القرضاوي"!

1300x600
للشيخ يوسف القرضاوي، سبعة أبناء (أربع بنات وثلاثة ذكور)، لا يوجد بينهم من يشتغل بالسياسة والعمل العام، سوى واحد هو الشاعر "عبد الرحمن يوسف"، والذي لا يمكن أن يُحسب على والده، فليس امتداداً له، بل في نشاطه محكوم بعقدة أبناء المشاهير، حيث القاعدة المعتمدة لديهم هي "لن أعيش في جلباب أبي"، و كونه ابن الشيخ القرضاوي مثل له لفترة حساسية شديدة، قبل أن يُعرف بشخصه لدوره في الثورة، عندئذ لم تكن لديه مشكلة في أن يعرف القاصي والداني أنه ابن العالم ذائع الصيت الشيخ القرضاوي، بل كان يذكر هذا في مناسبات مختلفة عامداً متعمداً.

وهى ذاتها العقدة التي حكمت الشيخ "حازم صلاح أبو إسماعيل" لسنوات طويلة، وكانت سبباً في تغييب تراث أبيه عن الأجيال الجديدة، وعندما أصبح ملء السمع والبصر، استدعى سيرة الشيخ "صلاح"، لأنها ستمثل له إضافة لا خصماً، فوالده صاحب المواقف الشجاعة في حكمي السادات ومبارك، وهذا الشبل من ذاك الأسد!

فليس لأبناء القرضاوي إذن وصل بالسياسة، لكي يندفع النظام الانقلابي في عقابهم على ذلك، والوحيد المشتغل بها، له شخصيته المستقلة ويعمل بعيداً عن دائرة أبيه، وعندما نعلم بخبر القبض على ابنة الشيخ "علا القرضاوي" وزوجها في القاهرة، فإن الأمر يكون واضحاً أمامنا؛ فالاعتقال هو من باب المكايدة لأبيها، وللانتقام منه بالتنكيل بابنته، التي ليست فتاة قاصراً، ولكنها جدة ولها اعتبارها المستقل!

ولا جديد عندما يمارس العسكر الانحطاط بهذا الشكل، فقد مارسوه مع بعضهم من قبل، ويعد عبد الفتاح السيسي باعتقاله لكريمة الشيخ القرضاوي ليس مدفوعاً سوى بجينات العسكر، وقد ورد في الأثر أن العرق دساس!

لقد كان الدور الأبرز لرجال حركة ضباط الجيش في يوليو 1952، هو للضابط يوسف صديق، الذي تزعم الفرقة التي خرجت في ليلة الانقلاب، وفي غياب عبد الناصر نفسه، فلم يكن السادات هو الغائب الوحيد في هذه الليلة بتسجيل حضوره في السينما، وكان من الطبيعي بعد ذلك أن يطلق على يوسف صديق، "فارس الثورة النبيل"، فالرجل تزعم الدعوة لعودة الجيش لثكناته، وإقامة حياة سياسية مدنية سليمة، فوضع نفسه في أزمة مع عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة، فلم يقتصر أمرهم على اعتقاله، فقد أمر عبد الناصر باعتقال زوجته، وبدأ بتلفيق القضايا منذ هذه اللحظة!

لقد اتهموا زوجته بطبع منشورات ضد "الضباط"، وجاءت التحريات المكتوبة على عجل، بأن زوجة "يوسف صديق" لديها مطبعة في منزلها، وقيد العنوان في هذه التحريات وباسم الزوجة، وبإلقاء القبض عليها وجدت المحكمة أنها أمام قضية مسخرة!

فقد كان المقبوض عليها، هى الزوجة الثانية لـ"يوسف صديق"، والاسم بالبيانات الخاصة بعنوان المنزل في أوراق الاتهام تخص الزوجة الأولى، وهي التي كانت مستهدفة فعلاً من قبل عبد الناصر بالاعتقال، فربما لم يكن يعلم بأمر الزيجة الثانية لزميله في تنظيم "الضباط الأحرار"، وهو الاسم الذي أطلقه محمد نجيب على ضباط الانقلاب، بعد ذلك، وقد اعتذر عنه في مذكراته!

وعندما تم الإفراج عن "يوسف صديق" وزوجته، كان القرار بوضعه تحت الإقامة الجبرية، وبلغ من لؤم القوم، ولديهم ثقافة فطرية في "كيد الضرائر"، أنهم جمعوا عليه في مقر إقامته زوجتيه، وقد اعتمدوا هذه الثقافة في حكمهم بعد ذلك!

وعندما قرأت عريضة الاتهامات الموجهة لـ"علا القرضاوي" تذكرت هذه العريضة التي كتبت ضد زوجة يوسف صديق قبل أن يتبين أنه ليس لها علاقة بكل ما يحدث!

هناك اتهامات ثابتة لكل المتهمين، من حيث الاتهام بالعمل على تكدير السلم العام، وقلب نظام الحكم، وتعطيل العمل بالدستور، مع أن عبد الفتاح السيسي بنفسه هو من عطل العمل بالدستور في بيان عام. وبعيداً عن هذه القائمة، هناك اتهامات تختلف من متهم لآخر، وكان نصيب "علا القرضاوي" منها الانضمام إلى جماعة محظورة، هي جماعة الإخوان المسلمين، وبمقتضى ذلك صدر قرار نيابة أمن الدولة العليا بحبسها احتياطيا خمسة عشر يوماً، وتم ترحيلها إلى سجن القناطر!

معلوم للقاصي والداني، أن الشيخ القرضاوي نفسه لم يعد عضواً في جماعة الإخوان المسلمين فقد ترك الجماعة قبل أن يلتحق عبد الفتاح السيسي بالكلية الحربية، ولو كان أحد من أبنائه عضواً في الجماعة لعلم بذلك القاصي والداني، و"علا" المولودة في الدوحة، والتي تحمل الجنسية القطرية، لا يمكن أن تكون عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، لسبب مهم أن الجماعة حلت نفسها في قطر منذ ثلاثين عاماً، وليس من بين القطريين من هو عضو في جماعة الإخوان المسلمين، وعندما حل التنظيم نفسه لم تكن "علا" أو أي من أخوتها عضواً فيه!

ونقترب أكثر من حقيقة المأساة، عندما نقرأ أن الاتهام نفسه تم توجيهه لزوج ابنة الدكتور يوسف القرضاوي، المهندس "حسام خلف"، القيادي بحزب "الوسط"، وهو الحزب الذي تأسس على يد من سبق لهما الخروج من جماعة الإخوان، وهما "أبو العلا ماضي" و"عصام سلطان"، وإذ حصل الحزب على الرخصة القانونية بعد قيام ثورة يناير، فلم ينقلبا على أفكارهما ولم يخض "الوسط" الانتخابات البرلمانية ضمن "التحالف الوطني"، الذي شكله الإخوان وضم عدداً من الأحزاب الأخرى من بينها "حزب الكرامة" برئاسة حمدين صباحي!

فقد خاض "الوسط" الانتخابات وحده، وعندما تعرضت لـ "ملقب الجماعة" في هذه الانتخابات باستبعاد اسمي قبيل غلق باب الترشيح، حتى لا يمكنني الترشح ضمن قائمة أخرى، أو الترشح فردياً، كنت قد دعوت في القاهرة رداً على ذلك بانتخاب قائمة "حزب الوسط"، كما دعوت في مسقط رأسي لانتخاب قائمة حزب "النور"، التي كانت قد تشرفت بوجود الشيخ محمد الصغير على رأسها، وكانت الدعوة هنا راجعة لوجود التمايز عن الإخوان والتنافس الجاد أيضاً!

