سياسة دولية

هل يفرض بوتين وبشار على سوريا "سلام المنتصرين"؟

بوتين اعتبر المسألة الأكثر أهمية في المرحلة الحالية بسوريا هي الانتقال للحل السياسي - ا ف ب

نشرت صحيفة "تاغس تسايتونغ" الألمانية تقريرا، تطرقت من خلاله إلى اللقاء الأخير بين بشار الأسد وفلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية، حيث تحيل تصريحاتهما إلى أنهما على قناعة بضرورة التوصل لحلول سياسية لإنهاء الأزمة السورية. ويبقى السؤال المطروح حول مدى إمكانية نجاح هذه الحلول في ظل انقسام المجتمع الدولي وإصرار النظام على وضع كل أطياف المعارضة في سلة الإرهاب.
 
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن "التصريحات التي بدرت عن الرئيسين السوري والروسي بعد لقائهما في مدينة سوتشي، تبشر بتحقيق خطوات فعلية نحو إحلال السلام في سوريا". 


وأخذت العملية العسكرية في سوريا تقترب من نهايتها، حيث أعرب فلاديمير بوتين عن ثقته بأن "المسألة الأكثر أهمية في المرحلة الحالية تتمثل في الانتقال إلى الحل السياسي". فضلا عن ذلك، أبدى بوتين رضاه التام إزاء استعداد الأسد للجلوس مع كل الأطراف التي تعتبر السلام أفضل حل لهذا الصراع.

 

اقرأ أيضا: بين سوتشي وجنيف.. سوريا ضحية الوضع الإنساني الحرج

وفي هذا الصدد، أفاد بشار الأسد، أنه "في هذه المرحلة، وخاصة بعد أن حققنا النصر ضد الإرهابيين، بات من مصلحتنا التوجه نحو تبني العملية السياسية ودفعها إلى الأمام. نحن نؤمن بأن الوضع السياسي في الوقت الراهن منفتح على فرضية تحقيق التقدم والسلام. يمكننا أن نعول على دعم روسيا من أجل ضمان عدم تدخل أي قوة خارجية في عملية السلام".
 
واعتبرت الصحيفة أن الجملة الأخيرة من تصريحات الأسد متناقضة مع الدعاية الإعلامية وخطابات الانتصار التي يبثها نظامه. ففي الواقع، لم تكن قواته المسلحة قادرة على الوصول إلى نقطة الحسم العسكري دون الدعم الهائل، الذي تلقته من قبل روسيا وإيران ومليشيا حزب الله اللبناني.

 

بناء على ذلك، وعقب مختلف التدخلات الخارجية التي شابت العملية العسكرية في سوريا والدعم الذي تلقاه، لا يمكن للأسد رفع شعار السيادة الوطنية بعد الآن، والأمر ذاته ينطبق على فصائل المعارضة التي حظيت بدعم كبير من الخارج.
 
وذكرت الصحيفة أن كلا من بوتين والأسد قد تطرقا إلى مسألة الانتصار على الإرهابيين. وقد بات من الشائع في سوريا استخدام كلمة الإرهاب لتوصيف بقايا تنظيم الدولة والقاعدة وجبهة النصرة وكل الفصائل المعارضة للنظام، في محاولة لوضع كل معارضي النظام في سلة واحدة.
 
وأوضحت الصحيفة أن هذا الخطاب التعميمي يطرح تساؤلات حول حقيقة نوايا نظام الأسد، ومدى استعداده لتقبل أي طرف من المعارضة على اعتباره شريكا في الحل السياسي. في الأثناء، ينذر هذا الأمر بأن الطرفين السوري والروسي يعتزمان فرض حل سياسي يناسب أهدافهما، عملا بمقولة "سلام المنتصرين". من خلال هذه الطريقة، قد تنجح موسكو ودمشق في فرض السلام على المدى القصير، ولكن هذا النهج لن يقدم حلولا سياسية دائمة على المدى الطويل.
 
والجدير بالذكر أن الكثير من السوريين طالبوا بالتغيير السياسي في بلادهم، في حين أن معظم الشعب السوري لديه تجربة مريرة مع نظام بشار الأسد، خاصة إبان سقوط عدد كبير من الضحايا خلال الحرب الأهلية. وفي حين يسيطر النظام السوري حاليا على منطقة قام بتطهيرها تماما من معارضيه، إلا أن هؤلاء لم يختفوا من الخارطة السياسية.

 

اقرأ أيضا: اجتماع سوتشي الثلاثي يدعو لتسوية سياسية في سوريا

وبينت الصحيفة أن سلام الأقوياء الذي يريد بوتين والأسد فرضه في سوريا سيؤدي لتهميش الجزء الأكبر من المعارضة، التي شاركت في محادثات جنيف، والمدعومة من قبل الأمم المتحدة. وفي الحقيقة، لطالما تعمدت روسيا والنظام السوري التشويش على المعارضة ضمن محادثات جنيف وإفشال مساعيها، مما ترتب عنه عدم التوصل إلى حلول ملموسة.
 
وأضافت الصحيفة أن المواقف الرسمية للعديد من الدول مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا والاتحاد الأوروبي لم تتغير، حيث تنادي جلها باستقالة بشار الأسد وتنحيه عن السلطة من أجل فسح المجال لترسيخ حل سياسي في سوريا. ومن المرتقب أن تعقد محادثات حول مستقبل سوريا، ستجري خلال هذا الأسبوع في مكانين مختلفين، مما يحيل إلى أن المجتمع الدولي لا يزال منقسما حول سوريا.
 
وفي هذا الإطار، ستحتضن مدينة سوتشي الروسية المطلة على البحر الأسود محادثات يوم الأربعاء، التي ستجمع موسكو وطهران وأنقرة، أي أنها تضم طرفين يعتبران نفسيهما الفائزين في المعركة السورية، وتركيا التي لطالما قدمت دعما معلنا للمعارضة، لكنها باتت اليوم أكثر خضوعا للواقع العسكري في سوريا.
 
وأردفت الصحيفة أنه في اليوم ذاته، سيجتمع نحو 30 شخصا من فصائل المعارضة السورية، ولمدة ثلاثة أيام في العاصمة السعودية الرياض، من أجل تشكيل فريق ممثل للمعارضة، سيشارك في مفاوضات جنيف التي سيتم استكمالها في 28 من تشرين الثاني/ نوفمبر. وقد غادرت العديد من الوجوه البارزة في المعارضة السورية لجنة المفاوضات الحالية، احتجاجا على الضغط الدولي المسلط عليها لإجبارها على القبول بمساومات تتضمن بقاء الأسد في السلطة.
 
وفي الختام، اعتبرت الصحيفة أن كل هذه الخلافات تجعل من المسار الذي ستتخذه مفاوضات جنيف أمرا لا يبعث على التفاؤل. بناء على ذلك، وفي الوقت الحالي، ستنجح روسيا وإيران في فرض الحل الذي يناسبهما، في حين ستسيطران على مستقبل سوريا. ولكن يبقى السؤال حول ما إذا كان بإمكانهما الحفاظ على هذه النفوذ في المستقبل؟