كتاب عربي 21

الانتخابات المبكرة.. بين مرسي وأردوغان!

1300x600
اتخذ الرئيس التركي قرارا بالدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة، فترددت أصداؤه في القاهرة!

فقد اعتبرت القوى المدنية التي دعت لانتخابات رئاسية مبكرة في مصر في عهد الرئيس محمد مرسي؛ أنها لم تكن في دعوتها تحل حراما، والدليل أن أردوغان استجاب لدعوة مماثلة من قبل المعارضة، وقرر إجراء الانتخابات قبل موعدها، بشكل لا بد وأن يضيف لرصيده، ويمثل خصما من رصيد الدكتور مرسي الذي رفض الدعوة، وولى معرضا، فجرى ما جرى!

الذين أشادوا بموقف الرئيس التركي، هم الذين يقفون له "على الواحدة"، ويتربصون به الدوائر، لكنه بقرار الدعوة لانتخابات مبكرة، فقد عزز من موقفهم، لا سيما أنهم متهمون الآن بأنهم جروا البلاد إلى المستنقع وإلى حكم عسكري عضوض، صاروا من ضحاياه بعد أن ظنوا أنه بإسقاط الحكم المنتخب سيجري تمكينهم من مصر، ليقضوا منها وطرا، وتمكينهم بقوة السلاح من حكم ضنت به عليهم إرادة الجماهير.

ولا شك أن هذا الاحتفاء من قبل حركات "الكفاح الفاشل"، بقرار الرئيس أردوغان، منع القوى الإسلامية من تأييده؛ لأنها إن فعلت فسوف تدين موقفا للرئيس محمد مرسي رفض فيه إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فكانت الدعوة لـ30 يونيو التي قال الداعون إليها إنها كانت بهدف حمله على ذلك، وكانوا يكذبون لأنهم استدعوا الجيش للتدخل. وعندما أراجع ما كتبته في شهر آذار/ مارس من سنة 2013، أجد هذه الدعوة رائجة، من قبل قيادات جبهة الإنقاذ، بمن فيهم الدكتور محمد البرادعي ذاته، فهل كان يعتقد هؤلاء البلهاء أن الانقلاب العسكري سيرتب لانتخابات رئاسية مبكرة، أو لإقامة حياة ديمقراطية سليمة؟!

الأمور في تركيا ليست على النحو الذي يتم الترويج له، وباعتبار أن هناك دعوة من المعارضة استجاب لها الرئيس، ففي الحقيقة أن أردوغان قطع الطريق على المعارضة، وقام بحرق الأرض من تحتها، وإن بدا أنه استجاب لدعوتها!

فقد كانت دعوة المعارضة لانتخابات رئاسية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، ولو فكرت لعلمت أنه من الأفضل لها أن تجرى الانتخابات في موعدها في حزيرن/ يونيو من العام المقبل، تكون فيها قد رتبت أوراقها، ويكون هناك وقت كاف لتلقي الأموال من قوى الثورة المضادة الإقليمية والدولية؛ التي فشلت في الإطاحة بأردوغان بالانقلاب العسكري، وتفكر الآن في الإطاحة به بالانتخابات، لكنها الحماقة التي أعيت من يداويها.. حماقة في أنقرة كما حماقة "جبهة الإنقاذ" في القاهرة!

لقد دعا رئيس حزب "الحركة القومية" لانتخابات مبكرة، ليحدد أردوغان موعدا بعد الدعوة مباشرة لمقابلته في اليوم التالي، وهو حزب حليف له. وبدا واضحا أن هذه الدعوة متفق عليها، فتم عقب المقابلة إعلان موعد الانتخابات في شهر حزيران/ يونيو، وليس في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر كما طالب خصومه في حزب الشعوب والأحزاب الكردية، وقد وضعهم بذلك في "خانة اليك"، فليس أمامهم وقت للعمل ضده بمعاونة القوى الإقليمية والدولية، فهم لم يتفقوا على منافس له من حيث المبدأ!

