قضايا وآراء

ميثاق علماء الأمة ضد التطبيع السياسي

1300x600
في يوم التاسع عشر من هذا الشهر (كانون الأول/ ديسمبر)، قام عدد من علماء الأمة الإسلامية أفرادا وهيئات؛ بإصدار ميثاق وبيان واضح حول الموقف من التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني، وربما تصور البعض أن مثل هذا الميثاق لن يأتي بجديد، وهو كلام صحيح، فقد كانت وظيفة ودور كل المجامع الفقهية الدولية من قبل: 

بيان خطورة التطبيع، والموقف من احتلال فلسطين، وواجب المسلمين نحوها، عندما كانت الأنظمة تتستر بورقة التوت في قضية القدس، وتبرز أمام الجماهير بدور المدافع والمنافح عنها، وكانت بيانات الأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. 

وهي مجامع لا تعارض السلطات العربية، بل هي مجامع علمية، ومع ذلك كانت بياناتها فيما يخص قضية فلسطين مملوءة بكل حماس ديني، وصدق علمي، ووضوح في الرأي من كل من يتعامل مع الكيان الصهيوني، وحكمه، والموقف منه.

لكن الجديد الآن، بروز ما سموا بالصهاينة العرب، ممن أصبحوا يجهرون بدورهم سماسرة للصهاينة، ينثرون بين جنبات المجتمع العربي والإسلامي أفكارهم، وتحويل دفة الصراع بدلا من توجيهه للمحتل، ليتحول إلى أبناء المجتمع من الحركة الإسلامية والرافضين لاحتلال فلسطين، ما أحدث نوعا من الثقافة المسمومة، التي تحتاج إلى تطهير جسد الأمة منه. 

ولذا كانت أهمية هذا الميثاق في هذا التوقيت، وقد اشتمل الميثاق على محاور مهمة تجيب عن تساؤلات عديدة تثار لدى الشباب في الحكم الشرعي الديني للتطبيع السياسي وغيره مع الكيان الصهيوني، فتحدث الميثاق عن حكم التطبيع شرعا، ومنطلقات التطبيع، ومقاصد مقاومة التطبيع، والمفاسد والمخاطر التي تترتب عليه، وواجبات الأمة نحو التطبيع.

ومن أهم ما جاء في الميثاق في فقرة الأحكام الشرعية والقانونية للتطبيع السياسي ما يلي:

(التطبيع مع الكيان الصهيوني محرم شرعا لمناقضته مقتضيات الإيمان ولوازمه القائمة على الولاء للمؤمنين ووجوب نصرتهم والبراء من المعتدين وعدم مبادلتهم المودة والإخاء وقد أخرجوا المسلمين من ديارهم ومقدساتهم.

إن كافة الاتفاقيات والتفاهمات المبرمة مع الكيان الصهيوني وما ترتب عليها من التزامات محرمة شرعا وباطلة غير نافذة تحرم طاعة الحاكم فيها، وهي منعدمة قانوناً لاعتدائها على الأمة والشعب الفلسطيني.

إن وجود الكيان الصهيوني على أرض الواقع وتطبيع البعض معه سرا أو علنا لا يغير من توصيفه وحكمه الشرعي والقانوني شيئاً، ولا يسقط واجب جهاده ومقاومته.

لا يتغير حكم التطبيع باسترجاع بعض الأرض واستعادة بعض الحقوق.

إن جميع محاولات تصفية القضية الفلسطينية من خلال مشاريع توطين اللاجئين أو تهويد المقدسات لا تنشئ للكيان الصهيوني حقا ولا ترفع عنه وصف الاحتلال والعدوان وهو مناط حرمة التطبيع).

ربما نظر البعض إلى هذا الميثاق على أنه كلام، فأين العمل؟ وهو كلام لا يصح، وبخاصة شرعا، فقد عرفنا خطورة الكلام في الفريق المضاد، وخطورة دوره الإعلامي والديني؛ في إعلام وثقافة الصهاينة العرب، وكيف انطلى بعض زورهم وباطلهم على بعض الشباب وعدد من الجماهير العامة، ومن المعلوم شرعا: أن المقاومة بالكلام هي درجة من درجات النضال. 

ولذا جاء قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) فالآية قالت: وقل، أي أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بالقول، فالقول أولى درجات العمل، وصنف الإمام البخاري في صحيحه، بابا تحت عنوان: باب القول قبل العمل. 

فالكلمة لها دورها وأهميتها، وبخاصة لو كانت الكلمة من باب البيان الشرعي والفقهي من علماء الأمة، في وقت تحتاجه الأمة، في قضية هي على رأس قضاياها، وهي قضية القدس وفلسطين، ومحاولات التطبيع السياسي والاقتصادي مع الكيان المحتل لها، بما يعني ضياعها في ضمير الأمة، بعد ما وقعت في يد المحتل، وأضاعها حكام وساسة كانوا أكثر عداء للأمة من أعدائها.