فإذا كان قد حدث تقارب بعد ذلك بين قيادة "الوسط"، والرئيس، فلم يكن تقارباً مع الإخوان جماعة وحزباً، وكان قادة "الوسط" بالتقارب يعملون على إنجاح التجربة الديمقراطية الوليدة، وليس تماهياً مع الجماعة. فلا يمكن أن يتهم – بالتالي – قيادي بحزب "الوسط" بأنه من الإخوان، ولا يمكن قبول هذا إلا من باب التلفيق، الذي بدأ بتلفيق الاتهام لزوجة ضابط الجيش "يوسف صديق"، بأنها تطبع المنشورات في منزلها وتوزعها على الناس، لكن الفارق هنا أن زوجة فارس الثورة، كانت محظوظة لأنها عرضت على قاض نزيه، من اختيار مرحلة ما قبل الحكم العسكري، وقبل أن يبدأ عبد الناصر في استحداث القضاء البديل، وينصب مذبحة القضاة الشهيرة، في حين أن "علا القرضاوي" وزوجها "حسام خلف" تم عرضهما على قضاة من النوعية التي حكمت بسجن موتى لارتكابهم أعمالاً إرهابية تم التخطيط لها في مقر إقامتهم بمقابر البساتين، فلم يكن غريباً أن يقضي بسجنهما بالاتهام للانتماء لجماعة الإخوان، ولن نصاب بالدهشة عندما يراعى التجديد لهما في الموعد المحدد!

إن انحطاط العسكر، قد أوصلهم في السابق إلى حد اعتقال زميل لهم كان له قدم صدق في "حركتهم المباركة"، واعتقال زوجته، والجمع بين الضرائر بعد تحديد إقامة صاحبهم، وهذه السوابق عند تذكرها تحجب الدهشة على تصرفات عسكر هذه الأيام عندما ينتقمون من الشيخ يوسف القرضاوي في ابنته وزوجها.

ويأتي هذا في وقت تحولت فيه قائمة دول الحصار على قطر إلى فضيحة لأنها ضمت "القرضاوي" ضمن قائمة الإرهابيين المطلوب من الدوحة طردهم، على نحو دفعهم إلى التوقف عن ذكر الأسماء والاكتفاء بالإشارة إلى القائمة عندما قدموا مطالبهم الثلاثة عشر!، بعد فضيحتهم التي تحولت إلى "نكتة" لأنها جعلت من فقيه الوسطية في هذا الزمان إرهابياً!

السيسي وإعلامه يطلقون على الشيخ يوسف القرضاوي مفتي الإرهاب، وهذا ليخفوا في أنفسهم ما الله مبديه، فمشكلتهم مع الشيخ في أنه مفتي الثورة، التي أطاحت بعروش الاستبداد، وتخشى العروش القائمة من أن تصلها الثورة، وليس في تاريخ القرضاوي كله، ومؤلفاته كلها، دعوة للإرهاب ولو بشطر كلمة، فهذه الأنظمة المستبدة هي التي تفرخ الإرهاب وترعاه بإجرامها بحق الشعوب!

لقد أرادوا أن ينتقموا من القرضاوي لكونه مفتي الثورة، ففشلوا فامتدت أيديهم إلى كريمته وزوجها، بقائمة اتهامات مضحكة، فالسيدة "علا القرضاوي" ليست إخوانية، لكن الرئيس الإخواني، هو من قام بترقية عبد الفتاح السيسي كرماً منه رتبتين عسكريتين، وهو من عينه وزيراً للدفاع، وظل السيسي نفسه ينافقه حتى آخر ساعة له في القصر الجمهوري، فلم يكن رجلاً ليدير معه خلافاً في العلن، كما فعل كل الرجال، الذين يتهمهم السيسي الآن بأنهم من الإخوان!

ستخرج السيدة "علا" وزوجها من السجن إن لم يكن اليوم فغدا، ليصبح ما جرى معهما أحد الأدلة المثبتة والكاشفة عن انحطاط الحكم العسكري، الذي يأخذ الأبناء رهائن، وينتقم من سيدة، بتهمة أنها ابنة عالم كبير، وشيخ لم يقبل الدنية في أمره.

يا له من انقلاب منحط.