كتاب عربي 21

مجلس التعاون الخليجي يترنح

1300x600
رغم مرور 36 عاما على تأسيس مجلس التعاون الخليجي عام 1981 إبان الحرب العراقية الإيرانية، إلا أن ما تحقق من إنجازات خاصة على الصعيد الاقتصادي، لم يكن على مستوى الطموح الذي بدأ به تأسيس المجلس، وأصبح ما يصدر عن الاجتماع السنوي لقيادات الدول الخليجية، تغلب عليه الأماني أكثر من تحقيق خطوات عملية على طريق الوصول للاتحاد النقدي والعملة الموحدة .

ومع توقيع دول الخليج اتفاقية اقتصادية في 1981 تم تجديدها عام 2001، أسفر الأمر عن إنشاء منطقة تجارة حرة لدول المجلس، والمناداة بأهمية المواطنة الاقتصادية التي تحقق من خلالها إطلاق تملك مواطني دول الإتحاد للعقار بالدول الأعضاء لمختلف الأغراض السكنية والاستثمارية، والسعي لتطبيق المساواة التامة بين مواطني دول المجلس في ممارسة المهن والحرف والأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمية .

لكن، ما حدث بالخامس من يونيو الماضي بمطالبة المواطنين القطريين مغادرة السعودية والإمارات والبحرين، نسف كل ما تحقق لتحقيق المواطنة الاقتصادية، ومن ذلك السماح لمواطني الدول الأعضاء بمزاولة مهنة تجارة التجزئة وتجارة الجملة بأي من دول الاتحاد، والسماح للمؤسسات والوحدات الإنتاجية بفتح مكاتب للتمثيل التجاري لها بأي دولة عضو بالاتحاد .

 والسماح للشركات الخليجية بفتح فروع لها بدول الخليج، والمساواة الكاملة بمعاملتها معاملة الشركات الوطنية، وكذلك تطبيق المساواة التامة بمجال تملك وتداول الأسهم وتأسيس الشركات، فكيف يمارس المواطن القطري تلك الحقوق وهو مطالب بالخروج العاجل وذويه من ثلاثة بلدان من دول الاتحاد، حتى تعاطف مواطني الدول الثلاث مع القطريين أصبح مجرما، رغم القول إن الخلاف مع النظام الحاكم بقطر وليس مع المواطنين القطريين !

هيئة معطلة لتسوية النزاعات
ولقد كشف الخلاف الخليجي مدى هشاشة الاتحاد الخليجي، فحسب النظام الأساسي للاتحاد فهناك هيئة لتسوية النزاعات تتبع المجلس الأعلى المكون من حكام الدول الستة، لكن شيئا من ذلك لم يحدث. ورغم سعي المجلس لتحقيق التعاون والترابط بجميع الميادين ومنها الشؤون الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات، والشؤون التعليمية والثقافية والإعلامية والسياحية، وبمجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروة المائية والحيوانية .

إلا أن ما حدث من ترحيل للطلاب القطريين قد نسف ما قيل من التكامل التعليمي، وكان إغلاق الحدود والموانئ والمطارات متعارضا مع مسعى التكامل بميادين المواصلات والسياحة، كما دعا ذلك لمراجعة ما تم بالواقع العملي بميادين التكامل المطلوبة .

فبمجال الصناعة لم نجد المشروعات الصناعية المشتركة، ونفس الأمر بالمجال الزراعي حيث لم تظهر مشروعات زراعية مشتركة، فعلى سبيل المثال توجد استثمارات زراعية سعودية بالسودان وكذلك استثمارات زراعية للإمارات هناك، لكن لا توجد استثمارات زراعية خليجية مشتركة هناك أو في بلاد أخرى .

وبالمجال المصرفي، لم يتم ربط أنظمة المدفوعات. وبمجال الإسكان، اقتصر الأمر على التوصية بالاستفادة من خبرات المكاتب الاستشارية والهندسية والمقاولين الخليجيين بالمشاريع الإسكانية بدول المجلس. وبمجال الاتصالات، اقتصر الأمر على عمل تخفيضات خلال ساعات الليل وأيام الجمع والعطلات الرسمية بين دول المجلس لجميع خدمات الاتصالات. وبمجال البريد، إعطاء تعريفة تفضيلية ومخفضة لجميع المطبوعات الصادرة بدول المجلس .

الإمارات وعمان خارج الاتحاد النقدي
وهكذا، فإن إعلان منطقة للتجارة الحرة عام 1983 وإعلان الاتحاد الجمركي 2003، والسوق الخليجية المشتركة 2007، وإنشاء هيئة للاتحاد الجمركي 2012،  ثم الاتحاد النقدي 2010، كان يغلب عليها الطابع الإجرائي، فالاتحاد الجمركي الذي نص على تعريفة جمركية موحدة بنسبة 5 % على السلع الأجنبية من خارج الاتحاد الجمركي، مازال غير مكتملا .

أما اتفاقية الاتحاد النقدي لدول الخليج التي أعلنت نهاية عام 2008 فهي أكثر دلالة على واقع الانقسام  بالاتحاد، حيث وقعت عليها أربع دول فقط، وامتنعت كلا من الإمارات وسلطنة عمان، أي بخروج قطر يخفض العدد لثلاثة دول فقط، وهي الاتفاقية التي تنشئ مجلس نقدي لحين إنشاء بنك مركزي، والتي يتعارض معها ما قامت به مصارف خليجية من ممارسات سلبية تجاه بنوك قطرية بعد الخلاف .

ويبقى الأهم وهو تراجع الثقة سواء ما بين مواطني دول الاتحاد والأنظمة الحاكمة، أو بين الدول الخليجية نفسها، فمن المؤكد أن سلطنة عمان والكويت تعيدان حساباتهما تحسبا لما يمكن أن تتعرض له في حالة خلافهما مع الدول الثلاثة الأخرى، والمواطنين الذين لهم مشروعات أو حتى أسهم ببلدان الخليج الأخرى سيفكرون في تقليل مساهماتهم .

ونفس الأمر للدول الأجنبية التي لها مشروعات بدول الخليج، ستعيد حساباتها من إمكانية تضررها في حالة تجدد الخلاف بين دول الخليج، ولهذا ستعيد النظر في مساهمتها في مشروعات جديدة بتلك الدول حاليا، بعد تأكدها من أن القرار السياسي المتسرع والمتسم بالعصبية يتحكم بالنواحي الاقتصادية .