كتاب عربي 21

الدعوة للانتخابات وردود الفعل حولها

1300x600
لم يكن مفاجئا أن يعلن رئيس المجلس الرئاسي، فايز السراج، عن الذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية في نهاية الربع الأول من العام القادم، فقد طرح هذا الخيار في دوائر صناعة القرار ما بعد الاتفاق السياسي، بل إن اتفاق الصخيرات يجعل نهاية المرحلة الانتقالية الراهنة بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع.

لكن المفاجئ هو الفصل في المسألة بعد أن تم الاتفاق على تمديد المرحلة الانتقالية الراهنة بتعديل الاتفاق السياسي عبر التفاوض بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة، فقد اختار كلا الجسمين أعضاء فريقهما التفاوضي، ووقع اجتماع في لاهاي في الاتجاه نفسه.

أعلن السراج عن اختياره، وانقسم الفرقاء حيال المسألة إلى فريقين: مؤيد ومعارض. جُل التأييد في المنطقة الغربية، وجل المعارضة من المنطقة الشرقية، وهنا المفارقة.

مبدئيا فإن أكبر مستفيد من الانتخابات الرئاسية هو خليفة حفتر الذي لمع اسمه خلال الأعوام الثلاثة الماضية بنجاحه نسبيا في تسويق نفسه كمخلص في ظل الفوضى السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد، فقد أفل نجم معظم المبرزين على الساحة السياسية منذ اندلاع ثورة فبراير 2011، وعصفت الأزمات المتتالية بكل الأسماء التي كان لها حضور سياسي وتأييد شعبي، وبقي حفتر الاسم الأبرز دون منافس حقيقي حتى اللحظة.

لكن يبدو أن حفتر غير راض عن قرار رئيس المجلس الرئاسي، أو هذا ما أعلنت عنه صراحة الدوائر المقربة منه، فقد بادر تلفزيون الحدث المؤيد للجيش التابع للبرلمان بمهاجمة المبادرة وسارعت القناة بالدعاية أن الفكرة "إخوانية" حيث سبق وأن دعا الدكتور علي الصلابي إلى انتخابات العامة  مبكرة كمخرج من الأزمة الراهنة.

رئيس البرلمان، عقيلة صالح، رفض المبادرة، وكذلك فعل عدد من الأعضاء، في مقابل عدد آخر باركها، في مشهد يكشف عن الضياع الذي يتقلب فيه البرلمان والذي أفقده أي فاعلية وجعله أداة سياسية محدودة الأثر وليس جسما تشريعيا يمثل كل الليبيين.

المفارقة تتأكد بقبول مكونات ضمن جبهة طرابلس بالدعوة لانتخابات مبكرة، وهم من يدركون أنه لا مرشح بحظوظ وافرة اليوم يمكن أن يقارع المشير، فقد أعلن عن تأييدها حزب العدالة البناء، ولم يعارضها صراحة الفريق المعارض للاتفاق السياسي في المنطقة الغربية، ويبدو أن بعض الفاعلين ضمن هذا الفريق يرون في الانتخابات فرصة للاستدراك على ما وقع بعد التوقيع على اتفاق الصخيرات ووقوع الانقسام ضمن جبهة طرابلس.

في ظني أن من عارض طرح السراج يرى بأن الخيار هو لكسب الوقت وقطع الطريق على البديل الأمثل بالنسبة لهم، فقد أعلن حفتر بوضوح أن المقاربة العسكرية هي الأرجح في ملء الفراغ السياسي في ديسمبر القادم بانقضاء المدة المقررة للاتفاق السياسي، أيضا الطرف المؤيد خاصة ممن يتبنون موقفا صارما من حفتر يرون أنه هناك سبيل لوضع عراقيل قانونية أمام ترشحه، ويقول البعض أن حفتر لن يدخل لطرابلس حتى في حال ترشحه وفوزه بالانتخابات، فهو لم يدخل بنغازي ويجعلها مقر قيادته برغم إعلانه عن تحريرها، فكيف سيتخذ من طرابلس مقرا له في ظل الوضع الأمني الذي يمثل خصوصية قد لا تروق لحفتر.

كان رهان حفتر على الحسم العسكري في المنطقة الغربية لفرض إرادته أو التمهيد للانتخابات، لكن الرهان كان خاسرا أو لم يحقق المرجو منه كاملا، واعتقد أن طرحه لفكرة المصالحة الوطنية اليوم تصب في الاتجاه نفسه، بمعنى التمهيد للاستقرار النسبي عبر التوافق المجتمعي والاجتماعي وليس السياسي، ولا اعتقد أن الصلح يمكن أن يتحقق في المدى الزمني المقرر لإطلاق الانتخابات، لهذا فإن المنطق والتحليل الأقرب للصواب يقود إلى رفض حفتر للانتخابات التي دعا إليها السراج.

هناك أيضا سؤال إمكان إجراء الانتخابات في ظل الانقسام، فكيف سيتم تمرير الخيار قانونيا ودستوريا؟ فليس للمجلس الرئاسي الصلاحية في إقرار قانون الانتخابات خاصة الرئاسية والتي لا قانون سابق لها، والبرلمان منقسم وهو اليوم في أسوأ مراحله منذ انتخابات يوليو 2014، ولا يتصور أن يصل إلى النصاب، فلا نصاب والقيادة العسكرية في المنطقة الشرقية متحفظة.

ما سبق عرضه يؤكد ما أشرنا إليه سابقا في مقالات عدة وهو أن غياب التوافق بل والاتجاه إلى مزيد من التناقض في مواقف الأطراف السياسية هو العنوان العريض للأزمة والدافع لاستمرار تدهور الأوضاع أمنيا واقتصاديا، والمبرر لمزيد من التدخل الخارجي الذي سيصبح مقبولا شعبيا حتى في حال فرض حلا غير توافقي سيتعرض مخالفه للعقاب.