قضايا وآراء

الكومبارس والمناضل في انتخابات مصر الرئاسية

1300x600

من العجب العجاب، والمثير للاستغراب، أن تجد بلدا واحدا يجمع في الوقت ذاته بين رئيس مسجون وآخر مخلوع وثالث منقلب ورابع محتمل. وهي كلها أوصاف تصف الواقع، ولا ترضي كل رئيس منهم. فالمسجون يرى أنه الشرعي، والمخلوع يرى أنه مجرد سابق، والمنقلب يرى فيه نفسه الزعيم، والرئيس والمحتمل يسير على خيط رفيع يوشك أن يقع من عليه فيجد نفسه في الحبس أو خارج سباق المرشحين. وهي كلها أربع قوى رئيسية كبرى تمثل الدوائر السياسية الأوسع في مصر، وهي: الإخوان ومؤيدو الشرعية، وفلول عهد مبارك الذين تم إقصاؤهم، والقوى التي صعد بها السيسي لصدارة المشهد، بالإضافة للأحزاب والثورية الأخرى المعارضة للإخوان والنظام.

هذه هي التكتلات الرئيسية التي حكمت المشهد المصري خلال السنوات الخمس الماضية، وكانت تتحرك دائما خارج الإطار السياسي الطبيعي المصري الذي استأثر به السيسي ودوائره الضيقة. الآن توشك اللعبة أن تتغير مع احتمال وجود قائمة مرشحين يحرر المواطنون لهم توكيلات، وهو أمر لم تكن السلطة لترضى عنه. فمجرد أن يعلن رسميا مواطن مصري أنه ضد السيسي في ورقة بالشهر العقاري مختومة بختم النسر؛ أمر غير مرغوب فيه في ظل فلسفة النظام الشوفينية. لكن السياسيين والثوار حائرون، يفكرون يتهامسون من في المرشحين كومبارس ومن هو المناضل. كان السيسي يحلم بأن يتجنب هذه المعركة جملة وتفصيلا بمد فترة الرئاسة لست سنوات فيضمن عامين إضافيين. ما الذي يمنعه أو منعه؟ لا أحد يدري. لكن اليقين أنه كان يرغب ولم يقدر. شيء ما منع السيسي من تحقيق رغبته، شيء أقوى منه. وفي معرفته تكمن إجابة سؤال الكومبارس والمناضل، وحتى ذلك الحين لا يزال كثير من المصريين في حيرة: هل نصوت أو نقاطع؟

 

أربع قوى رئيسية كبرى تمثل الدوائر السياسية الأوسع في مصر: الإخوان ومؤيدو الشرعية، وفلول عهد مبارك الذين تم إقصاؤهم، والقوى التي صعد بها السيسي لصدارة المشهد، بالإضافة للأحزاب والثورية الأخرى المعارضة للإخوان والنظام


في معركة الشك واليقين، لا بد أن يفوز اليقين. واليقين أننا أمام رئيس جاء على ظهر دبابة بانقلاب عسكري، واستطاع أن يمرر انتخابات بلا انتخاب عام 2014، واليوم يسعى جاهدا لهندسة انتخابات هزلية يستكمل بها ديكورا سياسيا رخيصا، ليبقى في الحكم أربع سنوات أخرى. ربما يرى في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدوة ومثالا، فالغزل واضح في النموذج الروسي منذ أن دخل السيسي الاتحادية. لكن لا يكفي أن تكون قادما من عالم الاستخبارات لقصر الرئاسة لتحوز كل مؤهلات بوتين وتمرر انتخابات تلو أخرى لتبقى في الحكم على الطريقة الروسية الحديثة. هناك قدرات شخصية وسياسية أكبر من هذا يملكها السيسي.

 

ربما يرى السيسي في الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قدوة ومثالا، فالغزل واضح في النموذج الروسي منذ أن دخل السيسي الاتحادية

الانتخابات في مصر عادة ما تكون مسرحية، كوميدية أو تراجيدية. القاسم الوحيد المشترك بين مسرحيات الانتخابات والاستفتاءات هو أن النظام الحاكم الممسك بخيوط اللعبة لا يرضى أن يخطف شخص واحد الأضواء. الصفحات السياسية وبرامج التوك شو لا بد من ملئها بشعارات ومساجلات وحشو مضحك ومبكي. سياسة الإلهاء والهزل في مواضع الجد التي لا تتغير، نحن فقط من نتغير. وقد كاد الهزل أن يغلب الجد في معركة الرئاسة المفترضة في مصر بعد أن أعلن مرتضى منصور ترشيح نفسه رئيسا. فاصل شبه كوميدي بعد أن أعلن السيد "سامي بلح"، المتحدث باسم حزب مصر العروبة، عن ترشيح الحزب لرئيس الأركان السابق سامي عنان للمنصب. إلا أن بيان عنان الأخير أضفى قدرا من الهيبة على النقاش الهزلي، بعد أن أعلن عن اسمين كبار في مصر ضمن نوابه، وهما المستشار هشام جنينة والدكتور حازم حسني. وكلاهما قامات وطنية هامة تحظى باحترام واسع.

 

لا بد أن يبقى الأمر في إطاره السياسي الحقيقي، وهو أنها ليست انتخابات عادية وفق منافسة شريفة، ولكنها جزء من مرحلة انتقالية تهدف لفتح المجال العام، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة معتقلين ووطن تباع أرضه


من المبكر الحكم على شكل المعركة الانتخابية القادمة الآن، لكن من المهم الاستفادة من دروس الماضي القريب. فلا تجعلنا المآسي التي تمر بها نرتمي في أحضان عنان، ولا يجمح خيالنا السياسي ونظن أن خالد علي قد يلقي قسم الرئاسة. لا بد أن يبقى الأمر في إطاره السياسي الحقيقي، وهو أنها ليست انتخابات عادية وفق منافسة شريفة، ولكنها جزء من مرحلة انتقالية تهدف لفتح المجال العام، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة معتقلين ووطن تباع أرضه. وفي كل الأحوال، هي فرصة قد تستغلها المعارضة على اختلاف مشاربها فتنجو من بطش النظام أو تضيعها، لتلبث في القهر بضع سنين حتى تلوح فرصة أخرى.