كتاب عربي 21

محاولة انتشال السيسي!

1300x600
اختفت السلطة، وظهرت اللجان الإلكترونية للسيسي، تحاول انتشاله، بعد غرقه في منطقة "التجمع" دون جدوى!

مع كل أزمة لا وجود للدولة المصرية، بحسب تعريف السيسي لها، وهو تعريف يختزلها في السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولهذا فقد اعتبر أن الدعوة لإسقاط النظام تعني إسقاط الدولة نفسها، وأن كل معارضة له هي محاولة لإنهاء الدولة، ومنها إلى المجهول، ولو كان ذلك عبر الاحتكام لصندوق الانتخاب!

في أزمة الصواريخ "البلاستيكية"، لم ترد أي جهة معنية، وإنما تم ترك المجال للجان الإلكترونية، أو "الذباب الإلكتروني" الذي استوعب الصدمة، وبعد ساعات ذهب يؤكد أن النطق الصحيح للصواريخ البالستية هي "البلاستيكية"، وامتد الأمر إلى الأذرع الإعلامية، فعادت وزادت في ذلك، بينما وزارتا الدفاع والخارجية خارج نطاق الخدمة!

وهو ما حدث في أزمة الأمطار، عندما غرقت منطقة "التجمع"، كما أنهار طريق "العين السخنة". فالذباب الإلكتروني بدأ دفاعه بأن بناء هذه المنطقة سابقة على وجود السيسي في الحكم، وتطور الموقف إلى التلفيق بتخليق صور وتزوير أخرى، للقول إنه سبق لباريس أن غرقت في مياه الأمطار، وظهر في الصورة الأولى برج إيفيل، بينما تحول المشهد إلى بحر من المياه، أما الصورة الثانية فكان مياها يخوض البشر فيها البشر، كما حدث في مصر!

وهو تلفيق رأينا مثله، عندما دخل "الذباب الإلكتروني" على مواقع بعينها لوضع وصف "البلاستيكية" ضمن أوصاف الصواريخ إياها، لتأكيد أن صاحبهم لم يخطئ، وهي أزمة سلطة فاشلة في كل شيء بما في ذلك التلفيق. ولأن القوم على دين ملوكهم، فقد أصابهم جانبا من الفشل، فما خبث لا يخرج إلا نكدا.

إذا تجاوزنا التلفيق، فلدي ثلاث ملاحظات على أول دفاع، الملاحظة الأولى وهي شكلية، أننا لم نعف الرئيس محمد مرسي من المسؤولية عندما وقع حادث قطار الصعيد، دون ذكر أن حالة القطارات والسكك الحديدية المزرية قديمة وسابقة على وجوده في السلطة، كما لم نعفه من المسؤولية عندما وقع حادث مقتل جنود رفح، مع أن هذا هو الاختصاص المباشر للجيش ولوزير الدفاع وللمخابرات الحربية!

أما الملاحظة الثانية، فتتمثل في أنه رغم أن الأمطار كشفت أن منطقة التجمع (حديثة البناء)، قد شاب الأمر فسادا كبيرا، فلم تجر إحالة من كانوا سببا فيه للتحقيق وللمحاكمة العاجلة، على النحو الذي جرى مع المستشار هشام جنينة الذي حوكم في بضع شهور، وربما في جلستين، وصدر الحكم سريعا بسجنه خمس سنوات. وهذا الصمت حيال ما جرى يدفعنا للبحث عن الجهات المتورطة وحرص أهل الحكم على حمايتها وعدم مساءلتها!

وترتبط الملاحظة الثانية بالثالثة ارتباطا وثيقا في الجانب الخاص بالمسؤولية المباشرة، فعدم تقديم الفاسدين عن "التجمع" يضع السيسي أمام المسؤولية المباشرة كفاعل أصلي، ثم إن الكارثة لم تقتصر فقط على هذه المنطقة، إنما امتدت إلى ما هو مسؤول عنه بشكل مباشر. فقد شاهدنا طريق القاهرة - العين السخنة، يواجه الأمطار بالانهيار والهبوط، مما دفع لإغلاقه على الجانبين، وعندما نعلم أن السيسي قد افتتح هذا الطريق وتفقده في يوم الجمعة الماضي، وقبل أربعة أيام من انهياره، فهنا نعلم أنه المسؤول وليس نظام مبارك!

