قضايا وآراء

ملاحظات أساسية حول تصفية علي عبد الله صالح

1300x600
تصفية موصوفة تلك التي قام بها الحشد الحوثي تجاه حليفهم الشاويش علي عبد الله صالح، وهي لا تشبه أبدا قتل الثوار الليبيين للعقيد معمر القذافي، ولكنها تشبه الاغتيالات والتصفيات الجسدية والسياسية التي قام بها الانقلابيون في طول وعرض العالم العربي؛ كما حدث من جمال عبد الناصر، وحافظ الأسد، وصدام حسين، وهواري بومدين.. وكما حصل في السودان، بين نميري ورفاق انقلابه في العام 1969، واقتصار مجالس قيادة الثورة سيئة الصيت على القادة وحدهم بعد التخلص من رفاقهم شيئا فشيئا. وأخيرا، ما حصل عسكريا أو جسديا مع الشاويش علي صالح يشبه تماما التصفية السياسية التي قام بها عبد الفتاح السيسي لعشرات من رفاقه الضباط، وتحديدا التصفية الأخيرة لرئيس الأركان السابق محمود حجازي.

إذن، تبدو تصفية علي صالح بهذه الطريقة البشعة مفعمة بالخلفيات والدلالات التي يمكن إيجازها باختصار، ولكن بتركيز، على النحو التالي:

- وصل الشاويش علي عبد الله صالح للسلطة بانقلاب عسكري، على عكس ما هو شائع في العالم العربي. قتل صالح الرئيس إبراهيم حمدي وشقيقه بيديه، ثم استفاد من اغتيال شريكه في الجريمة وسلفه، أحمد الغشمي. وفي كل الأحوال، فإنه شارك مباشرة في الانقلاب على إبراهيم الحمدي، وتلطخت يداه بالدماء منذ بدء ممارسته السياسة.. هذا مجاز طبعا، على اعتبار أن ما مارسه يمكن تسميته بالسياسة.

- في السياق السياسي الفكري العربي العام، كان الشاويش علي صالح؛ النسخة اليمنية من الناصريين الصغار الذين حكموا العالم العربي في سوريا، العراق، وليبيا، والجزائر، وحتى السودان، بعدما شاع الجنون والدم، استنساخا للانقلاب الأم في القاهرة في تموز/ يوليو 52. وعندما وصل البطر أو الغطرسة مداهما مع هؤلاء، فكروا بتوريث السلطة لأبنائهم، بعدما خصخصوها لمصلحتهم في السياسة والاقتصاد والأمن، وفق نموذج القذافيين الصغار الذي ضم بشار الصغير وسيف الأوهام القذافي، وطبعا أحمد علي صالح في النسخة اليمنية.

- حوّل الشاويش علي، خلال 35 سنة من حكمه، اليمن إلى دولة فاشلة.. نهب مقدرات البلد، ومنع قيام نهضة أو تنمية حقيقية، وكان كل همّه الحفاظ على بقائه في السلطة بشبكة واسعة من الإغراءات والمساومات. وهو في هذا السياق كان أقرب إلى نموذج حسين - عرفات منه إلى نموذج صدام - حافظ، فكان الكي آخر العلاج، وليس أوله؛ كما رأينا في أنظمة البعث في العراق وسوريا.

إثر إجباره على التنحي، ترك الشاويش علي وراءه أرضا مدمرة ونصف محروقة، إذا ما تذكرنا النماذج الاستبدادية المدنية أو شبه المدنية، مثل نموذج مبارك - بن علي.. ترك وراءه أرض مدمرة، بينما ترك نموذج القذافي- الأسد نموذج مصراتة - حمص وراءه أرضا مدمرة ومحروقة.. ترك الشاويش وراءه أرضا مدمرة ونصف محروقة.. دولة فاشلة فعلا، كما قالت الأمم المتحدة، مع ثروة شخصية هائلة تصل إلى 60 مليار دولار، وفق تقرير أممي رسمي.. جمعها طبعا من قوت اليمنيين البسطاء وعرقهم وكدّهم، والمساعدات العربية والدولية التي كانت لمنع انهيار البلد، أو تحوله إلى دولة فاشلة، كما أن ذلك نتيجة سمسرته وعرض خدماته على القوى العظمى الإقليمية والدولية.

