قضايا وآراء

هل فعلا خانت تركيا الموصل وحلب؟ وما هي الحقائق التي أخفوها؟

1300x600
قبل بداية الثورة كانت تربط تركيا علاقات جيده بسوريا. حتى بداية الثورة كان أردوغان قد قدم النصح لبشار بإجراء إصلاحات من شأنها أن تحتوي الموقف، لكن الأخير تعّنت وتكبر.

تركيا منذ انطلاقة الثورة أعلنت صفها ووقوفها بجانب الثوار ضد بشار، وكذلك أمريكا والسعودية وبعض دول الخليج. ومن هنا نشأ مصطلح "أصدقاء الشعب السوري".

في بداية الثورة كانت الكفة تميل للثوار، وما كان ينقصهم سوى مضاد للطيران؛ حظُر عنهم بسبب قرار أمريكي.

سيطر الثوار على المدينة الجميلة، حلب، بأعداد قليلة، ومالت الكفة لصالح الثورة، وكانت على وشك تحقيق الحلم. تدخلت إيران ومليشياتها لصالح بشار الذي بدأ بموازنة المعادلة التي كانت تميل للجيش الحر.

قررت تركيا فتح أبوابها للاجئين وتبني المعارضة السورية، وكانت تعمل يدا بيد مع السعودية من أجل تحقيق النصر.

وفجأه وبدون سابق إنذار أعلنت روسيا دخولها المستنقع السوري وتأييد الأسد، خصوصا بعد تراجع الدور الأمريكي مع هزائمه المريرة في العراق وأفغانستان. تدخل روسيا قلب الموازين رأسا على عقب لصالح الأسد، حيث شاهدنا عمل الروس الإجرامي، فلم يتبق لديهم سلاح إلا واستخدموه، واستخدموا سياسة "الأرض المحروقه".

هنا بدأت تتشابك خيوط اللعبة، وبدأت تختلف مصالح الروس مع الترك، حيث قررت تركيا بناء تحالف وثيق مع أمريكا في الملف السوري، لكنها تخشى الغدر الإمريكي. وعدت أمريكا، والتحالف الدولي، تركيا؛ بالوقوف سندا لها حال نشبت أي احتكاكات مع الروس. والحقيقة أن الأمريكان كانوا يراهنون على لعبة أخرى وهي: "قتل عدوين بحجر واحد".

وقع الرئيس التركي في الفخ وأسقط طائرة روسية، فما كان من الأمريكان إلا أن كبّروا وهللوا لبدء مفعول نجاح المخطط الجديد.

يُحسب للروس أنهم لم يتسرعوا بالرد عسكريا على تركيا، وإلا لكانت وقعت روسيا وتركيا في فخ المكيدة الأمريكية.

"تركيا خذلت حلب وتركتها تواجه مصيرها"

قررت روسيا وحليفها بشار السيطرة على أهم مدن سوريا (حلب). فبدآ بحرب لم نشهدها إلا في فترة الحرب العالميه الثانية، فصمت العالم كله ولم يحرك ساكناً بمن فيهم العرب.

وبعد تهجير أهل حلب واحتلالها، ألقت بعض دول العرب اللوم على تركيا بسبب تخاذلها عن نصرة حلب"! لماذا تركيا وحدها تتحمل اللوم والتخوين؟ البعض أرجع ذلك لسبب أن خطوط أردوغان الحمراء هي من خانت حلب وأهلها، فبدأ يحكم بالعاطفة بدون النظر للأسباب الحقيقية التي منعت تركيا من التدخل في حلب.

أسباب عدم تدخل تركيا في حلب:

- أهم هذه الأسباب المؤسسة العسكرية التركية؛ التي لم تكن حينها خاضعة لقبضة أردوغان.

- انقلاب الجيش على أردوغان قبل بضعة أشهر من معركة حلب، وهو ما جعل أردوغان يتراجع ويعيد حساباته الداخلية وترتيب وضعه الداخلي؛ قبل أن تذهب تركيا للهاوية.

- خذلان الأمريكان وحلف الناتو لتركيا، وكانت تركيا تعّول عليهم في حال أي اشتباك مع الروس، كون تركيا جزء من الحلف، إلا أن هذا الحلف اتخذ وضعية الميت خلال الأزمة.

- صمت الدول العربية تجاه ما حدث في حلب، فكل الدول تخشى مواجهة قوة عسكرية متمثلة بالروس وإيران.

- دخول الجيش التركي لحلب يعني حفر قبره بيديه. فبالإضافة لخطر الاشتباك مع الروس، سيكون هذا الجيش هدفا سهلا للمليشيات الكردية وخلفها الشيعية، ومن خلفهما روسيا وإيران وبعض الدول الإقليمية.

- أضف إلى ذلك تناقض مواقف فصائل المعارضة مع الموقف التركي.

- ترويج وسائل إعلام عربية أمثال، سكاي نيوز عربية والعربية؛ أن أي تدخل تركي يعتبر احتلالا لحلب.

- صمت الحليف السعودي على الوضع أدخل تركيا في دوامة من الشكوك.

