كتاب عربي 21

لماذا على السعودية أن تقلق مما يجري في إيران؟

1300x600

في 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، اندلعت مظاهرات واسعة في إيران، احتجاجا على تدهور الوضع الاقتصادي وانتشار الفساد، بالإضافة إلى البطالة والفقر، ثم سرعان ما توسعت رقعة الاحتجاجات ومطالب المتظاهرين لتشمل الشق السياسي أيضا.


على المقلب الآخر من الخليج، كان لافتا احتفاء الصحافة السعودية بهذه المظاهرات، إذ خصصت وسائل الإعلام في المملكة تغطية واسعة للتطورات في إيران. 


وأفردت الصحف السعودية جزءا كبيرا من صفحاتها الأولى للاحتجاجات، والحديث عن قرب سقوط النظام الإيراني، وكذلك فعل كتّاب الأعمدة، لاسيما المعروفون منهم.


لكن، بينما ينشغل النظام السعودي في سياسة المناكفة، يبدو أنه يتجاهل الدروس والعبر الحقيقية للاحتجاجات في إيران، معتقدا أنه محصن من تجربة مماثلة. 


فإيران دولة نفطية غنية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى السعودية، وتشكل شريحة الشباب القسم الأكبر من المجتمع الإيراني وكذلك الأمر بالنسبة إلى المملكة السعودية. 

 

وينخر الفساد أركان النظام الإيراني، ويسيطر الاستبداد عليه، ولكنه يحاول تشتيت الانتباه في مغامرات خارجية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية. 

 

لا نقول إن المملكة ستشهد غدا مظاهرات مماثلة لتلك التي تجري في إيران، لكنّنا نقول إن الأرضيّة في طريقها لتصبح مهيئة لمثل هذا الأمر مستقبلا، مع تراكم المشاكل البنيويّة التي يعاني منها النظام، وكذلك المجتمع السعودي.

 

خلال الموجة الأولى من الثورات العربية في عام 2011-2012 شهدت المملكة العربية السعودية تحركات جريئة على خلفية ما جرى في عدد من الدول العربية آنذاك. 

 

وظهرت مطالب بتحويل نظام الحكم في المملكة إلى نظام ملكي- دستوري، وتفعيل الحياة السياسة، وإنشاء أحزاب أو تجمعات سياسية. 

 

وترافق ذلك مع مظاهرات واحتجاجات، لاسيما في المنطقة الشرقيّة من المملكة. 

 

كثيرون في الغرب بالغوا حينها وخلطوا بين التحليل والأمنيات، أو التفكير بالتمني، وقالوا إن النظام السعودي على شفير الهاوية، لكن مثل هذا التقييم لم يكن دقيقا، حيث كان النظام السعودي يتمتع بأدوات تمكنه من احتواء التحركات التي جرت وإخمادها.

 

قام النظام السعودي آنذاك باعتقالات واسعة في صفوف الناشطين لإسكاتهم وإنهاء التحركات، واستخدام حينها الورقة الدينية في مواجهة هذه الظاهرة الجديدة. 

 

وتمّ دفع مفتي المملكة إلى إصدار فتوى دينية تحرم المظاهرات، وتحذر من الفتنة. 

 

ومن أجل احتواء الشريحة الواسعة من الشباب الذي يعاني من انخفاض في الدخل، وعدم قدرة على مجاراة متطلبات الحياة في واحدة من أغنى الدول النفطية في العالم، رفعت الحكومة السعودية من مرتبات الموظفين الحكوميين، وأقرت خططا بعشرات المليارات من الدولارات لمساعدة الشباب.

 

اليوم، تشهد السعودية ما يقول كثيرون إنها بداية تحول اقتصادي واجتماعي ضخم، يترافق مع تحول في طبيعة النظام السياسي، من خلال نقل السلطة من الجيل المؤسس إلى جيل الأبناء. 


