قضايا وآراء

القرآن والجمال

1300x600

يأتي شهر رمضان الكريم ليجدد علاقة الإنسان المسلم بالقرآن الكريم، ومن الموضوعات المهمة التي تناولها القرآن الكريم وجهلها كثير من المسلمين للأسف، علاقة المسلم بالجمال، وموقف القرآن من الجمال، وذلك لأن هناك معاني – للأسف – شوهها أهل الباطل والفساد، فأصبحت موضع شبهة ونفور من العامة، لارتباطها في أذهانهم بصور مشوهة، من هذه المعاني: الجمال، والحب، والفن، والذوق. وواجب الداعية المسلم والعالم المسلم أن يرد هذه المعاني لأصولها الصحيحة الجميلة التي تناولها الإسلام في كتابه الخالد؛ القرآن الكريم تناولا صحيحا، لا أن نسلم لأهل الفساد بما أفسدوا به أذواق الناس في مجالات الحياة الحيوية والمهمة.

 

إن القرآن الكريم في كل عباراته هو لوحة فنية جميلة تعبر عن جمال هذا الدين العظيم، وكل قارئ للقرآن الكريم يشعر بعظمة وجمال هذا الكتاب، وقد تناول القرآن الجمال في عدة آيات، وعدة مواضع، فالإنسان السوي بطبيعته يحب الجمال، ويميل إليه، والقرآن ليس ضد الجمال، فالله سبحانه جميل يحب الجمال، كما أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.


وقد خلق الله تعالى الكون -بكل ما فيه- لوحة فنية جميلة تدل على عظمة الخالق، وعلى جمال خلقه، يقول تعالى: (الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور) الملك: 3. فخلق الله السماوات بكل ما فيها والأراضين، لا تجد فيها عيبا، ولا تجد فيها إلا الجمال، وخلق الإنسان كذلك وجمله: (يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك) الانفطار: 6-8.


حتى حديث القرآن عن الحيوان، وجواز انتفاع الإنسان به، لم يخل خلق الله من الجمال مع المنفعة، قال تعالى: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون. ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) النحل: 6،5. فهذه الأنعام والحيوانات أجاز الله الانتفاع بلحومها، وسخرها لخدمة الإنسان، وهذا جانب المنفعة فيها، من أكل لحومها، واستخدام جلودها وأشعارها للدفء، ولا يكتفي القرآن بالحديث عن الجانب المادي في الانتفاع بالحيوان، بل يشير إلى جانب مهم آخر، وهو الجانب المعنوي، بأهمية جمال الحيوان: (ولكم فيها جمال)، وقال: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون) النحل: 8.


ولا يقف حديث القرآن عن الجمال عند الاستمتاع المادي بالكون وما فيه، بل يجعل القرآن الجمال منهجا للحياة عند المسلم، فكل تعبده، وخلقه، يصطبغ بالجمال ويتلون به، ليكون الجمال عنوانا لسلوك المسلم بوجه عام، فهو مطالب بأن يستعين على متاعب الحياة مشاقها بالصبر، وقد سمى الله صبر المسلم بالصبر الجميل، يقول تعالى على لسان نبي الله يعقوب، عند ابتلائه بفقد ابنه، (فصبر جميل) يوسف: 83،18. وقد قالها نبي الله يعقوب مرتين، مرة عند فقد ابنه الأول يوسف، ومرة أخرى عند فقد ابنه الآخر، دلالة على أن المسلم لا يتخلى عن الجمال خلقا وسلوكا في أشد المواقف حدة وظلما عليه.


والإنسان عند مشاحنات خصومه وخلافه معهم، يدعوه القرآن الكريم للعفو والصفح، فيقول: (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) النور: 22، وهذا الصفح عنوانه عند المسلم الجمال، يقول تعالى: (فاصفح الصفح الجميل) الحجر: 85. وحتى حين يستبد بالإنسان المسلم الغضب، ويحق له أن يهجر أحدا، فهجره ليس هجر فجر ولا عدوان، بل هو هجر لا يتخلى عن الجمال، يقول تعالى: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا) المزمل: 10. فحديث القرآن عن الجمال حديث طويل ممتع، يبين بجلاء أن الجمال صفة وخلق لا يفارق المسلم الذي يفهم دينه فهما صحيحا، ولو تتبعنا نصوص القرآن في حديثه عن الجمال لاستغرقنا مقالات طوال فيه، ولكن تكفي الإشارة لذلك في شهر القرآن، ونشير إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم للجمال في مقال قادم إن شاء الله.

Essamt74@hotmail.com