قضايا وآراء

هل تقطع برلين شعرة معاوية مع أنقرة؟

1300x600
مر عام على محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا التي جرت منتصف تموز/ يوليو 2016، ولا تزال العلاقات بين أنقرة وبرلين في حالة من التوتر، فما أن تنخفض وتيرتها حتى تعود للتوتر من جديد.

وبالنظر للموقف الألماني، ورغم أن محاولة الانقلاب جرت والعلاقات مع أنقرة لم تكن على ما يرام، إلا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أدانت ما جرى، وقالت: "إن برلين تقف إلى جانب من دافعوا عن الديموقراطية وحكم القانون في أنقرة". وأوضحت ميركل أن من حق الشعب التركي أن يختار زعيمه السياسي في انتخابات حرة وديموقراطية، في المقابل رفضت التبعات التي قام بها أردوغان، ولكلٍ مبرارته.

وتتهم تركيا حركة غولن، أو ما يعرف بالكيان الموازي، بأنها المدبر الرئيس لمحاولة الانقلاب هذه، فشنت حملة قاسية على من تعتبرهم أنصار الانقلاب من الجماعة المدعومة من الغرب، والتي يقيم رئيسها فتح الله غولن في الولايات المتحدة.

الحملة التركية استهدفت كل من له علاقة بالكيان الموازي، وهدفت لإقصائهم عن جميع مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية على حد سواء، فحولت المئات منهم للسجون، وأوقفت عشرات الآلاف عن العمل، وأغلقت عشرات المؤسسات التي يمولها غولن، وقد هددت بتنفيذ أحكام إعدام بحق عساكر متورطين بالمحاولة المذكورة.

هذه الإجراءات التركية لاقت انتقادا غربيا واسعا، لا سيما من ألمانيا، كون أن ذلك يحد من الحريات التي تعد من القيم التي يتمسك بها الغرب، كما أن قانونا بالإعدام في دولة تسعى للانضمام للاتحاد الأوربي يعد خطا أحمر، ولا يمكن السكوت عليه من قبل الغرب عموما، وألمانيا خصوصا، ما جعل الأتراك يتردودن في تطبيقه.

يبرر الرئيس التركي حملة تطهير الدولة من الكيان الموازي؛ بالقضاء على أي محاولة أخرى للانقلاب عليه، أو الإطاحة به، وهو الذي يسعى للبقاء بالسلطة حتى العام 2027 من خلال تعديل دستوري لتحويل حكم البلاد من نظام برلماني إلى رئاسي، وقد نجح في تمريره فعلا في نيسان/ أبريل الفائت بعد عرضه في استفتاء على الشعب.

كما أن لألمانيا مبرراتها أيضا في نقد التضييق على الحريات. فالموقف الألماني على رغم إيجابيته في هذه اللحظة الفارقة في تاريخ تركيا، إلا أن تصرفات الأتراك بالحملة التي قاموا بها ضد جماعة غولن لم ترحهم، لا سيما وأن الأتراك يحملون شكوكا بأن الألمان قد يكون لهم دور في محاولة الانقلاب هذه، لا سيما في ظل العلاقات المتوترة بين الجانبين، وأن الألمان لم يقوموا بالدور الكافي للوقوف إلى جانب أردوغان ضد الانقلاب، كما كان الموقف الروسي مثلا.

الشكوك التركية من الموقف الألماني تنبع من أنه فيما لو نجح الانقلاب في أنقرة، سيكون موقف برلين مختلفا عما لو فشل، فجاء الموقف الألماني براغماتيا، كما أن تأخر الألمان بإدانة الانقلاب التي جاءت في اليوم التالي له، والانتقاد الكبير لحملة أردوغان المضادة على حركة غولن، وتسليط الضوء عليها، عززت الشكوك كما ترى أنقرة.

وبعد فشل محاولة الانقلاب هذه قدم خمسون عسكريا تركيا اللجوء في ألمانيا الاتحادية، الأمر الذي دفع أنقرة للمطالبة بتسليمهم، وهو ما رفضته برلين، بل ومنحتهم وعائلاتهم بعد أشهر؛ اللجوء السياسي، مما زاد من وتيرة الغضب التركي.

الألمان غير راضين عن تصرفات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نعم، وكانوا راغبين في التصويت ضد التعديل الدستوري الذي يمدد من عمر أردوغان في السلطة ويوسع من صلاحياته كرئيس للجمهورية، ولكنهم لا يتفقون مع الطريقة الانقلابية التي جرت، ولا مع سفك الدماء الذي جري، وهو ما تجلى بتصريحات المستشارة ميركل.

علاقة الألمان بالأتراك مهمة جدا، ومن يرى حجم الكتلة البشرية التي يمتلكها الأتراك بألمانيا، وحجم الامتيازات التي يتمتعون بها، لا سيما وأن غالبيتهم يحملون الجنسية الألمانية إلى جانب التركية، ولهم حق التصويت في الانتخابات كما أصحاب البلاد الأصليين، ومن يعلم حجم التبادل التجاري بين البلدين، يدرك جيدا أهمية العلاقة بين الجانبين. وبالطبع ألمانيا بحاجة أنقرة لمكافحة الإرهاب ومكافحة تهريب البشر والهجرة غير الشرعية.

وقد لاحظنا الصيف الماضي كيف أستطاع الرئيس التركي أن يضغط على الأوربيين عموما والألمان على وجه التحديد؛ بقضية الهجرة غير الشرعية، بفتحه للحدود مع أوروبا ليدخل مليون لاجئ غالبيتهم من السوريين، الأمر الذي جعل المستشارة ميركل بفتح بلادها للاجئين، والذين تحولوا لاحقا لعبء ثقيل على كاهلها على وجه التحديد، كونها ستترشح لولاية برلمانية رابعة، مما دفعها لإجراءات علاجية لهذه المعضلة، وأول خطواتها باتجاه إسطنبول لمقابلة أردوغان.

كما أن الأتراك يدركون أهمية ألمانيا الحليف السابق للدولة العثمانية في الحرب العالمية، ويقدرون بأن ثمة ملايين من المواطنين الألمان لهم جذور تركية، ولكنهم غاضبون من تعطيل انضمامهم للاتحاد الأوروبي الذي يعد الألمان الأقوى نفوذا فيه، وقد منحوا الأتراك وعودا برفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك، وقد تم قطع شوط منها.

وبحسب فهمنا لطبيعة الأتراك الغاضين والألمان الذين يتعاملون بنوع من البرود مع أنقرة، وفي ضوء المعطيات السابقة، نرى أن برلين لا تريد أن تقطع شعرة معاوية مع تركيا أرودغان، ومهما وصلت ذروة الخلاف؛ فلا بد وأن تعود لإصلاحها من جديد، والزمان كفيل بذلك.