صحافة دولية

نيويورك تايمز: هكذا أفشل مسيحيو الشرق رحلة بينس الإنجيلي

نيويورك تايمز: تأجلت زيارة بينس إلى الشرق الأوسط لمدة شهر على الأقل- أ ف ب

علق مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في القاهرة ديكلان وولش على تأجيل نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس زيارته للشرق الأوسط، مهد المسيحية التي تحمل حسا حزينا في هذه الأيام التي تسبق أعياد الكريسماس.

 

ويقول وولش: "إن الأمور لم تحدث بهذه الطريقة، وعندما طرحت فكرة الزيارة في تشرين الأول/ أكتوبر عبر بنيس المسيحي الإنجيلي عن تصميمه على الدفاع عن المسيحيين الذين اضطهدوا على يد تنظيم الدولة، وذلك عندما يلتقي مع قادة المسيحية في المنطقة، حيث كان يعرف أن هذا سيكون له أثر طيب لدى قاعدته المسيحية في أمريكا، ففي خطاب ألقاه وأضاف إليه الكثير من الإشارات التوراتية، قال فيه: (تواجه المسيحية موجة هجرة من الشرق الأوسط لا مثيل لها منذ زمن موسى)".

 

ويستدرك الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بأن "كل شيء تغير في 6 كانون الأول/ ديسمبر، عندما أعلن الرئيس دونالد ترامب عن اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث حطم في إعلانه عقودا من السياسة الأمريكية، وأثار موجة احتجاجات، وعندها قرر قادة المسيحية واحدا تلو الآخر إلغاء اجتماعاتهم مع بينس، وقرر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وهو شخصية حاسمة في خطة ترامب الطموحة للتسوية، إلغاء مقابلته مع ترامب". 

 

ويشير وولش إلى أن بينس ألغى بعد ذلك الزيارة، قائلا إنه مضطر للبقاء في واشنطن للإشراف على خطة الإصلاح الضريبي، وهو ما أثار شكوك الكثيرين حوله، وقال مسؤول في البيت الأبيض إن زيارة نائب الرئيس لم تكن (عملية)؛ لأن المصادقة على قانون الإصلاح أخرت رحلته، بحيث أصبحت متزامنة مع يوم السبت اليهودي والكريسماس". 

 

ويقول الكاتب: "الآن وقد أجل رحلته لمنتصف الشهر المقبل، فإن الإجماع على رفض مقابلته من القادة المسيحيين كان نذير شؤم لزيارته، وكان بينس يأمل من أن تؤدي زيارته لنهاية العاصفة التي أطلق لها ترامب العنان بقراره المتعلق بالقدس، ويسمح  للإدارة بأن تدفع قدما لأولوياتها، من مثل مواجهة إيران ومقاومة تنظيم الدولة". 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤول في الإدارة، قوله يوم الجمعة للصحافيين في واشنطن: "هذه الزيارة هي جزء من محاولة وقف ذلك الفصل، وبداية ما يمكن أن أصفه بالفصل الجديد". 

 

ويعلق وولش قائلا: "بدلا من ذلك فإن الخزي الذي تسبب به قرار ترامب تجاوز خطوط الانقسام السياسي والطائفي في الشرق الأوسط، واخترق الحلف الذي يحرص عليه الرئيس في المنطقة".

 

ويلفت الكاتب إلى أن "من بين القادة الذين كان يخطط بينس للقائهم شيخ الأزهر، الذي اتخذ خطوة جريئة لم يكن ليتخذها دون موافقة تكتيكية من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وهو أحد حلفاء ترامب الأقوياء في المنطقة".

 

ويقول وولش: "كانت هذه صفعة، فقد عملت إدارة ترامب الكثير من أجل قضية الأقباط، الذين يعدون أكبر طائفة مسيحية في الشرق الأوسط، والذين عانوا من هجمات مدمرة على كنائسهم وحجاجهم هذا العام، إلا أن بابا الكنيسة القبطية رفض مقابلة بينس".

 

وينوه الكاتب إلى أن الفلسطينيين أعربوا عن شكوكهم بالمبررات وراء هذا التأجيل، فقالت النائبة الفلسطينية المسيحية وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي: "لا تصدق ما قاله، فقد كان يبحث عن مخرج"، وأضافت: "كان يعلم أن لا أحد يرحب به"، مشيرا إلى أنه في بيت لحم، التي كان سيلتقي فيها بينس مع عباس، رفعت يافطات مكتوب عليها "بيت لحم ترفض زيارة نائب الرئيس الأمريكي"، وهي معلقة في ساحة المهد قرب كنيسة المهد. 

 

وتذكر الصحيفة أن مجموعة من المتظاهرين الفلسطينيين أحرقت في يوم الأحد صور بينس والمفاوض الأمريكي جيسون غرينبلات في الساحة، وداسوا عليها، بحسب شهود عيان.

