صحافة دولية

التايمز: هكذا أبرزت سياسة بوتين بالشرق الأوسط "بلاهة" أمريكا

بويز: لا يسمح بوتين لحرب فوضوية بأن تذهب سدى- أ ف ب

نشرت صحيفة "التايمز" مقالا للكاتب روجر بويز، يقول فيه إن لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاعدة عملية، وهي ألا يسمح لحرب فوضوية بأن تذهب سدى. 

 

ويشير بويز في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "التدخل الروسي في سوريا على مدى عامين كلف أكثر من 2.5 مليون دولار في اليوم، وخسرت روسيا هذا الخريف أحد جنرالاتها، الذي كان يقود (عفوا يقدم الاستشارة) لقوات تابعة للأسد، لكن الحرب وفرت فرصة جيدة لممثلي مبيعات الأسلحة في الكرملين". 

 

ويلفت الكاتب إلى أن الحملة الموجهة ضد تنظيم الدولة، بحسب موسكو، سمحت بتجريب ما لا يقل عن 600 سلاح مختلف، مشيرا إلى أنه حتى طائرة "أس يو 25" القديمة، التي ألقت بقنابل عمياء في أكثر من 1600 طلعة على المناطق التي كان يسيطر عليها الثوار، تباع بشكل جيد.

 

ويقول بويز إن "الرئيس الروسي كسب سوريا، وما يحتاج فعله الآن هو أن يكسب السلام، ويروج نفسه لبقية الشرق الأوسط بصفته رجلا يناصر حلفاءه، ولا يتخلى عنهم مع تغير الظروف، وسيصبح لاعبا دوليا معترفا به مرة أخرى، وهذه كانت حساباته".

 

ويضيف الكاتب: "هناك أوقات تشعر فيها واشنطن وموسكو بالحاجة للتعاون، لكن بوتين أراد أن يلعب مع ترامب معظم الوقت، ويظهر انتصار بوتين هكذا: يبقى الأسد في الحكم حتى يجد الكرملين بديلا مناسبا، وتوسع روسيا قاعدتها في طرطوس لتتسع لحوالي 10 سفن حربية، وتقرر أيضا من يمثل المعارضة في المفاوضات القادمة، وتتحمل أمريكا والاتحاد الأوروبي تكلفة إعادة بناء البنى التحتية المدمرة، وبعد فترة قصيرة تبدأ أمريكا بالانسحاب من الشرق الأوسط شيئا فشيئا".

 

ويبين بويز أنه "مع بدء العملية السلمية، أصبح تقليدا أن يتم ازدراء أمريكا، فكان من المفترض أن تبدأ المفاوضات أمس في جنيف، لكن الوفد الحكومي السوري لم يحضر، وما الذي يجعله يحضر؟ فبالأمس القريب احتضن بوتين الأسد في قصره في سوتشي، والضغط الوحيد عليه هو أن يستجيب لطلبات بوتين، وفي اليوم التالي حضر كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الإيراني حسن روحاني إلى المكان ذاته، والأغرب من هذا أن أردوغان، الذي غضب من زوجة الأسد لقولها عنه في رسالة بريد إلكتروني تم اعتراضها بأنه مجرم لم يقرأ في حياته سوى كتاب واحد، يقبل الآن بأن يبقى زوجها في السلطة لفترة أطول". 

 

ويقول الكاتب إن "دونالد ترامب يؤدي دورا صغيرا في مسرحية بوتين للسلام، بالرغم من الوجود العسكري القوي لأمريكا في سوريا، فليحصل على رضا تركيا يلمح الزعيم الأمريكي إلى أنه سيحد من إرسال الأسلحة إلى الأكراد في سوريا، ومع ذلك فإن أنقرة، التي هي عضو في حلف الناتو، تنحاز بشكل متزايد إلى موسكو وطهران، وهذا المحور يتفق على أنه يجب بقاء سوريا وحدة واحدة؛ لأن تقسيمها سيهدد مصالحهم جميعا، سيقولون للأسد كيف يجب عليه أن يحكم، ويلزمونه بجدول زمني لإجراء انتخابات (حرة)؛ وذلك من أجل المظهر، ولإعادة عمل المؤسسات الرئيسية، وسيكون من الأولويات إعادة بناء الجيش السوري، الذي ذاب تقريبا قبل قيام الروس والإيرانيين بتسلم القيادة".

