كتاب عربي 21

كتلة أكاذيب (1)

1300x600
ضباط ذوو نفوذ زوروا المعلومات الاستخبارية وهم من تسبب في الحرب. 

تلك كانت خلاصة التقرير التي توصل إليها الضابط الأمريكي روي ميلر في فيلم (المنطقة الخضراء- 2010) للمخرج بول غرينغراس. 

كان ميلر يتحدث عن اختلاق المسؤولين العسكريين الأمريكيين لشخص ماجيلان كمسؤول كبير بالجيش العراقي سلم لهم تفاصيل برنامج العراق لتطوير أسلحة الدمار الشامل.

أصر ميلر على تسليم التقرير للشخص المعني بخلاصته كلارك بوندستون.

كلارك: ما المغزى من هذا يا ميلر؟ هل تعتقد أن أحدا سيستمع إليك؟

ميلر: أعلم ما فعلته. ابتدعته لتحصل على مرادك. ماجيلان شخص وهمي ابتكرته. 

كلارك: لا أعرف عم تتحدث يا ميلر.. 

ميلر: عندما اختلقت القصة في واشنطن، هل علموا بالأمر أم أنهم لم يتحققوا منه؟

كلارك: هيا.. لا أهمية لهذا الآن.. أسلحة الدمار الشامل وكل هذا…

ميلر: كيف تتحدث هكذا؟ بالطبع هذا مهم (يشد في خناقه).. سبب خوضنا الحرب مهم دوما.. إنه الأمر الوحيد المهم.. ألديك فكرة عما فعلته هنا؟ ماذا سيحدث عندما سنرغب في أن يثق فينا الآخرون؟

كلارك: (مغادرا في اتجاه اجتماع العراقيين الجدد) لن نتراجع يا ميلر.. لقد انتصرنا..

كلارك يعرف أن المنتصر هو دوما من يمتلك الرواية ويكتب التاريخ وهو على حق. أما ميلر فكل أمله أن يبرئ مؤسسة الجيش والديمقراطية الامريكية من جريمة حرب ضد الانسانية والتاريخ وينسبها لأشخاص ذوو نفوذ زوروا معلومات استخباراتية. خلال اجتماع رسمي بمجلس الأمن تناقلته وسائل الإعلام الدولية، لم يرف جفن لكولن باول وهو يستعرض صورا ووثائق مهد بها للحرب على العراق وتبين بعدها أن تزوير. لا أحد حاسب أمريكا ولا أحد سيفعل.

في الذكرى الخامسة عشرة للغزو الأمريكي للعراق، لم يجد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، المعتمَد عليه لتغيير وجه المنطقة، من نشاط يقوم به غير زيارة ودية لجورج بوش الأب والابن، المسؤولين المباشرين، عن تدمير قطر عربي ابتدأ بحرب فحصار وحشي ثم غزو مباشر لا تزال نتائجه وارتداداته مؤثرة في الشرق الأوسط حتى اليوم. لم يسأل ابن سلمان، كما لم يسأل غيره، عائلة بوش عن أسلحة الدمار الشامل التي اتخذوها ذريعة للقضاء على حضارة ومستقبل واحدة من الحواضر العربية الأعظم في التاريخ الإنساني. 

ذاكرة الشعوب أقصر من البحث في خبايا الأمور وطموحات حكامنا أضعف من طرح السؤال على الكفيل الأمريكي. 

بعد قتال عنيف للدخول إلى إحدى المقرات بالعاصمة بغداد حيث يحتمي قناص. وفي الوقت الذي تسابق فيه الأهالي لنهب المقر مما فيه، يصاب الضابط ميلر وفريقه بخيبة أمل كبرى.

ميلر: هذا ليس موقع أسلحة دمار شامل.. احزموا المعدات.
وعند خروجهم يلتقون بجنود آخرين.

جندي: هل وجدت شيئا أيها القائد؟

ميلر: الموقع خال. من أين أتتنا تلك المعلومات الاستخباراتية؟ 

جندي: يمكنني التأكد مجددا من موقع الهدف.

ميلر: لا حاجة لذلك.. نحن في الموقع الصحيح.. المخطط صحيح ولكن من أين صدر؟ أعني، هل أتت المعلومات من الأمم المتحدة؟

جندي: بناء على هذه البيانات فالمعلومات أتت من عندنا.

