ملفات وتقارير

استقالات وتنقلات بالأحزاب المصرية.. السياسة حسب المزاج

يسعى حزب "مستقبل وطن" الذي يضم عددا كبيرا من قيادات سابقة بالجيش والشرطة لأن يكون صاحب الأغلبية البرلمانية

فيما يبدو أنه بداية الخطوات الجادة لإعادة رسم الحياة السياسية بمصر مع الولاية الثانية لرئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، شهدت الأحزاب المصرية حركة استقالات وتنقلات أثارت كثيرا من علامات الاستفهام، وكانت الحالة الأبرز في حزبي "الوفد" و"المصريين الأحرار"، حيث استقال رئيس حزب الوفد السابق السيد البدوي من الهيئة الاستشارية للحزب، كما استقال السكرتير العام المساعد للوفد حسام الخولي من الحزب وكل مناصبه، وانضمامه لحزب مستقبل وطن.

وهو ما تزامن مع قرار رئيس حزب "الوفد" الجديد، بهاء أبو شقة، تعيين المتحدث السابق للقوات المسلحة، العميد محمد سمير، مساعدا لرئيس الحزب بعد دقائق من توقيعه على استمارة الانضمام للوفد.

وفي حزب "المصريين الأحرار"، تقدم رئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، علاء عابد، باستقالته من الحزب الذي شغل فيه منصب رئيس هيئته البرلمانية، بالإضافة لأربعين نائبا آخرين من الحزب ذاته، أعلنوا انضمامهم أيضا لـ"مستقبل وطن".

يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه حزب "مستقبل وطن" أنه لن يقوم بالاندماج مع أي أحزاب أخرى، وأن أبوابه مفتوحة لأعضاء البرلمان المستقلين والحزبيين الراغبين للانضمام للحزب، وطبقا لتصريحات صحفية لمحمد الشاعر القيادي بمستقبل وطن، فإن الحزب يسعي لأن يكون صاحب الأغلبية البرلمانية، وأن يتجاوز عدد نوابه ثلثي البرلمان.

"الشاعر" أكد أيضا أن امتلاك حزبه لأغلبية الثلثين سوف تمكنه من تعديل قانون مجلس النواب، وتخطي عقبة المادة السادسة منه والخاصة بإسقاط عضوية النائب إذا غيّر من انتمائه الحزبي الذي انتخب على أساسه أو أصبح مستقلا، أو صار المستقل حزبيا، على أن تسقط عنه العضوية بقرار من مجلس النواب بأغلبية ثلثي أعضائه.

في إطار متصل، أعلن رئيس حزب "المحافظين"، أكمل قرطام، عن قرب تشكيل تحالف انتخابي، قد يصل لمرحلة الدمج مع حزب الوفد لخوض انتخابات المحليات القادمة، كما بدأت أحزاب التجمع والعربي الناصري والجبهة الديمقراطية تشكيل تحالف حزبي لمواجهة التكتلات الحزبية الأخرى.


من جانبه، أكد الباحث المتخصص في التنظيمات السياسية والحزبية، أسامة أمجد، لـ"عربي21"، أن الأيام القادمة ربما تشهد الإعلان عن تقليص الأحزاب السياسية إلي حزبين أو ثلاثة على الأكثر، وأن هذا التوجه ليس اختياريا للأحزاب، وإنما سيكون إجبارا، لتنفيذ رغبة النظام الحاكم بخلق حياة حزبية لا تكرر فضيحة الانتخابات الرئاسية الماضية.

ويضيف أمجد أن "التصورات المطروحة تتبدل كل يوم، إلا أن الواضح من حركة التنقلات التي حدثت خلال الأيام الماضية لقيادات حزبية، أنها تشير إلى أن حزب مستقبل وطن سوف يكون رأس الحربة في الحياة الحزبية التي يتم تخليقها، وبالتالي لن يكون هناك دمج لعدة أحزاب تحت عباءة حزب جديد، كما كان يتم ترديده في السابق".

ويؤكد الباحث السياسي أن حزب "مستقبل وطن" يضم عددا كبيرا من القيادات الشعبية للحزب الوطني المنحل، وقيادات سابقة في الجيش والشرطة، وهو ما يريده نظام السيسي الذي يسعي للاعتماد على مستقبل وطن في الانتخابات المحلية المقبلة، وكذلك انتخابات البرلمان إذا ما تم تغيير الدستور، لمواجهة أي تيارات تحمل شعبية أو بقايا شعبية مثل الإخوان المسلمين أو التيارات اليسارية التي تنشط في المحليات والعمال.

ويضيف الباحث في علم الاجتماع السياسي، سيف المرصفاوي، لـ"عربي21"، أن "نظام السيسي يقوم على فلسفة السيطرة والتحكم، مع ترك مساحات هامشية، ليس من أجل الديكور السياسي، وإنما من أجل إيجاد هامش حركة يستطيع التحرك فيها، وما يحدث في الحياة الحزبية الحالية يؤكد ذلك".

ويؤكد المرصفاوي أن الجهات التي ترسم شكل الحياة السياسية الجديدة تريد خلق كيان سياسي واحد يحمل بين طياته المؤيد والمعارض، ليكون بمثابة الوعاء الكبير لداعمي السيسي، ويقوم بدور الظهير السياسي للنظام الحاكم في ظل الانتقادات الخارجية لقيام القوات المسلحة بهذا الدور.

ويشير الباحث في علم الاجتماع السياسي إلى أن "مشكلة هذا التخطيط أنه يقوم على العشوائية وليس على الأسس العلمية في التخطيط للحياة السياسية السليمة، وبالتالي فالنظام ينظر للأحزاب باعتبارها رهن الإشارة للتخديم عليه، وأنهم طوع بنانه في أي تشكيل سياسي يريده، ولعل هذا يفسر الاستقالات المتواصلة لعدد من القيادات البارزة بحزبي "المصريين الأحرار" و"الوفد" وانضمامهم لـ"مستقبل وطن".

ويستبعد المرصفاوي "أن يكون الأمر مجرد اندماج، لرغبة النظام في إيجاد كتلة سياسية يتحرك بها في مختلف الأحداث، ولذلك فالوضع أقرب لفكرة وجود كيانين لا يقومان على التوجهات الإيديولوجية، وإنما على الولاء السياسي"، مؤكدا أن الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، سواء المؤيدة مثل "النور"، أو المخالفة كـ"مصر القوية"، و"الوسط"، و"البناء والتنمية"، سوف تكون الأكثر تضررا في حالة إنشاء كيانين أو ثلاثة تضم الأحزاب القائمة؛ لأن هذه التكتلات غالبا لن تقبل بوجود الأحزاب الإسلامية ضمن كيانها السياسي، وربما يكون أحد أهداف هذه التكتلات هو استبعاد هذه الأحزاب من الحياة السياسية في طورها الجديد".