 

ويتساءل بزيز قائلا: "فكيف كان يمكن أن يتم الاحتيال على أمريكا بهذا الشكل؟ لقد بدأ الأمر عندما قلل باراك أوباما من خبرة بوتين في الشرق الأوسط، وكان معلم الضابط السابق في الـ(كي جي بي) (بوتين) هو رئيس المخابرات الأسبق يفكيني بريماكوف".

 

ويلفت الكاتب إلى أن بريماكوف، وهو مستعرب، كان قد علم بوتين كيف يستخدم الشرق الأوسط ليضغط على أمريكا، وكان بريماكوف هو من حذر بوتين بخصوص المخاطر المتعلقة بالثورات المحلية في وسط آسيا، والحاجة إلى حاكم ليس في قلبه رحمة، تابع لروسيا في الشيشان، والحاجة إلى تشكيل تحالفات تقلل من نفوذ أمريكا في العراق".

 

ويقول بويز: "كذلك كان مكر بوتين في عرضه المساعدة في التخلص من مخزون سوريا من الأسلحة الكيميائية لمنع رد عسكري أمريكي عام 2013 كان يحمل علامات تعليم بريماكوف، وهدف بوتين من سياسته في الشرق الأوسط هو حماية روسيا من تمرد الإسلاميين، وأيضا ليثبت على نطاق أوسع أن أمريكا تعبت من الحروب، ويبرز تعبها وترددها في القيادة".

 

ويفيد الكاتب بأن "التعامل الأمريكي مع الربيع العربي حير الكرملين، ففي البداية سمحت أمريكا لحليفها القوي حسني مبارك بأن يسقط، ثم وعدت بمنع وقوع مذبحة في ليبيا (حيث كان أوباما "يقود من الخلف")، لكن في الواقع استخدمت قوة الناتو الجوية لإحداث تغيير في النظام، وكان ذلك ينطبق على السيناريوهات الكابوسية في نظر بوتين (وبريماكوف) كلها، حيث كانت أمريكا وحلفاؤها يقومون بسحب البساط من تحت روسيا خلسة، وكانت سوريا هي المكان الذي تنتهي فيه تلك العملية".

 

وينوه بويز إلى أن "الكثير، بمن فيهم أنا، اعتقدوا أن تدخل بوتين في سوريا كان استعراضا للفت الأنظار عن حرب أوكرانيا، التي لم تصل إلى نتيجة، وكان تخميننا هو أنه أراد تقديم نفسه شريكا لا يمكن الاستغناء عنه مقابل رفع العقوبات التي فرضت عليه بعد أن استولى على القرم، وأنه قريبا سيتورط في مستنقع حربين لا يمكن الانتصار فيهما".  

 

ويستدرك الكاتب بأن "ذلك كان خاطئا، حيث كانت رسالته في حربه لدعم النظام السوري طريقة للقول للبيت الأبيض إنه إن لم تكن لديه رباطة الجأش لدخول حرب فعليه أن يتوقف عن تمويل الجماعات المعارضة، والدفع بتوسيع الناتو نحو الحدود الروسية".

 

ويوضح بويز أن "تلك الرسالة كانت موجهة للرئيس القادم، ويبدو من تعليقات ترامب أن بوتين (فتى جلد.. ورجل ذكي)، أن ترامب فهم ما يسعى إليه بوتين، فعلى رأس اقتصاد هرم وبطيء حوّل بوتين الضعف الحقيقي إلى قوة عن طريق ومضة من الواقعية السياسية، أثبتت عزما وإصرارا، وهذا ما يبرر إنفاقه لـ 2.5 مليون دولار في اليوم على هذا التدخل".

 

ويخلص الكاتب إلى أنه "بذلك تكون قوة في حالة تراجع، تغلبت بدهائها على القوة العظمى المتبقية في العالم، ولا شك أن بوتين سيسجلها انتصارا ويضيفها إلى قائمة الأسباب التي تجعله الشخص المناسب للبقاء رئيسا لروسيا".