كتاب عربي 21

"امرأة واحدة لا تكفي" والله الموفق والمستعان

1300x600
رحم الله نجيب محفوظ، وسقا الله أيام الفتوات، وأعتقد - والاعتقاد غير الظن- أنه هو الذي ابتدعها كتابةً. وأفضل من كتب فيها، وهي فترة في مصر المملوكية تشبه فترة الكاوبوي في أمريكا الشمالية. يتحدى الفتوة الجمهوري خصمه الديمقراطي المنافس، ثم يتعاركان بالتوت والنبوت، رجلاً لرجل، والفائز يرغم أنف خصمه في التراب، ويجبره على الإقرار: "أنا مرة". 

كان ذلك الإقرار، على الملأ، إخصاءً رمزياً وأخلاقياً.. كان يشبه الإعدام.

والمنتصر يتوج زعيماً للحارة.. اسم الله عليه.. اسم الله عليه.

إني أجد رواية الحرافيش من أجمل روايات نجيب محفوظ، وقد وصفها هو بالملحمة، وهي كذلك، وتقرأ أكثر من مرة، وليس بين فتوات الحرافيش في عشر ملاحم وطبقات، فتوة مثل السيسي. ليس في التاريخ كله زعيم مثل السيسي، ولا حتى الحاكم بأمر الله الفاطمي، الذي حرّم أكل الملوخية، وأجبر النساء على الخلود في البيت.. وله قصص عجيبة، وكان عالماً فلكياً، أما السيسي، فأموره كلها عجب، تضع العقل في الجزمة لا في الكف. وقد رحل نجيب محفوظ مرحوماً من رؤية الخيال، وهو يقذف بنفسه من الطبقة السابعة.

لكن أبا رامي، بطل مقالنا هذا، سوري، أو من بلاد الشام، كما توحي لهجته، عاد إلى حضن الوطن، ليس حضن الرئيس الأسد وأحضان المخابرات، فالأحضان أنواع، عاد إلى حضن زوجته بعد أن زلّت به في العلياء قدم.

شاع فيديو بين الأصدقاء، وفيه يذكرنا أبو رامي بالجنرال المذيع علاء الدين الأيوبي، الذي كان له برنامج على التلفزيون السوري عنوانه "الشرطة في خدمة الشعب"، يقابل فيه مجرمين وجناة، فيعترفون جميعاً، اعترافاً واحداً، مصنوعاً في مصنع المخابرات، وهو أنهم نادمون، وارتكبوا جريمتهم وسرقوا الأموال، وقتلوا الضحايا، لصرفها على الملذات الشخصية.

وسيكون نافلاً أن نقول: "إن الأيوبي كان يصرف أجور برامجه القانونية المريعة، على ملذاته الشخصية".

يقرُّ أبو رامي وهو يحكُّ رأسه، ولعلماء الحركة ولغة الجسد في الحكة قول، ويعترف لزوجته بالمُلك والسيادة والعصمة. على ما يظهر أن الزوجة قد أرغمته على الاعتراف، من غير تعذيب، وهي صاحبة تأليف وإخراج وإنتاج الفلم، وهي متأسية بقناة الدنيا، وهي قناة معلّمة لحقت بها العربية وسكاي نيوز، علامة ذلك أنها تقول للمصور: انتظر قليلاً، حتى تعدّل غطاء رأسها، والغطاء هو عدة الحرب، لكنها عدّة مقلوبة.

والحذو من الحذاء، وقد صار صنماً يُعبد في سوريا ومصر، وكانت قناة الدنيا ترغم ضحاياها على الظهور والإقرار بسفاح القربى والمحارم، ونكاح الجهاد، وأكل الكبتغون أكلا لمّا، والتظاهر في سوريا من أجل صندويشة فلافل. غنيٌّ عن القول: إن التظاهر في سوريا كان يعني الموت. 

يمشي أبو رامي في الفلم القصير الذي مدته دقيقة، أو أكثر قليلاً، ويضع يده على كتف أم رامي، في نصف عناق متودداً، وعيناها تقدحان شرراً، ثم يوجه اعترافه إلى الجماهير، فيقول: إنه أخطأ في حق زوجته، إنه ندمان، وخطؤه فادح، وإن صرماية سعاد، اسم زوجته، أي نعلها، بنسوان الدنيا كلها، وإنه لا يعرف كيف اقترف تلك النزوة، "بالعلياء فالسند"، هي غلطة، والغالب أنه كان سكراناً عندما حكى مع سماهر، لا يلام السكير في القوانين الأوربية، ويعذر مثل الأعمى والمريض في الشريعة الإسلامية.