لقد قال السيسي وهو يتفقد إنجازه العظيم أن سعادته بالغة بتطوير طريق "القاهرة - العين السخنة"، فهل كانت الأزمة في "بالغة" هذه؟! ولا شك أن هذا لا بد أن يدفع للتشكيك في مصداقية جولات "التفقد" هذه؛ لأنها لا تعني شيئا في الحقيقة، وقد تحولت إلى عمل استعراضي. وقد شاهدنا عبد الفتاح السيسي بالتيشيرت الأصفر، وهو يتحدث إلى الموطنين، وكانت سعادته "بالغة" فعلا دون أن يقول وقد بدت عضلاته مفتولة، على النحو الذي استعرضه في هذه الزيارة التفقدية!

لقد اختفت الدولة المصرية في ظروف غامضة، وتركت المواطنين يواجهون الأزمة بأنفسهم، وقد زحفت المياه إلى منازلهم، وتحولت السيارات في الشوارع إلى "مراكب صيد"، تعوم في النهر المتفجر، ومنهم من ظل عالقا لأكثر من سبع ساعات، للوصول إلى نقطة يقطعها في ربع ساعة، كانوا يشكون، ويصرخون، ولا وجود للسلطة ولو من باب إعلان الوجود الشكلي!

لم يكن هناك وجود للجيش الذي يظهر في الأزمات ليؤكد جدارته في الحكم، ربما لأن الأزمة أكبر من قدرته على التصرف، فجدارة الجيوش تتحقق بامتلاكها "كاسحات الألغام" وليس "كاسحات المياه". ثم إننا أمام أزمة حقيقية، فليس أزمة لبن الأطفال -مثلا- التي تم افتعالها ليتدخل الجيش في صورة "المنقذ" ويتولى هو مسؤولية الاستيراد والبيع! فالأزمة هنا أكبر من الاستغلال، ومن الاستعراض، ليتم الاستدعاء!

كما اختفت الحكومة، فلم تعقد ولو اجتماعا شكليا لبحث الأزمة، والوقوف على أسباب ما حدث، إلا بعد أن ألقت الحرب أوزارها، واكتفى السيسي ببوست على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، قال فيه إنه يتفهم المعاناة التي ألمت ببعض المصريين نتيجة النزول المفاجئ للأمطار، فهل كانت مفاجأة فعلا؟ وأين هيئة الأرصاد الجوية؟!

لم يشكل السيسي لجانا للوقوف على الأزمة وتداعياتها، ولكن وعد بأن هذا لن يحدث مرة أخرى، وهو الوعد نفسه الذي قطعه عقب أزمة الأمطار في محافظة الإسكندرية، وتم إلقاء التبعية على ما قالوا إنه تشكيل من جماعة الإخوان، أغلق البلاعات لتقع الكارثة!

وفي غياب الحكومة، شارك محافظ القاهرة في مداخلة تلفزيونية ليؤكد أن منطقة "التجمع" لا تتبع محافظته إداريا، فتبعيتها لوزارة الإسكان، واختفى وزير الإسكان المرشح لرئاسة الحكومة، وصرح المتحدث الإعلامي باسم وزارته بأن القدرة الاستيعابية للبلاعات أضعف من استيعاب هذه الكمية من الأمطار!

وهكذا، فالمحافظة القديمة ليست جاهزة لاستقبال الأمطار، فيتركها "المهدي المنتظر" ليقيم محافظة جديدة. لا نعرف إن كانت قد تلافت هذه الأخطاء أم لا؟ فمن بإمكانه أن يعرف في "دولة الرجل الواحد"، حيث لا صحافة ولا رقابة؟!

لقد اختفى البرلمان أيضا، فلم يعقد جلسة طارئة لمناقشة الكارثة، ولم يتقدم نائب (مجرد نائب) بسؤال (مجرد سؤال) حول المسؤول الحقيقي المتسبب في أزمة التجمع، والجهة المسؤولة عن طريق "العين السخنة"، الذي عصفت به الأمطار بعد أربعة أيام من تفقد عبد الفتاح السيسي له!

لقد قرأت في إحدى الصحف المصرية أن هذا الطريق هو أحد "إنجازات" هيئة المشروعات بالجيش، وأهمية توجيه السؤال أننا كنا سنقف على صحة هذا الكلام، الذي يبدو من الصمت أنه صحيح للأسف. ألم يأن بعد كل هذا أن يعود الجيش لثكناته؟ فالحكم له ناسه، ولا يجوز استدعاء العسكر للحياة المدنية ولو للبناء، مع انعدام الرقابة على إنشاءاته على مدنيتها، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ولو بمجرد طرح سؤال في البرلمان وليس استجوابا مثلا.

لم يغرق التجمع، وطريق السخنة، فالذي غرق هو الحاكم العسكري الفرد، ولهذا تحرك ذبابه الإلكتروني لإنقاذه، على قاعدة: الغريق يتعلق ولو في قشاية!

القشة لا تنقذ غريقا.