صحافة دولية

ترحيل سجناء سابقين بغوانتانامو.. هل يجد الآخرون مصيرا شبيها؟

نيويورك تايمز: سجناء سابقون في غوانتانامو يطردون من البلدان المستضيفة- جيتي

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لكل من تشارلي سافيج وديكلان وولش وديون سيرسي، يقولون فيه إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما عقدت اتفاقات مع أكثر من ثلاثين دولة، لترسل إليها السجناء القادمين من بلدان خطيرة، الذين يعدون ذوي خطورة متدنية؛ لتوطينهم لزيادة فرصهم في العيش بشكل سلمي، بدلا من أن يعانوا من الاضطهاد، أو ينزلقوا في التطرف "الإسلامي".

 

ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأن قرار السنغال هذا الشهر، بأن تبعد اثنين من المساجين السابقين إلى مسقط رأسهما ليبيا، رفع من التوقعات بأن نظام إعادة التوطين بدأ في الانهيار تحت رئاسة دونالد ترامب، فبعد رحلة متعبة وقع السجينان السابقان في يد قائد مليشيا عرف عنه تعذيب السجناء واختفيا تماما.

 

وينقل الكتّاب عن مسؤولين سابقين وحاليين، قولهم بأن هذا الإبعاد سابقة مقلقة، فالخطر هو أن تتبع بلدان أخرى خطوات السنغال، وتبعد حوالي 150 سجينا سابقا تمت إعادة توطينهم إلى أماكن، حيث إن هناك خطورة من أن يقتلوا، أو أن يشكلوا خطرا على أنفسهم.

وتعلق الصحيفة قائلة إن "هذا المستقبل الغامض الذي يواجه هؤلاء السجناء السابقين يفتح فصلا جديدا في آثار قرار إدارة بوش جلب مئات الشباب إلى غوانتانامو بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، وسجنهم هناك لعدة سنوات، وكانت كل من إدارة بوش وإدارة أوباما قد توصلتا إلى أن عددا كبيرا من المسجونين على مستوى متدن من الخطورة لتبرير بقائهم في السجن، لكنهم حرصوا على عدم إرسال أي من القادمين من دول فيها فوضى، مثل ليبيا واليمن، إلى دولهم".

 

ويجد التقرير أن فشل إعادة التوطين في السنغال ناتج بشكل جزئي عن الفوضى التي أصابت الخارجية الأمريكية منذ أن تسلم ترامب الرئاسة، مشيرا إلى أن إدارة أوباما أنشأت مكتبا مركزيا لمتابعة السجناء السابقين إلى إشعار آخر، والتعامل مع أي مشكلات، لكن وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون أغلق المكتب، وحوّل مهماته إلى السفارات المختلفة.

 

وينقل الكتّاب عن السفير دانيال فريد، وكان أول من تفاوض على إعادة التوطين في إدارة أوباما، قوله إن هذا هو نتيجة إغلاق المكتب المتخصص بإغلاق غوانتانامو لأسباب سياسية، حيث ستستنتج الدول المستضيفة بأن أمريكا لا يهمها ولن تتابع.

 

وتشير الصحيفة إلى أن مسؤولا في الخارجية أصر، بشرط عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع، على أنه لا يوجد هناك إهمال من طرف أمريكا، وقال إنها تستمر على أمل أن يكون التوطين دائما، لافتا إلى أن الدبلوماسيين الأمريكيين لا يزالون على اتصال وتشاور مع الدول المستضيفة. 

 

ويلفت التقرير إلى أن بعض عمليات إعادة التوطين سارت بشكل جيد، حيث تعلم المسجونون السابقون اللغة المحلية، ووجدوا وظائف، حتى أن بعضهم تزوج، مشيرا إلى أن دولا أخرى كانت أكثر إشكالية، ففي بلدان، مثل أورغواي وكازاخستان، حاول السجناء السابقون التعايش مع الأوضاع فوجدوا صعوبة في ذلك، واشتكوا من قلة الدعم، والبعد عن الأقارب، وخشونة التعامل الأمني، في الوقت الذي كان فيه وضع السجناء السابقين في بلدان أخرى، مثل غانا، أفضل، لكن المعارضة انتقدت الحكومة بشدة بسبب موافقتها تجاه إعادة توطينهم لديها. 