ميلر: ولكن كيف اعتقدوا أن ثمة شيئا مهما هنا؟ إنها ثالث مرة على التوالي.. لنغادر.
تحت ذريعة حصول صدام حسين على أسلحة الدمار الشامل تم غزو العراق. وأثناء استقبالهم لأحمد الزبيدي، رجل أمريكا العائد إلى العراق بعد "التحرير" يلتقي كلارك بوندستون، من وحدة الاستخبارات المركزية، بالصحفية لوري داين من وول ستريت جورنال.

لوري: وماذا عن الأسلحة؟

كلارك: هذا أمر يحبطني أيضا.. نفعل ما بوسعنا وسنجد الأسلحة.. لا تقلقي.

لوري: العالم يتابعنا ويريد معرفة مكانها... كلارك، أحتاج إلى المصدر.. أحتاج إلى مجيلان.
لوري داين نشرت تقارير صحفية كاذبة عن وجود أسلحة دمار شامل بالعراق وتبحث عنها لحفظ مصداقيتها. 

أمريكا كلها كانت تبحث عن أسلحة الدمار الشامل لتقديم أي شيء منها على شاشة "سي ان ان" دون جدوى. اليوم تعيد الولايات المتحدة وحلفاؤها نفس الحكاية مع النظام السوري. ومن يعتقد أن تغيير نظام الأسد يحتاج كل هذه التضحيات وكل هذا الخراب الذي ألم بالبلد، حاضرة أخرى من حواضر العرب والمسلمين، فهو واهم. 

لم يعد الحصار اليوم سبيلا لإضعاف البلدان فتم تعويضه بحروب مدمرة ضد الإرهاب يتبعها غزو مباشر أو تغيير أنظمة لن تؤدي إلى أفضل مما وقع للعراق. فوضى أمنية وصراعات بين المذاهب الدينية وتفريط في الوحدة الترابية تمهيدا لإعادة تقسيم المنطقة وفق الأهواء الغربية الجديدة.

قنابل وأسلحة كيميائية تتساقط على المواطنين العزل دون تحديد لمصدرها ولا تحقيق، وتحريك أساطيل وتغريدات بقنابل ذكية لن تفرق كثيرا عن أسلحة "ذكية" رُوج لها خلال الحرب على العراق كأسلحة حرب نظيفة تبين أنها مجرد تجارب على "فئران عربية". والقصة كلها "اختلاقات" يتم تثبيتها حقائق في أدمغة المتابعين عبر حملات إعلامية موجهة لا حساب بعدها.

عودة إلى (المنطقة الخضراء)..

ميلر: لقد قرأت مقالاتك.. قلت إن مصدرا عراقيا للأسلحة الكيميائية اسمه مجيلان قابل مسؤولين أمريكيين قبل الحرب.. يهمني أن أعرف أكثر بخصوص ذلك الاجتماع.

لوري: لا يمكنني الحديث عن مصادري يا ميلر.

ميلر: هل قابلته يوما؟ أتعرفين من يكون؟

لوري: بالطبع لا.. إنه مصدر داخلي عراقي.

ميلر: كيف عرفت أن ما قاله صحيح إذاً؟

لوري: لأنني تواصلت معه عبر وسيط موثوق.

ميلر: هل زرت أيًّا من المواقع التي تحدث عنها مجيلان؟ هل زرت الديوانية أو تكريت؟
لوري: لا.

ميلر: لا يوجد شيء هناك. معلومات مجيلان خاطئة. من الوسيط؟

لوري: لن أتحدث عن مصادري يا ميلر.

ميلر: إنه سبب خوضنا الحرب. أخبريني كيف حدث هذا إذاً؟ كيف ينشر أحد مثلك معلومات غير صحيحة؟ أخبريني عن الذي تعرفينه..

لوري: اسمع.. وردني اتصال ذات يوم من... من مسؤول متنفذ في العاصمة واشنطن وقال إن لديه قصة لي. القصة عن حقيقة برامج صدام لأسلحة الدمار الشامل فذهبت للقائه وسلمني تقرير المصدر.. ما قاله مجيلان معلومات صافية.

ميلر: ومتى ستتحققين من القصة؟

لوري: كان مسؤولا متنفذا وكانت لديه القدرة على الوصول إلى معلومات مجيلان.

