حول العالم

من هو جلال الدين الرومي الذي يأتيه الزوار منذ مئات السنين؟

مضى على وفاة جلال الدين الرومي أكثر من ستة قرون- الأناضول

رغم مرور أكثر من ستة قرون على وفاته، ما يزال ملايين البشر من مختلف أنحاء العالم، يلبون دعوة المعلم الروحي جلال الدين الرومي، ويتوافدون كل عام؛ لزيارة قبره بمدينة قونية وسط تركيا.

لا أحد يعلم هل كان الروميّ نفسه يتخيل أن دعوته “تعالَ.. تعالَ، لا يهم من أنتَ، ولا إلى أي طريقِ تنتهي، تعالَ.. لا يهم من تكون”، ستلقى هذا القبول الكبير من جانب مختلف الأعراق والأديان حول العالم على مدار كل هذه السنين.

فمع اقتراب الذكرى السنوية لوفاة أحد أبرز أعلام التصوف الفلسفي في التاريخ الإسلامي، والذي لاقته المنية في 17 ديسمبر/ كانون الأول 1273، تستقبل تركيا آلاف من محبي ومريدي الروميّ، في متحفه الذي يحمل اسمه، ويحوي رفاته بمدينة قونية وسط الأناضول.

 

متحف مولانا عبر التاريخ
وفقا لمصادر تاريخية اطلع عليها مراسل “الأناضول”، فقد مر متحف مولانا الروميّ بعدة مراحل عبر التاريخ، أثّرت في شكله ومحتوياته، قبل وصوله إلى وضعه الحالي.

تذكر المصادر أنه عقب وفاة الروميّ، شيد طلابه غرفة دفنوا فيها رفاته، ثم أقاموا أعلاها قبة خضراء، ما تزال باقية حتى اليوم.

واستمر وضع قبر الروميّ هكذا حتى إعلان الجمهوررية التركية عام 1923، حينها أُطلق على المكان اسم “متحف قونية .. آثار عاتكة”، وفي عام 1954 تم تغيير الاسم ليصير “متحف مولانا”، وهو الاسم المستخدم حتى اليوم.

متحف وروحانيات
ويوجد في متحف مولانا أربعة أبواب، تحمل أسماء “درويشان”، و”حاموشان”، و”جلبيان”، و”كوستاهان”، ويُصرّح للسياح القادمين لزيارة المتحف الدخول من البابين الأخيرين فقط. ويحمل كل باب من هذه الأبواب معاني روحية مختلفة.

وعند دخول المتحف أول ما تقع عليه أنظار الزائرين، هي الفسقية التي تتوسط المكان، والتي أمر بتشيدها السلطان العثماني سليم الأول، وإلى جانبها سبيل مكتوب عليه عبارات روحية، سطّرها أشهر الخطاطين في ذلك العصر.

وبعد تجاوز الفسقية تظهر غرفة يُطلق عليها “حجرة التلاوة”، ثم حجرة الضريح، التي يتوسط جدارها الأساسي الجملة الخالدة للروميّ “إما أن تبدو كما أنت أو أن تكون كما تبدو”.

كما يعلو ضريح الرومي غطاء عليه نقوش من الحرير والذهب، ومكتوب عليه آية الكرسي وأسماء الأنبياء وسورة الفاتحة.

ويحوي المتحف أيضا عديدا من متعلقات الروميّ، ودراويشه، فضلا عن صفحات من مصحف عثمان (الخليفة الثالث).

مولانا .. فكر حي
وقد ذاع صيت جلال الدين الرومي، منذ القرن الثالث عشر الميلادي، وحتى اليوم، شرقا وغربا، بفضل تبنيه رسالة عالمية تخاطب كافة الحضارات، يبرُز فيها الإنسان وحسب.

وسعى الرومي نحو المصالحة بين الروح والجسد و تمجيد الذوق والوجدان والمحبة والإبداع، ما جعل كثيرا من أصحاب الفكر في العالم إلى استثمار آثاره في مكافحة ظواهر الكراهية والعنف والتطرف.

وكان الرومي مثالا عظيما للتسامح في عصره، متّبعا تعاليم الدين الإسلامي، وكان يحيطه أشخاص يعتنقون أديانا ومللا مختلفة، لكنه ضرب مثالا خلده التاريخ في التعايش معهم جميعا.

مصدر إلهام للإنسانية
إنه محمد بن محمد بن حسين بهاء الدين البلخي، كان شاعرا، ورجل فكر، وفقيها، ومعلما روحيا، وقدم للإنسانية منظورًا فريدًا عن الكون والحياة، وترك كثيرا من الحكمة و البصيرة، ما يزال الإنسان يعتبرها مصدر إلهام.

وُلد الرومي، في مدينة بلخ بخراسان (شمال شرق إيران حاليا)، في 30 أيلول/ سبتمبر 1207، ولقب بسلطان العارفين لما له من سعة في المعرفة والعلم.

واستقر الرومي في مدينة قونية وسط الأناضول، حتى وفاته، بعد أن تنقل طالبا العلم في عدد من المدن، من أهمها دمشق.

وترك سلطان العارفين تراثا غنيا ما بين منظوم ومنثور تناول فيه العديد من المسائل الإنسانية والصوفية والفلسفية والأدبية، وتُرجم كثير منه إلى غالبية لغات العالم.

ويتميز خطاب الرومي وفكره بالانفتاح على التأويل، وينطوي على قدر كبير من الثراء و العمق و التنوع، ومن أبرز أقواله الخالدة:

“لا تتجنب خوض التجارب الصعبة.. فهي معلم رائع?، و”داوم على كسر قلبك حتى تفتحه”، و” فقط من أعماق قلبك يمكنك لمس السماء”، و” الحب هو كل شي”