وعليه، يمكن القول إن أردوغان نجا من فخ حلب بصعوبة وقرر أن يرتب أوراقه من جديد قبل أن يدخل مغامرة هو خاسر فيها لا محالة. فلولا ذكاء هذا القائد لكانت تركيا - بسبب مؤامراتهم - في خبر كان.

إن كانت هذه مبررات لحلب فماذا عن الموصل؟

بعد أن رتب أردوغان أوراقه الداخلية، وخصوصا في المؤسسة العسكرية، بدأ التخطيط للدخول بمعركة جديدة قد تعيد التوازن في الشرق الأوسط وتقطع الطريق أمام الهلال الشيعي.

جميعنا يعلم كيف احتل داعش الفلوجة، لتجيء بعدها مليشيات الحشد لتحولها إلى مدينة أشباح، فالمخطط نفسه أعده المالكي للموصل لإسكات صوت المظاهرات التي بدأت تهز عرشه. فسحب الجيش العراقي من هناك ليأخذ داعش المدينة على طبق من ذهب، ثم يتم تلفيق مصطلح الإرهاب لسكان المدينة السنية، ومن ثم تأتي عصابات طائفية (الحشد الشيعي)، لتظهر بمظهر البطل وتقول للعالم إنها قضت على الإرهاب. والحقيقة أنها تخطط لإكمال مخطط "البدر الشيعي"، حتى قادتهم قالوا ذلك في خطاباتهم في العلن.

تركيا عوّلت على الجهد الجبار الذي تقوم به قاعدتها هناك في بعشيقة، وبدأت تخطط لتحرير المدينة من داعش وإعادتها لأهلها، والقضاء على المخطط القذر.

قامت تركيا بتدريب جيش النقشبندية وجهزته كليا وأعدته للمعركه..!! كل شيء جاهز للتدخل في الموصل، فلا ينقص تركيا سوى مبرر شرعي للتدخل، حيث أراد أردوغان التنسيق مع العبادي سرا طلبا لدعوة الجيش التركي للتدخل. لكن من المعلوم أن العبادي لا يفعل شيئا بدون إذن طهران، فرفض العرض التركي رفضا قاطعا. أصر أردوغان على طلبه، لكن رفض وتعنت العبادي جعله (العبادي) ينقل الخلاف للإعلام وبدأ بتحدي أردوغان جهرا.

يدخل الحشد على الخط، ويعلن قادته أن أي تدخل للجيش التركي في الموصل يعتبر عدوانا، وستقوم المليشيا بسحق الجيش التركي وجعل الموصل مقبره له إن تدخل. تطورت الأمور أكثر بعد تصريح العبادي بأنه لا حاجة للعراق بالجيش التركي، فرد عليه أردوغان بلهجه قويه جدا.

تصاعد الخلاف فبدأ العبادي بنقل الملف للجامعة العربية، التي معظم أعضائها في خلاف مع العبادي بسبب سيطرة إيران على العراق، إلا أن هذا الخلاف لم يمنعهم من التحالف ضد تركيا، حيث اعتبروا أن أي تدخل للجيش التركي يعتبر عدوانا ومرفوضا.

الجيش التركي يعرف إمكانياته جيدا، ويعرف أنه يستطيع سحق الحشد وداعش في وقت واحد، لكن اجتماع المجتمع الدولي والجامعة العربية مع العراق رفضا الدور التركي؛ جعل الأتراك يتراجعون إلى الوراء لأن الدخول في الموصل شبيه بذلك الفخ الذي وقع فيه صدام حين غزا الكويت.

تراجع أردوغان خطوة للوراء جعل العبادي يخرج متبجحا بأن المعركة هي معركة الشعب العراقي، مع العلم بأنه توجد قوات خاصة أمريكية وفرنسية وإسبانية، ومليشيات وحرس ثوري.. كلها تقاتل باسم جيش العراق!

ذهب العبادي أكثر من ذلك في التصعيد، فأعلن أنه لا حاجه للعراق بقاعدة بعشيقة التركية، وأن على تركيا سحب قواتها فورا من هناك، مع العلم أن معسكر بعشيقة مهم جدا، لكونه منطلق عمليات الجيش التركي للهجوم على مليشيات البي كي كي الموجودة في أرض العراق.

فبعد أن رأى أردوغان أنه دخل رهانا خاسرا، وأن تركيا تقف وحدها بدون حليف، قرر تلطيف الأجواء بإرساله ليلدريم من أجل عقد صلح ومحاولة الالتفاف على قرار العبادي بشأن بعشيقة، فنجح في ذلك.

المراقب للأحداث بطريقة سطحية تقوده عواطفه لتخوين تركيا باعتبار أردوغان كان يراه البعض أملا في نصرة المظلوم بعد أن يئسوا من مواقف حكامهم، فيرون عدم تدخل تركيا في هذه الأحداث خيانة كبرى.

تركيا كانت ولا زالت أملا لنصرة المظلومين، لكنها لا تتخطى حدود المعقول فكما يقال "اليد الواحده لا تصفق". فتركيا لن تستطيع فعل شيء دون أن توجد وحده في بلاد المسلمين. فيجب على أصحاب العواطف النظر للأسباب ومعرفة حقائق ما يجري خلف الكواليس، بدلا من الانجرار لإعلام يرسم صورة للمشاهد حسب ما يريده هواه.