عندما قرر بريمر حل حزب البعث والجيش وتسريح المنتسبين إليه وإلغاء الرتب وتسريح البعثيين من المؤسسات الحكومية الرسمية بشر ب"فجر قيادة جديدة في العراق" داعيا العالم ليشهد أن "التغيير سيأتي إلى الشرق الأوسط أخيرا". 

الجنرال محمد الراوي/ماجيلان، خاطر بتقديم ما لديه من معلومات بما فيها ما تعلق أسلحة الدمار الشامل طمعا في مكان له في "العراق الجديد" قبل أن ينتهي به المطاف مجرد صورة على "أوراق اللعب" ومطاردا من قوى الاحتلال ومنبوذا من طرف الشعب، وبدله تم الإتيان بالزبيدي "زعيما وطنيا".

وفي مقر تحالف السلطة الانتقالية بقصر صدام الجمهوري سابقا، نقاش لمستقبل العراق بين ممثلي مختلف الأجهزة الأمريكية بحضور كلارك بوندستون ومارتي من المخابرات المركزية.

كلارك: سنعقد غدا مؤتمرا بشأن مستقبل العراق داخل المنطقة الخضراء.. نتوقع حضور مندوبي المجموعات العرقية الثلاث: الشيعة والسنة والأكراد لبحث مختلف مستويات تنظيم السلطة ونأمل أن يظهر أحمد الزبيدي في موقع قيادي.

مارتي: لم يأت الزبيدي هنا منذ 30 عاما.

كلارك: إنه أفضل خيار متاح لنا لتحقيق ديمقراطية مستقرة.

مارتي: عليك إيجاد عشرة أشخاص في بغداد يعرفون من يكون.

كلارك: إنه صديقنا يا مارتي.. لقد ساعدنا كثيرا وإدارتنا سعيدة بالمعلومات التي تلقتها منه.

مارتي: الزبيدي يعطينا معلومات بلا أهمية منذ سنوات. لا يمكن الاعتماد على هذا الرجل أو على معلوماته ومصدرها... لا يمكن تسليم البلاد لرجل منفي لم يسمع به أحد من قبل ولبعض المتدربين بواشنطن.

كلارك: كخبير في الشرق الأوسط، ما الذي تقترحه يا مارتي؟

مارتي: علينا الاعتماد على الجيش العراقي في مساعدتنا.. البلد عبارة عن قنبلة من التفرقة العنصرية وبرحيل صدام يصبح الجيش الضامن الوحيد للاستقرار.

كلارك: نحن أعلم بهذا الشعب فقد هزمنا الجيش العراقي.

مارتي: لكنهم موجودون ومسلحون وينتظرون دورا في العراق الجديد.

كلارك: سينتظرون طويلا.

النتيجة أن الزبيدي وأمثاله تسلموا العراق لأشهر قبل أن يظهر المتحكمون في الأرض وينفضوا الغبار عن مخططاتهم دون أن يخرجوا عن الإطار الأهم للولايات المتحدة الأمريكي ملخصة في مؤتمر صحفي لرجلهم المفترض في بغداد.

الزبيدي: إنها بداية جديدة للعراق.. إنها نهاية الطغيان وبداية الحرية.

صحفي: إلى متى ستبقى القوات الأمريكية بالعراق؟

الزبيدي: طالما كانت هناك حاجة إليها....

لا تزال القوات الأمريكية بالمنطقة تربض وتتحين الفرص لتحقيق استراتيجيها في ظل تسابق محموم من زعماء المنطقة لتقديم خدماتهم والتنافس فيها حماية للعروش.

قبل سنة بالضبط، عرفت الرياض تنظيم قمة إسلامية أمريكية تلت قصفا لمطار الشعيرات بسوريا وانتهت بحصار قطر بما مثله من لحظة فارقة في استنزاف ثروات الخليج وإنهاء فعلي للتعاون الخليجي.

واليوم، بوارج وطائرات وأسلحة من مختلف الأنواع تتجمع بالمنطقة للرد على استخدام الكيماوي بدوما على بعد أيام من قمة عربية لا أحد يعرف لها جدول أعمال.. والسؤال: ما الخطوة القادمة بعد تدمير الحواضر العربية الكبرى؟ 

مدن الملح التي يتمكن المطر من تذويبها لن تتحمل قنابل وغارات وتفجيرات... في خماسية (مدن الملح) يقول الأمير أن "الأمريكان ما يعملون شي لله"..