المتابع للشأن التركي يدرك أن حظوظ أردوغان هذه المرة أكبر من حظوظه في المرة السابقة. وبالمناسبة فقد كان الفارق بينه وبين منافسه كبيرا مع ذلك، وقد أعلن هذا المنافس أن صوته لأردوغان هذه المرة، مع أنه تربى في القاهرة، وخاض الانتخابات بدعم سعودي، لكن أزمته أنه - أولا - نافس أردوغان وليس أي مرشح آخر، ولأنه - ثانياً - لا يرى فيه الأتراك أنه تركي خالص، ففضلا عن أنه تربى في الخارج وأمه مصرية، فإنه لا يتحدث التركية بطلاقة، في مجتمع متعصب لتركيته!

مرسي ليس كأردوغان، ففي الحالة التركية فإن خيوط اللعبة في يد الرئيس، الذي تخلص من نفوذ المؤسسة العسكرية تماما، وتجاوز مرحلة الانقلابات في بلاده، وهي مهمة شارك فيها الشعب التركي بكل مكوناته، وشاهدنا كيف واجه الانقلابين، وطاردهم في الشوارع في ليلة تاريخية مثلت انتصارا للشعب على الآلة العسكرية المدفوعة للانقلاب على الخيار الديمقراطي من قبل قوى إقليمية ودولية!

والمعنى أن الحديث عن انتخابات رئاسية مبكرة، سيكون القرار فيه للشعب صاحب السيادة، في حين أن المغفلين في القاهرة طالبوا وزير الدفاع بالانقلاب العسكري، والاستجابة لدعوة الانتخابات المبكرة، قد تعطي فرصة لجهات لم تتمكن من التدخل في المرة الأولى، أن تتدخل فيها بعد ذلك!

بحسابات اليوم، فقد كان من الأفضل للرئيس محمد مرسي أن يدعو لانتخابات رئاسية مبكرة، مهما كانت نتيجتها، وإذا كان في نيته إجراؤها بعد الانتخابات البرلمانية كما يقول أنصاره، فلماذا لم يعلن هذا في حينه، وترك الأمور تبدو كما لو أنه لا يوافق على هذا؟!

بيد أن السؤال المهم هنا: هل كانت الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة هي ما تريده القوى المدنية فعلا؟ وهل لو جاءت بالدكتور محمد مرسي مرة ثانية كانت ستقبل بنتيجتها، ولا تطلب بعد عام بانتخابات رئاسية مبكرة جديدة.. وهكذا؟!

الدليل على أن هذه القوى تكذب، أنها لم تطلب من قائد الانقلاب العسكري تحديد موعد الانتخابات الرئاسية المبكرة مع بيان الانقلاب، ثم إنه كانت أمامنا انتخابات برلمانية، فلماذا لم تكتف بها إن كانت بالفعل تعتقد أن الشعب غير موقفه من تأييد الإخوان إلى رفضهم؟!

الشاهد أن القوى المدنية كانت تدرك أنها فاشلة في الوصول للجماهير، لذا فقد كان ما يشغلها هو إسقاط الحكم القائم بقوة السلاح، وتبدو الدعوة للانتخابات الرئاسية المبكرة، مطلب حق يراد به باطل!

وبعيدا عن موقف الإخوان، فقد كان موقفي بمعزل عنهم، بل ومن خندق المعارضة، بأن على الرئيس أن يكمل دورته لآخر يوم، كما تقول القيم الديمقراطية التي تعد الانتخابات المبكرة فيها هي أبغض الحلال، ولا يتم الذهاب إليها سوى للضرورة، شريطة أن يحدث توافق على ذلك من الأطراف كافة، فإن رفض طرف ذلك، لا سيما إذا كان الطرف الحاكم، فليس لأحزاب الأقلية أن تفرض عليه إرادتها وقد فشلت قبل بضع شهور من دعوتها في أنزه انتخابات عرفتها البلاد، إلا إذا كان المراد هو تكريم الفاشل لأنه فشل، ومكافأته على هذا الفشل بمنحه فرصة جديدة للمنافسة وليؤكد من خلالها فشله!

إن الذين أوردوا البلاد مورد التهلكة ليس هم من رفضوا الانتخابات الرئاسية في مصر، ولكن من دعا إليها وألح عليها، وعندما فشلت دعوتهم طلبوا من وزير الدفاع القيام بانقلاب عسكري!

لقد وقع الانقلاب فاستمتع بتداعياته، دون التعلق بقرار الرئيس أردوغان لستر السوءات التي تبدت للناظرين.