مقالات مختارة

من يكبح نفوذ إيران في سوريا؟

1300x600
عندما يجري الحديث عن النفوذ الإيراني في سوريا، لا بد من التوقف عند مسار العلاقات التي نسجت منذ أواخر السبعينات بين نظام الأسد في سوريا ونظام الملالي في إيران. ومنذ ذلك الوقت دخلت علاقات الطرفين مسارا يجمع مصالح الطرفين، ويوحدها، رغم كل ما يقال من تباين بينهما في التوجهات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت الحرب العراقية - الإيرانية فرصة توثيق العلاقات وتطويرها؛ إذ وقف نظام الأسد إلى جانب نظام الملالي في الحرب، وقدم كل مساعدة سياسية وعسكرية ممكنة، وقدم الإيرانيون مساعدات مهمة، لا سيما في الجانبين المالي والنفطي، وفي خلفية هذا المشهد، بدأت إيران بتأسيس نفوذ أيديولوجي سياسي وطائفي لأهداف استراتيجية وسياسية، فأخذت تبني أول مرتكزات علاقاتها بنخبة النظام وشقيقتها الموجودة على أطرافه من رجال المال والأعمال والفعاليات الثقافية والشعبية، وبدأت مسيرة الاهتمام بمراكز التشيع ونشر ثقافته، وصولا إلى بدء عمليات تشييع في أوساط السوريين.

وتواصل نمو النفوذ الإيراني في سوريا، رغم ما واجهه من مشاكل وتحديات، لكنه وفي السنوات العشر الأولى من عهد الأسد الابن، حقق قفزة أكبر. فقد انتقل النفوذ من الدائرة السياسية - الثقافية إلى الدائرة الاقتصادية، بحيث دخلت إيران إلى الأوسع في ميدان التعاون الاقتصادي مع النظام ونخبته، فتم إنشاء عشرات الشركات، وزاد حجم الاستثمارات الإيرانية في سوريا بالتوازي مع تصعيد العلاقات السياسية والثقافية، والتي كانت تمثل طموحات لإيران في الواقع السوري، وكثيرا ما عبر عنها المسؤولون الإيرانيون بشكل علني ومستمر.

ثم جاء اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد، ليفتح أمام النفوذ الإيراني أوسع الأبواب، حيث اصطفت إيران إلى جانب نظام الأسد في مواجهة ثورة السوريين، فصعدت أنشطتها السياسية والثقافية والاقتصادية، وسياسة التشييع، وجرت خلفها الطائفة الشيعية السورية، قبل أن تتقدم إلى مناطق نفوذ داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية من خلال ما قدمته وميليشياتها الطائفية من دعم لنظام الأسد في مواجهة ثورة السوريين وجماعات المعارضة المسلحة، التي اعتبرتها إيران جماعات إرهابية تكفيرية متطابقة في هذا الوصف مع نظام الأسد، وبفعل ما قامت به إيران في هذا الجانب من إرسال الميليشيات إلى القوات الإيرانية والخبراء الأمنيين، أصبحت القوة الحاسمة في توجهات النظام وقراراته السياسية والميدانية. وهذا هو جوهر النفوذ الإيراني، وقد صارت له تعبيرات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية قائمة على الأرض.

وبدا من الطبيعي، أن يترك تصاعد نفوذ طهران في سوريا مخاوف وقلقا عند قوى محلية وإقليمية ودولية، لا تتوافق معه، وهذا أمر طبيعي في ظل تناقضات تلك القوى وخلافاتها مع استراتيجية إيران وسياساتها السورية، خصوصا أن إيران بسيطرتها على القرار السوري، أكملت خط نفوذها الواصل من طهران إلى لبنان على شاطئ المتوسط مرورا بالعراق وسوريا.

غير أن تناقضات تلك القوى وخلافاتها مع نفوذ إيران، لم تجد لها طريقا عمليا للتعبير عنها. فالمخاوف السورية التي تمثلها المعارضة كانت ضعيفة، وغالبا ما تم دمجها بالموقف من نظام الأسد، وقول إن النفوذ الإيراني سوف يرحل مع سقوط النظام، وكانت البلدان العربية وتركيا قريبة من رؤية المعارضة في هذا الجانب، وزادت عليه محاولات للتفاهم مع إيران بالسكوت عن تنامي نفوذه أحيانا، أو بمحاولات رشوته من خلال علاقات اقتصادية معه، ولم تعطِ البلدان الغربية بما فيها واشنطن الموضوع أهميته، بل إنها عقدت مع نظام الملالي الاتفاق النووي في 2015 في ذروة تصاعد نفوذ إيران في سوريا، فيما كانت ترى روسيا التي تعتبر حليف إيران ونظام الأسد في سوريا، أن نفوذ إيران تحت السيطرة، لأن إيران وافقت بحماس على الحضور العسكري الروسي إلى سوريا أواخر العام 2015 خوفا من سقوط نظام الأسد.

وسط هذا النسق من السياسات، خفت أو توارت المخاوف من نفوذ إيران في سوريا، خصوصا في ظل ثلاث من الحقائق؛ الأولى الربط الأمريكي للمخاوف مع شعار الحرب على الإرهاب وأساسه الحرب على «داعش»، وأنه بعد نهاية تلك الحرب، ستباشر الولايات المتحدة مواجهة النفوذ الإيراني والجماعات المرتبطة بها ومنها «حزب الله»، والحقيقة الثانية جهد أمريكي - روسي لتطمين إسرائيل وبدرجة أقل الأردن، في أن نفوذ إيران و«حزب الله»، لن يشكل خطرا عليهما، والثالثة جهود روسيا لربط تركيا ضمن الاتفاق الروسي - الإيراني - التركي الموقع في موسكو عام 2016، والذي رسم توافقا ثلاثيا، استَتبع تقاربا تركيا إيرانيا، ولدت على أساسه توافقات سياسية واتفاقات عسكرية بين الجانبين حول سوريا.

خلاصة الأمر في كبح النفوذ الإيراني في سوريا، أنه لا جهود جدية في هذا السياق، وأن كل ما يتم القيام به، هو تمرير لوقت يتعاظم فيه نفوذ طهران خصوصا في ظل تمدد وانتشار قوات الأسد بمشاركة إيران وميليشياتها في معظم المناطق، وبدعم من القوات الروسية، مما يعني أن مواجهة هذا النفوذ، لا يمكن أن تتم إلا من خلال مواجهة عسكرية مكلفة، وغير مطروحة حاليا، مما يجعل الإمكانية قائمة فقط عبر حل سياسي دولي، تتم فيه عملية انتقال سياسي، تغير موازين القوى وبالنتيجة تبدل من نفوذ إيران في سوريا.

الشرق الأوسط اللندنية