 

ويفيد وولش بأن حدة الغضب حول القدس لم تخفت بعد، وقال متحدث باسم البابا تواضروس الثاني، بابا الأقباط، معبرا عن عمق المشاعر الغاضبة: "لن يجلس البابا مع أي شخص طالما ظل هذا هو الموقف الأمريكي"، وقال المبجل بولس حليم: "سنقف دائما مع الشعب الفلسطيني"، وفي القدس ذاتها قال بطاركة 13 كنيسة مسيحية في رسالة يوم الأربعاء إن قرار ترامب: "مس بالآلية التي حافظت على السلام في العصور كلها"، وحذروا من أن قراره "سيقود إلى واقع قاتم جدا". 

 

ويبين الكاتب أنه "حتى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة عبروا عن عدم ارتياحهم، ففي يوم الاثنين لجأت سفيرة ترامب في الأمم المتحدة نيكي هيلي للفيتو ضد مسودة قرار في مجلس الأمن، صاغته مصر، وطالب ترامب بسحب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وخططه نقل السفارة من تل أبيب إليها، وفي يوم الثلاثاء شنت هيلي هجوما على الحلفاء الذين صوتوا ضدها، وحذرت في تغريدة من أن (الولايات تقيد أسماء)".

 

ويرى وولش أن "ازدراء بينس العام هو إشارة إلى وجود شق بين الأمريكيين الإنجيليين، الذين يرتبط دعمهم لإسرائيل بنبوءة، والمجتمعات المسيحية التي عاشت في المنطقة منذ السيد المسيح نفسه". 

 

وتنقل الصحيفة عن قادة الإنجيليين المحافظين، قولهم إنهم كانوا واضحين مع ترامب عندما رشح نفسه للانتخابات الرئاسية، وبأن دعمهم له مشروط باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، بالإضافة إلى معارضة الإجهاض وزواج المثليين، وقالوا في عدد من اللقاءات في البيت الأبيض مع ترامب وبينس ومساعديهما، إن المستشارين الإنجيليين ظلوا يضغطون على ترامب للاعتراف بسيادة إسرائيل على القدس، ونقل السفارة الأمريكية إلى هناك، وحصلوا على وعد بأن هذا سيتحقق، وأصبح بنيس الشخصية الرئيسية لتمرير مطالب هؤلاء القادة الدينيين.

 

ويورد الكاتب نقلا عن الكاتب الإنجيلي جوني مور، الذي أصبح متحدثا باسم هؤلاء المستشارين لإدارة ترامب، قوله: "أنا متأكد أن القرار لم يكن ليصدر دون تأثير الإنجيليين الذين كانوا يتواصلون مع البيت الأبيض"، وأضاف أن هذا "كان موضوعا له أولوية منذ وقت طويل". 

 

ويذهب وولش إلى أن "السبب وراء هذا المطلب هو ديني وسياسي، فهم يؤمنون بالنبوءة التوراتية، وأن الرب منح الأرض لإسرائيل، بما فيها القدس اليوم، ويؤمنون بالنبوءة التي تطالب بعودة اليهود لإسرائيل قبل عودة السيد المسيح، لكن القادة الإنجيليين يؤكدون أن نبوءات نهاية الزمن لا تعد العامل المحرك وراء مطالبهم".  

 

ويبين الكاتب أنه "بالنسبة للمسيحيين الفلسطينيين فهم لا يؤمنون بهذه الرؤية الإنجيلية، ومع أن قائمة ممثلي الكنائس الذين كانوا سيقابلون بينس لم تكتمل، إلا أن بعضهم كان راغبا بمقابلته لمناقشته، وعندما ألغيت الزيارة لم يشعر أي منهم بالخيبة". 

 

وتنقل الصحيفة عن القس الكاثوليكي في رام الله الأب جمال خضر، قوله: "أن تعلن القدس عاصمة لإسرائيل بناء على رؤية توراتية هو أمر خطير"، وأضاف: "هو يريد فصل المسيحيين عن بقية المجتمع، لكننا جزء منه". 

 

ويقول وولش: "من غير المعلوم ما إذا كان الفلسطينيون سيقابلون بينس بهدوء، إلا أن عباس غادر يوم الأربعاء في رحلة رتبت على عجل إلى السعودية، ومنها إلى فرنسا، وسيعود للمشاركة في قداس عيد الميلاد يوم الأحد في بيت لحم". 

 

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى قول خضر: "لا أتفق مع الأيديولوجية التي تنظر للمسيحية على أنها غربية وتريد منا الوقوف ضد المسلمين.. لا فقد عشنا معا منذ 1400 عام، ويمكننا العيش معهم الآن".