 

ويفيد الكتّاب بأن "السجناء السابقين يشكلون بعض المتاعب للحكومات المضيفة، التي تقدم المساعدات الأساسية، وتراقبهم في الوقت ذاته، بالإضافة إلى أن الدول المضيفة وافقت على عدم السماح لهم بالسفر لعامين أو ثلاثة أعوام، لكن ما بعد ذلك ترك غامضا، وبناء على هذه الخلفية يعتقد أن السنغال كانت الأولى التي سعت للتخلص من العبء الملقى عليها بإبعاد المعتقلين السابقين الذين أعيد توطينهم إلى بلدانهم الأم".

وتورد الصحيفة مثالا على ذلك أن رجلا يمنيا تمت إعادة توطينه في صربيا عام 2016، وحاول تعلم لغة البلاد، واشتكى من أن سمعة سجنه في غوانتانامو دمرت فرص الحصول على عمل أو حياة اجتماعية، مشيرة إلى أنه تمت إعادة توطين سجين طاجكستاني سابق معه في صربيا، حيث استطاع أن يتأقلم أكثر مع الوضع، لكن لا يوجد لأي منهما وضع قانوني سليم، وأخبر مسؤول صربي أحد محاميهم أن الحكومة تفكر في إبعادهما هذا الصيف بعد أن انتهت مدة حظر السفر لعامين، وقال متحدث باسم الحكومة، إن قرارا بهذا الشأن لم يتخذ بعد.

 

وينقل التقرير عن محامية الرجل اليمني بيث جاكوب، قولها بأن موكلها يخشى تسفيره، لكنها لم تجد أحدا من الحكومة الأمريكية تناقش معه الموضوع، فيما قال محامي السجين السابق الآخر ماثيو أوهارا، إن موكله قد يتعرض للاضطهاد في طاجكستان، وقال إنه أصبح قلقا جدا بعد ما حصل في السنغال.

 

وينوه الكتّاب إلى أن رئيس السنغال، ماكي سال، قبل بسجينين سابقين من ليبيا في شهر نيسان/ أبريل 2016؛ خدمة للرئيس أوباما، مشيرين إلى أن الرجلين هما سالم غريبي وعواد (عوض) خليفة، وكانا منحا شقة في داكار، وهناك شخص يعيش قريبا منهما مسؤول عن متابعة شؤونهما.

 

وعندما زار مراسل من "نيويورك تايمز" المعتقلين في 3 نيسان/ أبريل، اشتكى غريبي بأن السلطات في السنغال لا تسمح لزوجته وأبنائه بالقدوم من ليبيا للعيش معه، بالإضافة إلى أن الرجلين طلبا زيادة في حصتهم من المواد الغذائية، لكن كانت أيضا هناك مؤشرات على أن عملية إعادة التوطين كانت ناجحة، فمثلا يرحب جيران خليفة به، ويقول إنه يتفاعل مع المجتمع.

 

وتذكر الصحيفة أن المسؤولين السنغاليين رفضوا مناقشة الأسباب التي دعتهم لتسفير الرجلين، لكن العلاقات بين الدول الأفريقية وأمريكا ساءت بشكل عام في ظل رئاسة ترامب، خاصة بعدما تبين في شهر كانون الثاني/ يناير أن ترامب شتم الشعوب الأفريقية، مستخدما عبارات بذيئة.

 

ويورد التقرير نقلا عن رمزي قاسم، محامي خليفة، قوله بأنه تم إخبار موكله في كانون الثاني/ يناير بأنه قد لا يسمح له بأن يبقى في السنغال، وقام قاسم بإرسال بريد إلكتروني للسفارة الأمريكية هناك، لكن لم يصله رد، وفي 26 آذار/ مارس، تم إخبار الرجلين كتابة بأنه سيتم ترحيلهما.

 

ويشير الكتّاب إلى أنه في الوقت الذي كان فيه غريبي مرحبا بالفكرة، حيث أنه كان يأمل أن يلم شمله مع زوجته وأبنائه، إلا أن خليفة كان خائفا، وقال لمراسل "نيويورك تايمز" بأنه يخشى على حياته، وبعد المقابلة بساعات قال الجيران بأن الأمن السنغالي قام بترحيل الرجلين.

