كتاب عربي 21

عملية "غصن الزيتون" والحديث عن الاستنزاف

1300x600

أطلق الجيش التركي، السبت الماضي، عمليته العسكرية المرتقبة، بمشاركة الجيش السوري الحر، لتطهير منطقة عفرين في شمال سوريا من عناصر وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لمنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية، وسماها "عملية غصن الزيتون".

 

يتساءل بعض المحللين: "هل هذا فخ يهدف إلى إضعاف تركيا واستنزافها في المستنقع السوري؟"


العملية جاءت في وقت بلغ فيه توسع نفوذ المنظمة الإرهابية في الأراضي السورية ذروته، بدعم الولايات المتحدة، وتحت قناع "قوات سوريا الديمقراطية"، وبعد أن أرسلت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" إلى الإرهابيين آلاف الشاحنات والطائرات المحملة بالأسلحة والذخائر. ولذلك، يتساءل بعض المحللين: "هل هذا فخ يهدف إلى إضعاف تركيا واستنزافها في المستنقع السوري؟".

عملية غصن الزيتون جاءت بعد دراسات طويلة للأوضاع والتطورات، ومراقبة ما يجري في الساحة. ومن المؤكد أن العملية سيكون لها ثمن، إلا أن عدم التدخل العسكري أيضا له ثمن. وتشير التقديرات التركية المبنية على الدراسات ومتابعة التطورات الميدانية؛ إلى أن ثمن الانتظار والتفرج على ما يجري في شمال سوريا سيكون باهظا، وأكبر بكثير من ثمن العملية العسكرية.

الجيش التركي لم يطلق عملية غصن الزيتون إلا بعد استكمال كافة الاستعدادات العسكرية، ووضع الخطط بناء على المعلومات المؤكدة، وحشد القوات والآليات إلى الحدود، والتنسيق التام مع الجيش السوري الحر. ويمكن القول بأن الاستخبارات التركية تعرف تلك المنطقة الملاصقة لحدود البلاد، كما تعرف أي جزء من أرض الوطن. وهذا أمر في غاية الأهمية لنجاح العملية.

 

الجيش التركي لم يطلق عملية غصن الزيتون إلا بعد استكمال كافة الاستعدادات العسكرية، ووضع الخطط بناء على المعلومات المؤكدة

أنقرة قامت، وما زالت تقوم، بجهود دبلوماسية حثيثة في جميع الاتجاهات لإطلاع المعنيين على حقيقة الموقف التركي وأهداف العملية العسكرية، إلا أنها لم تحشد للعملية قوات دول عديدة؛ لأن الجيش التركي أولا ليس بحاجة إلى غيره في هذه العملية، وثانيا أن مشاركة دول أخرى قد تؤدي إلى خلافات في القيادة وسير العملية وأهدافها، بسبب اختلاف أجندات الدول المشاركة. ولذلك، لا يشارك في عملية غصن الزيتون إلى جانب الجيش التركي إلا الجيش السوري الحر؛ لأنه صاحب الأرض، بل يمكن القول بأن الدور التركي في هذه العملية هو دعم الجيش السوري الحر ومساندته.

الجيش التركي من ناحية القوة العسكرية والقدرة القتالية ليس كأي جيش من جيوش دول المنطقة، وهو من أقوى جيوش العالم وأعرقها. كما أن لديه خبرة واسعة في مكافحة الإرهاب، ومنظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية على وجه الخصوص، سواء في الأرياف أو داخل القرى والمدن. كما أن الأسلحة والذخائر والآليات المستخدمة في هذه العملية 70 في المئة منها مصنوعة في تركيا. ومن تلك الآليات العسكرية؛ منظومة "كورال" الالكترونية التي تقوم بالتشويش على الرادارات والدبابات والمروحيات المعادية. وهذه المنظومة محلية الصنع، ويستخدمها الجيش التركي حاليا في عملية غصن الزيتون.

 

تركيا عازمة على المضي قدما في هذه العملية، وهي تعرف ماذا تفعل وماذا تريد، وتملك خططا بديلة لكل طارئ ومتغير

المسؤولون الأمريكيون منذ انطلاق العملية يعبرون عن انزعاجهم منها، ويطالبون تركيا بأن يكون التدخل العسكري محدود الزمن والمساحة. ولكن الجانب التركي لا يمكن أن يصغي إلى هذه المطالبة؛ لأنها تعني إنهاء العملية دون أن تحقق أيا من أهدافها. كما أن أنقرة لا ترى أن للولايات المتحدة حق الإملاء على تركيا في كيفية التعامل مع المخاطر التي تهدد أمنها القومي. بل تؤكد القيادة التركية أن عملية غصن الزيتون ستستمر حتى تحقق أهدافها، ويتم القضاء على المنظمة الإرهابية في شمال سوريا، وإنهاء الخطر الذي تشكله لأمن البلاد. ويقترح الجانب الأمريكي على تركيا التعاون لإقامة مناطق آمنة في شمال سوريا، إلا أن الجانب التركي يطلب من واشنطن أن تسحب أولا من أيدي الإرهابيين تلك الأسلحة التي زوَّدت بها المنظمة الإرهابية.

تركيا عازمة على المضي قدما في هذه العملية، وهي تعرف ماذا تفعل وماذا تريد، وتملك خططا بديلة لكل طارئ ومتغير. وبالتالي، لا داعي للحديث عن الاستنزاف في الظروف الراهنة، أو الخوف منه في المستقبل القريب، في ظل تأكيد وزير المالية التركي ناجي أغبال أن العملية لن تؤثر سلبيا على الاقتصاد التركي. كما لا داعي لتشبيه عملية غصن الزيتون بعمليات فاشلة لم يقم بها الجيش التركي.