كتاب عربي 21

ملاحظات أولية على الحراك الأردني

1300x600

يشهد الأردن منذ أيام احتجاجات واسعة على خلفية مشروع قانون الضريبة الذي قدمته الحكومة إلى مجلس النواب، ورفضته النقابات المهنية وقطاع عريض من مؤسسات المجتمع المدني والنواب والأحزاب السياسية. وعلى الرغم من أن بداية الاحتجاج كانت بإضراب عام دعا له مجلس النقباء الأربعاء الماضي، إلا أن الاحتجاج بدأ يتسع ليشمل اعتصامات ليلية في معظم مدن ومحافظات المملكة، وفي العاصمة في محيط مقر الحكومة المعروف بـ"الدوار الرابع"، كما اتسعت مطالبه ليشمل إقالة الحكومة وسحب قانون الضريبة، وفي بعض الأحيان تشكيل "حكومة وطنية" وحل مجلس النواب وغيرها من المطالب السياسية.
ومع استمرار الحراك، والتسريبات عن نية الملك إقالة رئيس الحكومة، يمكن تسجيل الملاحظات الأولية التالية:

-بدأ الحراك بداية منضبطة بقيادة معروفة هي "مجلس النقباء"، ولكنه تحول ليصبح ظاهرة شعبية دون قيادة، ودون مطالب محددة، مما يجعل سقف المطالب "هلاميا" متحركا، وهو ما يتطلب قرارات سريعة من الدولة تتجاوز سقف قانون الضريبة، وكلما كان تحرك الدولة أسرع كان ضبط الإيقاع أسرع وممكنا، أما في حال تأخر القرارات فإن الكرة يمكن أن تتدحرج بسبب غياب قيادة وعنوان للحراك.

-استطاعت قيادة النقابات المهنية أن تطلق صافرة البدء للحراك، وأن تحدد مطالبه الأولية، لكن من الواضح الآن أن الشارع تجاوزها وتجاوز الأحزاب الغائبة أيضا، وقد كان هذا واضحا في "تخبط" مجلس النقباء حول إقرار شكل التحرك المزمع يوم الأربعاء القادم، قبل أن يقرر المجلس المضي بإضراب عام وليس مجرد اعتصام عند مجمع النقابات.

-لا شك بأن الأردن يدفع ضريبة تغير موقعه الاستراتيجي في المنطقة، ونشوء تحالف أمريكي-سعودي-إماراتي أدى إلى تراجع هذا الموقع، وتناقص المعونات الخليجية بسبب هذا التراجع، إضافة لرفض الأردن لما يشاع عن "صفقة" أمريكية تتعلق بالقضية الفلسطينية. فقد بات الأردن في وضع لا يحسد عليه، فلا هو يستطيع أن يكون جزءا من هذه الصفقة لأسباب داخلية واستراتيجية كون أي صفقة من هذا النوع ستكون على حساب الأردن، ولا هو يستطيع الاستمرار بالاقتصاد "شبه الريعي" الذي كان يعتمد على المعونات الخارجية.

-تكمن الأزمة الحقيقية في قانون الضريبة الذي جاء ضمن رزمة إجراءات تتوافق مع توصيات صندوق النقد الدولي، بأن يغير من طبيعة الاقتصاد "شبه الريعي" ليحوله إلى اقتصاد قائم على الضرائب. هذا التغيير لا ينجح عادة إلا بتغيير سياسي يوازيه ويحول طبيعة التعاقد بين الدولة والمواطنين، بمعنى أن المواطن الذي يمول الخزينة بالضرائب سيطلب مشاركة في الحكم تتوافق مع تمويل الخزينة، وهذا يعني تغييرا جذريا مثل التحول إلى حكومات برلمانية بصلاحيات محددة، تشبه نموذج المغرب على سبيل المثال بعد الحراك الذي شهده في 2011، وأدى إلى تغييرات دستورية شاملة. مثل هذا التغيير إن يحصل، سيطمئن الشعب أن الأموال تصرف بشفافية ووفق نظام مالي واضح يشارك ممثلو الشعب بسنه وبالرقابة عليه، وبتعزيز حكم القانون أيضا.

-تميز الحراك حتى الآن بالسلمية وبغياب القمع الأمني، وهذا يعود أساسا إلى طبيعة الأنظمة الملكية في الشرق الأوسط، حيث يكون الملك عادة "فوق التناقضات"، وحيث تقوم الشرعية على علاقة لا تشبه تلك الموجودة عادة بين الحكومات الجمهورية والشعوب. إن استمرار هذا الوضع هو بالتأكيد لصالح الحراك ولصالح الدولة معا، لأنه يثبت بهذه الصيغة من الشرعية.

-يمكن القول إن هذا الحراك، بغض النظر عن محركاته وأسبابه الداخلية والخارجية، هو أحد أهم حالات الاحتجاج في تاريخ الأردن الحديث، لأنه حراك يتجاوز الهويات المناطقية، والهويات الفرعية بكل أنواعها، ولأنه بشكل ما حراك قائم على أسس طبقية، بين الطبقة الوسطى والفقيرة من جهة، وشبكة المصالح الأقلية المستفيدة من الاقتصاد والسلطة، ولهذا فقد رفع شعار "إحنا ولاد الحراثين" في كثير من أماكن الاحتجاج ما يؤكد هذا الأساس الطبقي للحراك.

 

- أسقط الحراك أي نظرة سلبية مصطنعة عن الشعب الأردني، وأسقط المزاعم "السطحية" عن عدم أمكانية تحرك هذا الشعب للمطالبة في حقوقه لأسباب تتعلق بالتشكيلة الديمغرافية، أو بإسقاطات تاريخية، وأكد أن أن هناك هوية جامعة لكافة الأردنيين، يجري تأكيدها واكتشافها في الشارع.

-يشكل الحراك موجة جديدة من الانتفاضات الشعبية في المنطقة العربية، وهو ما يؤكد أن الصراع في المنطقة لم يحسم بعد، وأن الانتصارات الموضعية والكثيرة التي حققتها الثورة المضادة للثورات الشعبية ليست نهاية المطاف، وأن النموذج الأردني قد يصبح ملهما للمنطقة، تماما كما كانت الثورة التونسية ملهمة للموجة الأولى من الثورات.

ويبقى القول إن أهم ما يمكن أن ينهي الاحتجاج بطريقة تصب في صالح الأردن، هو الاعتماد على الداخل في الحل، وتجاوز المطالب الأولية للحراك، وتقدم الدولة بقرارات أسرع وأعلى من مطالب الاحتجاج.