 

وتبين الصحيفة أنه بعد ذلك اتصل غريبي بمؤسسة لحقوق الإنسان من المطار في تونس خلال توقفه في رحلته إلى ليبيا، لكن لم تسمع منه المؤسسة بعد ذلك، لافتة إلى أن مصير خليفة كان أكثر غموضا، حيث أخبر المسؤول السنغالي لي وولوسكي، المبعوث السابق الخاص لوزارة الخارجية لإغلاق سجن غوانتانامو، الذي تفاوض على إعادة توطين السجينين الليبيين، بأن خليفة لن يرحل بالقوة.

 

ويستدرك التقرير قائلا: "يبدو الآن أنه هو أيضا تم ترحيله عن طريق تونس، وأن الرجلين أرسلا إلى طرابلس، حيث تم سجنهما من مليشيا معادية، بحسب مسؤول في حكومة الوفاق الوطني وموظف في الخطوط الليبية".

 

وينقل مراسلو الصحيفة عن متحدث باسم الخطوط الجوية الليبية، قوله إن الرجلين كانا على متن رحلة من تونس إلى طرابلس، لكنه لا يعلم ماذا حصل معهما بعد ذلك، وقال وولوسكي بأن مسؤولا سنغاليا أخبره أن خليفة لم يعد يعيش في السنغال، مع أن المسؤول قال إن خليفة غادر بعد عدة أيام بعد غريبي.

 

وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤول في المخابرات وموظف في الخطوط، قولهما إن أحد الرجلين قام بالاحتجاج بصوت عال في المطار في تونس، وقام بضرب رأسه بالحائط حتى أسال الدم منه، لافتة إلى أن السجينين السابقين كان يريدان أن ينقلا إلى مصراتة، التي تقع على بعد 130 ميلا شرقي طرابلس، وقالت المصادر إن الرجلين كانا يريدان تجنب مطار طرابلس، الذي يسيطر عليه عبد الرؤوف كارا، وهو قائد مليشيا يدير معسكر مكافحة للإرهاب، حيث تقول مؤسسات حقوق الإنسان إنه تسود فيه إساءة المعاملة، لكن كارا كان مصرا على اعتقال الرجلين، وأرسل مجموعة حراس لمرافقتهما من تونس، بحسب الشاهدين.

 

ويذهب التقرير إلى أن ما يزيد من الغموض أن المتحدث باسم مجموعة كارا أنكر لاحقا بأنهم يحتجزون الرجلين، حيث قال: "أظن أنهما مع المخابرات"، ورفض أن يفصح عن المزيد.

 

ويفيد الكتّاب بأنه بعد أن تم نشر التقرير على الإنترنت، فإن ستيفن ياغمان، محامي غريبي سابقا، الذي مثله في السنوات الأولى من السجن في غوانتانامو، اتصل وقال إن موكله السابق وزوجته قالا له الأسبوع الماضي بأن غريبي يعيش الآن في شرق ليبيا مع عائلته، وأضاف أنهما لم يتحدثا عن تفاصيل رحلته، ورفض هو أن يفصل كيف تم الاتصال به.

 

وبحسب الصحيفة، فإن قاسم أشار إلى أن القانون الدولي يمنع ترحيل الأشخاص إلى أماكن يمكن أن يتعرضوا فيها لسوء المعاملة، فهو يحمل السنغال وأمريكا المسؤولية عن أي أذي قد يلحق بخليفة، واستدرك قائلا: "لكن القضية أكبر من ذلك".

وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول قاسم: "إن اعتبرت الدول الأخرى, التي استضافت مسجونين سابقين من غوانتانامو، أن الفشل الذي حصل في السنغال هو مؤشر على أن إدارة ترامب لم تعد تهتم بالتزاماتها السابقة، فإن هذا يعني أنها ستكون حربا مفتوحة ضد أولئك السجناء السابقين.. وليس هناك شيء أقل مناسبة للمبادئ الإنسانية التي تدعيها أمريكا.. ولا حتى الأهداف الأمنية التي تدعيها".