عندما اندلعت الثورة في اليمن، كنتاج طبيعي للثورة الأم في القاهرة، تبنى الشاويش علي صالح الرواية الاستبدادية نفسها عن المؤامرة الأممية المزعومة من قبل أمريكا إسرائيل، والإخوان المسلمين طبعا. ومع الوقت، سوّق لرواية أنا أو الفوضى، النظام أو الفوضى، ثم لعب بورقة التكفيريين أو التنظيمات المتطرفة، بوصفه الوحيد القادر على لجمهم أو كبحهم. وعندما اضطر للتنحي على أساس المبادرة الورقة الخليجية الوسطية والمعقولة، فعل كل ما بوسعه لإفشال السيرورة الجديدة، للعودة إلى السلطة بأي ثمن وبكل ثمن، حتى لو كان إحراق البلد بالكامل، وقتل الأمل في إعادة بنائه وفق السيرورة الثورية الجديدة.

- مع خروج الحوار الوطني بمخرجات منطقية واقعية وصحيحة، وبعدما بدت العربة تسير على السكة الديموقراطية الدستورية الصحيحة، نسج الشاويش علي خيوط الانقلاب مع الحشد الحوثي.. بدا الأمر كتحالف تقليدي بين الفلول الراغبين في العودة للسلطة بأي ثمن، والحشد الشعبي الراغب في إفشال الثورات وإضعاف البلدان العربية لتقديمها على طبق من ذهب لإمبراطورية الدم والوهم الفارسية المتوترة والمتعطشة للدماء، مع ضوء أخضر أو برتقالي ساذج وغبي من بعض الدول الخليجية المهجوسة والمهووسة بإفشال الثورات وهزيمة أو إقصاء تيار الإسلامي السياسي واستدراجه إلى حرب دموية خاسرة. بدا الشاويش بتحالفاته وانتصاره وإعادة احتلال صنعاء دونما معاناة؛ وكأنه تجاوز كل الخطوط الحمر بتوجهه لاحتلال عدن والبلاد كلها، ورسم معادلة أو قواعد لعب جديدة خارج إرادة من استخدموه لإفشال الثورات واستدراج الإصلاح إلى معركة دموية خاسرة وقاضية.

- بعد ذلك، القصة معروفة. ومع الوقت، ومع رغبته في تقديم الحوثيين للواجهة السياسية والعسكرية، والتواري خلفهم، ومع دعم إيران وحشدها الشعبي المركزي - اللبناني – للحشد الحوثي، تحوّل هؤلاء إلى الشريك الأكبر والأقوى في التحالف، رغم أنهم ما كانوا ليحققوا شيئا دون دعم ومساعدة الجهات وبقايا المؤسسات العسكرية والأمنية المدارة من الشاويش علي وفلول النظام السابق.

- تبدلت موازين القوى كليا إثر رغبة السعودية في مواجهة إيران بالقوة والعنف، كما تفعل هي في عدة ساحات ودول عربية، ومع رغبة الشاويش علي باستعادة التحالف مع الدول الخليجية واستبعاد أو إضعاف الحوثيين، والعودة للعب الدور المركزي. وفي السياق، رفع الغطاء الوطني، وحتى السياسي، عن الحشد.. بدا الشاويش فاقدا لمكره المعروف، أو ربما وقع ضحية سلوك حلفائه. وفي كل الأحوال، مات ميتة بشعة تليق بتاريخه الدموي الحافل، لكنها غير مستغربة عن شركائه الانقلابيين الموتورين المجرمين والقتلة.

- عموما، تبدو فكرة إضعاف الحوثيين جيدة، كما تحجيم وإنهاء التواجد الإيراني المدمر وغير الشرعي في اليمن، ولكن يجب أن يكون هذا في سياق العودة إلى مخرجات الحوار الوطني، ووضع العربة السياسية على السكة الديمقراطية الدستورية الصحيحة.. وليس في سياق إعادة إنتاج الأنظمة الساقطة السابقة ولكن بفلول جدد أو قذافيين صغار، كما في مصر وليبيا، وحتى سوريا.

لن تنجح هذه المحاولة، أي إعادة تحديث الأنظمة الساقطة أبدا.. هي وصفة للفتنة وعدم الاستقرار في اليمن ودول عربية أخرى.. ومحاولة إعادة عجلة التاريخ للوراء، وتجاهل وإقصاء القوى الأساسية التي صنعت الثورة وشاركت فيها، وتحديدا التيار السياسي الرئيسي، أي التيار الإسلامي، عملية محكومة بالفشل، ولن تؤدي إلا إلى مزيد من التوترات والفوضى، بما ينعكس سلبا على دول الجوار والمنطقة برمتها.