ومسألة سماهر أبعد من "الحكي"، لعله "تعارف"، كالمعرفة في التوراة. يبدي ندمه مراراً، على عدوله عن نعمة الغزال سعاد، إلى لعنة القردة سماهر.

لكن يجب أن نتذكر هنا أن القرد في نظرية دارون، هو أقرب الكائنات إلى ابن "آدم"، إنّ النفس أمارة بالسوء.

تقول له: وهي تمشي إلى جواره، كأنها أسٍ يجسُّ عليلاً، والكاميرا معهما، فتقول بنبرة الأيوبي: هل تمون على قدمي؟

فيقول لها بإذلال: إنه لا يمون، أي ليس له سلطان. 

وينكر حقّه. تيران وصنافير سعوديتان يا سعاد.

ثم تقول له: أين بطاقة البنك؟ والسؤال يوحي بأنهما في المنفى السعيد.

فيقرُّ لصاحبة بيت المال: معك.

ثم تجمل فتقول: كل شيء في البيت تحت قدم من؟

فيقول لها: تحت قدمكِ، أنت الشاينة “الشائلة" والماينة؟

تقول له: وما سعرك َفي سوق الجمعة؟

يقول لها: سعري الصرماية.. الصرماية العسكرية مختلفة عن الصرماية الشعبية.

ثم يستغيث مختزلاً حفلة المهانة والتعذيب الرمزيين، بعمه "أبو بسام"، ويبدو أنه أبوها، حماه، وأيمن، وبقية قبائل غطفان، وغسان، وبكر، وتغلب، فيبدو السرور على وجه الزوجة، التي أسعدها الإقرار بالهزيمة. ثم يقبّل رأسها، وهذه قبلة الأمهات والأخوات عادة، وفيها خيانة عاطفية، أو إعلان للولاء والظهار.

الخلفية هي حديقة عامة، واختيار "اللوكيشين" الذي صور فيه الفلم موفق. ويقول لها: أنه طايع، ومبايع، ومعناها أنه متنازل عن ولاية العهد.

ولم نرَ تنازلاً عن ولاية العهد إلا في حالة أو حالتين، إحداهما كانت في السعودية.. وينتهي الفيلم مع ابتسامة راضية من سعاد.

ينتشر فيديو سماهر، الغائبة الحاضرة، الجندي المجهول. لا نعرف هل هي غزال، أم من عائلة دارون؟

والفلم ينبئ أنّ الناس قد ركنت إلى التوثيق بالصورة، الوضائح والفضائح. وكان شيخ عشيرة قد طلب من خاطب ابنته مبلغاً من المال وألف لايك"، لايك تنطح لايك"، أي طلب شفاعة مارك زوكربيرك!

وهو، أي الفيديو، الذي وجدته عندي هدية صباحية من الأصدقاء، ينتشر ويذيع، ويسرُّ به المتزوجون. وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِــوَالٍ، عَصَيْنَـا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَـا، وقد دار الزمان دورة عكس عقارب الساعة. كان المسلم كامل الإيمان، يفتح البلدان والأمصار، ثم غدا كاثوليكي المذهب في الزواج، قابضاً على جمر الزوجة الوحيدة، من غير أن يكون له توسعة الكاثوليكي من الأخدان والصديقات، ناقص الدين، دينه لا يكتمل أبداً...خسر بعض الدنيا، وربما بعض الآخرة.

أخي المواطن كامل الدين غير منقوص: ليس من البرِّ تذكيرك بأن السيد الرئيس كان لا يملُّ من إرغام أنوفنا في التراب، وإخراجنا في المسيرات، نهتف له، مقرّين للعكيد الفتوة أننا نساء، نحن نساء. وهذا ليس انتقاصاً من المرأة، فليس من العدل أن يقرّ الفلسطيني أنه يهودي، ولا الكردي أنه عربي، أو العكس.

هذا طعام خمط..

وأعتقد والاعتقاد غير الظن، أنّ الاعتذار ذهبٌ مقلدٌ، إنها فضة متنكرة ومصبوغة بحنّاء الذهب، مثل جائزة نجيب محفوظ، وأن الفيديو يستحق لعبة اسمها "أم الاعتذارات" والخلاصة:
أن سماهر، اسم الله عليها.. اسم الله عليها، ليست وجهة نظر، والإنسان أصله سبع غضنفر، ورصاصة واحدة لا تكفي للانتحار، حسب طريقة الانتحار السورية، لا بد من أربع رصاصات في عصمة الرأس حتى تعمر الطاسة، وهي لا تعمر أبداً... والله الموفق والمستعان.