لكن مثل هذه العملية محفوفة بالمخاطر الشديدة في أفضل الأحوال، لاسيما وأنّها تترافق مع تقويض للأسس التقليدية التي قام عليها نظام الحكم في السعودية، من بينها الركيزة الدينيّة، بالإضافة إلى تراجع في الوضع الاقتصادي، وتدهور في الوضع الاجتماعي، في ظل تصاعد للتحديات الداخلية والخارجية.


اتخذت المملكة مؤخرا العديد من القرارات، من بينها التمهيد للسماح للمرأة بالقيادة، والسماح بدور السينما، وإطلاق ما قيل إنه حملة ضد الفساد، وتم الإعلان عن طموحات كبيرة لإنشاء اقتصاد قوي ومتنوع، وعشرات المشاريع الضخمة الخيالية يتقدمها مشروع "نيوم".


لكن هناك الكثير من المؤشرات التي تقول إن هذه القرارات اتخذت بدافع تكتيكي أكثر من كونه استراتيجيا، إذ من الواضح على سبيل المثال أن قرار السماح للمرأة بالقيادة والسماح بإنشاء دور السينما هدفه كسب شريحة الشباب لتعويض شريحة المحافظين المتشددين الذين يشكلون الركيزة الثانية في الحكم، بعد السلطة السياسية الملكيّة. 


لا شك أن هذه القرارات ستلقى ترحيبا من الشباب السعودي، لكنها تعد مكسبا تكتيكيا، إذ إن مفعولها لن يدوم طويلا وسط غياب الإصلاحات السياسية الحقيقية وفشل الرؤى الاقتصادية وتدهور الوضع الاجتماعي وارتفاع نسبة البطالة والفقر. 


وعندما تتسع مطالب الشباب السعودي بعد حين لتصل المجال السياسي، فسيحصل الإنفجار بالتأكيد.


أما ما يقال عن حملة فساد، فيجدر النظر إليها أيضا على أنها تعبير على حالة يائسة للبحث عن المزيد من الموارد المالية في ظل الشح الذي تعاني منه المملكة، بالإضافة إلى البحث عن شرعية سياسية لتركيز السلطات في يد ولي العهد الذي قد يتساءل أقرانه عن سبب اختياره لقيادة المملكة دون غيره منهم.


ولا تحظى هذه الحملة بمصداقية في وقت ظل السلوك التبذيري المنقطع النظير للملك والأمير والحاشية، فضلا عن ولي العهد المنشغل بالإنفاق على اليخوت واللوحات والقصور بموازاة مناداته بمكافحة الفساد، في وقت لا يزال فيه العديد من الناشطين والفاعلين الحقيقيين في المجتمع السعودي ممن نادوا بمكافحة الفساد خلال السنوات الماضية يقبعون في السجون. 


سجل القيادة السعودية حافل بالفشل، ولأن ولي العهد يفتقد للمقومات الحقيقية لقيادة البلاد، فضلا عن التشكيك في شرعية الطريقة التي وصل بها، فإن هناك رغبة يائسة لدى النظام السعودي في خلق شرعية لولي العهد من خلال إنجازات وهميّة. 


بدأ الأمر بالتحالف العربي في اليمن، ومن ثم بالرؤية الاقتصادية 2030، ومن ثم المغامرات الخارجية باسم مكافحة الإرهاب والتطرف، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المشاريع الخيالية مثل "نيوم".


صحيح أن ثقافة المظاهرات بالشكل التي ظهرت عليه في العديد من الدول العربية تعد غريبة بالنسبة إلى المجتمع السعودي، لكنّ هذا ليس عنصرا حاسما لمنع انفجار المجتمع. 


وإذا ما حصل ذلك لكل الأسباب السالفة الذكر، فإن المملكة ستكون في وضع صعب للغاية، لأنها تفتقد للأدوات التي استخدمتها قبل أقل من عقد، من أجل احتواء الانفجار.