قضايا وآراء

هزائم المعارضة.. هل تعيد سوريا لقبضة الأسد ثانية؟!

1300x600

سلسلة من الهزائم منيت بها المعارضة السورية مؤخرا أوقعت معظم مناطق سوريا تحت حكم بشار الأسد، ليس بقوة هذا الرعديد، ولكن بقوة الدب الروسي الذي اتبع في الشام نفس سياسته التي اتبعها في الشيشان وهي سياسة الأرض المحروقة.

بدأت المصيبة في حلب وريفها، والتي كانت المعقل الرئيسي والأهم للمعارضة. ولا شك أن الهزيمة في الشمال كان لها أثرا كبيرا في تدهور معنويات الثوار في غوطة دمشق التي سلمهوها لروسيا؛ بعد حصار طويل ومشدد أحدث ما يشبه المجاعة هناك. والآن تكررت المصيبة في درعا وريفها، وذلك بعد أن تم رفع المنطقة من قائمة مناطق خفض التصعيد في سوريا، باتفاق أمريكي روسي، لإرضاء إسرائيل وتأكيد تفوقها في المنطقة وحمايتها أمنيا.

ويأتي التخلي الأمريكي عن دعم ثوار المنطقة مقابل تنازل قدمته روسيا بمنع أي وجود لإيران وحزب الله على بعد أكثر من 50 كيلومترا من الجولان.

وبقي الوجود الوحيد للفصائل في إدلب، حيث لجأ إليه ثوار حلب وريف دمشق ودرعا، وسيكون على روسيا ونظام الأسد وحلفائه الإيرانيين وحزب الله تنظيف هذا الجيب من فلول المعارضة التي لم يكن لديها رؤية مشتركة، وباتت مختلفة ومتخالفة متقاتلة، الأمر الذي يشير إلى أن المواجهة تتجه نحو استكمال سيطرة النظام وحلفائه على كامل سوريا، بما يجعل أي حل سياسي قادم في مصلحة نظام الأسد الطائفي.

 

يأتي التخلي الأمريكي عن دعم ثوار المنطقة مقابل تنازل قدمته روسيا بمنع أي وجود لإيران وحزب الله على بعد أكثر من 50 كيلومترا من الجولان


خلافات وضعف برنامج

وبهذا الشكل لم يبق للمعارضة سوى التمثيل السياسي الذي لا يستند إلى قوة متينة ولا حليف حقيقي. ويعود هذا بالأساس إلى الخلافات التي فتكت بالمعارضة وجعلتها مليشيات مفتتة، وبعضها متقاتل مع بعضها، ومجموعات أخرى لم يكن لها همّ سوى قتال داعش والنصرة إرضاء لداعميها الأمريكيين والخليجيين.

وللأسف الشديد، لم نعد نرى مقاومة حقيقية، ولكن مليشيات تدعمها دول، وأصبحت سوريا مرتعا لصراعات المحاور والدول، ولم تعد ساحة للصراع بين الشعب المظلوم وبين النظام الظالم والطائفي الحاقد.
لم نعد نرى مقاومة حقيقية، ولكن مليشيات تدعمها دول، وأصبحت سوريا مرتعا لصراعات المحاور والدول، ولم تعد ساحة للصراع بين الشعب المظلوم وبين النظام الظالم والطائفي


فشلت المعارضة في تشكيل جسم سياسي موحد يتفق على الأهداف والموجهات وتصنيف الأعداء والخصوم، ووضع خطة موحدة للمواجهة مع النظام ومحاولة عزله سياسيا وعسكريا. وترافق ذلك مع منع الدول الداعمة تزويدها بالسلاح الثقيل؛ نظرا لميولها الإسلامية، ومخافة أن يتسرب هذا السلاح لتنظيمات قد توجهه ضد إسرائيل انطلاقا من سوريا.

إسرائيل حاضرة بقوة

وفي المقابل، تمكنت إيران وحلفائها من تحقيق انتصارات جزئية؛ أدت لمنع السقوط المدوي للنظام بعد سيطرة المعارضة على معظم أجزاء سوريا، وهنا تدخلت روسيا تحت سمع ونظر الولايات المتحدة؛ التي اعتبرت أن دعم المعارضة ذات الميول الإسلامية لا يصب في مصلحتها، ورأت في التدخل الروسي المكثف فرصة للقضاء على داعش، بعد أن فشلت بوجودها الضعيف في البلد وعجز التنظيمات المدعومة منها عن إنهاء هذا التنظيم الذي استهلك طاقات العالم ودول عربية في القضاء عليه؛ دون جدوى.

تمكنت روسيا من إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة؛ يعزز مكانتها الدولية في مواجهة الغرب الذي يحاصرها، واستطاعت عقد تحالفات مصالح مع كل من تركيا وإيران، ولكنها جعلت حماية أمن إسرائيل في مقدمة أولوياتها


وبرضى من أمريكا تارة وبعجز منها تارة أخرى، تمكنت روسيا من إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة؛ يعزز مكانتها الدولية في مواجهة الغرب الذي يحاصرها، واستطاعت عقد تحالفات مصالح مع كل من تركيا وإيران، ولكنها جعلت حماية أمن إسرائيل في مقدمة أولوياتها، حيث يرى بوتين شخصيا أن هذه العلاقة تحقق له مدخلا لتحسين العلاقة مع الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترمب المتصهين.


الحل السياسي ينتقص من طموح السوريين

وتؤسس هزيمة المعارضة لحل سياسي قادم يرتكز على الإدارة الفيدرالية وتفتيت سوريا لمناطق نفوذ سنية وعلوية وكردية؛ تتحد شكليا في ظل نظام رئاسي تعددي، وتقاسم أدوار الحكم بين أبناء الطوائف، والقبول ببقاء النظام العلوي، مع محاولة إنهاء وجود المليشيات الشيعية المسلحة والوجود الإيراني؛ الذي لا يزال يرى في وجوده تعزيزا لمشروعه التوسعي في المنطقة، وساحة أخرى لمنافسة الدور الإسرائيلي في العالم، دون الصدام معه.

 

تؤسس هزيمة المعارضة لحل سياسي قادم يرتكز على الإدارة الفيدرالية وتفتيت سوريا لمناطق نفوذ سنية وعلوية وكردية؛ تتحد شكليا في ظل نظام رئاسي تعددي، وتقاسم أدوار الحكم بين أبناء الطوائف، والقبول ببقاء النظام العلوي


هذا هو المصير المظلم الذي ينتظر سوريا كساحة أصبحت مركزا للصراعات الدولية والإقليمية، بعد أن تم إنهاء الثورة الشعبية النقية التي قامت عام 2011 لنيل الحرية؛ عبر عسكرة الثورة على أيدي التنظيمات المسلحة التي اتجهت للخارج لدعمها وتسليحها، لينتهي بها الحال مطية للقوى الإقليمية والدولية.

ومع ذلك، فليس هناك من مخرج للسوريين من الوضع الحالي إلا بالتكاتف والتجمع والكفاح لنيل حرياتهم التي قدّموا من أجلها مئات آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين.