قضايا وآراء

صفقة القرن!

1300x600
لا يوجد شخص وطني أو تجمع وطني لا يسعى أو يتمنى أن ينقذ بلاده من خطر يحيط بها، وقد تتعدد طرق الإنقاذ وفقا لرؤية كل فرد أو مجموعة، ويعتمد ذلك على قراءة الواقع السياسي والاجتماعي المحيط بالوطن.

ولو حاولنا تطبيق ذلك على الوضع الراهن في مصر، لوجدنا أن تدهور الأوضاع في مصر وصل إلى درجة من التدهور لم ترها مصر عبر تاريخها. فالتدهور الاقتصادي الذي صاحبه انخفاض كبير في معدل الإنتاج وزيادة الاعتماد على القروض وتبديد الثروات، بالإضافة للإنفاق ببذخ على التسليح، مما أدى إلى ارتفاع جنوني في كافة أسعار السلع والخدمات.. كل ذلك نجح في الإطاحة بما تبقى من الطبقة المتوسطة التي بدأت مراحل تأكلها الأولى خلال ما عرف بالانفتاح الاقتصادي في السبعينيات من القرن الماضي.

وقد واكب ذلك التدهور الاقتصادي انقسام مجتمعي مدبر، والذي نتج عن حملات إعلامية منظمة تهدف لتحقيق شعار جورج بوش الشهير: "من لم يكن معنا فهو ضدنا".

وغير خفي على الجميع أن ذلك كله من صنع جهات محلية وإقليمية ودولية اجتمعت أهدافها الدنيئة من الربح السريع واكتساب مصالح خاصة وتمرير سياسات، وكل ذلك رغم الرفض القطعي من الشعوب، فالربح لا عائد منه على المجتمع والمصالح المتحققة هي مصالح لأفراد وليست للأوطان، كما أن السياسات المطلوب تمريرها هي مصالح تتضارب ومصلحة الوطن.

وفي ذات الوقت، يقوم البعض من المغرضين بإعادة صياغة تاريخنا بما يضفي علينا الإحساس بالفشل، ويصيبنا باليأس والتخبط. وما أكثر الأدلة على ذلك، بدءا من اعتماد الروايات الصهيونية كمصدر موثوق به تارة وبترويجها تحت مسميات أخرى تارة أخرى. وقد لا يغيب عنا أن الدور المرسوم للمخابرات العربية منذ كامب ديفيد هو إيصالها لمرحلة العمالة المباشرة، مما يدعم تمرير السياسات المشار إليها. وقد تحقق جزء أساسي من ذلك بتولي الثالوث (ابن زايد وابن سلمان والسيسي) مقاليد الأمور.. تحققت هذه المرحلة بهم، ولكنها لم تبدأ بهم.

إن ما نتحدث عنه هنا هو ما عرف باسم "صفقة القرن"، والتي يصورها البعض على أنها صفقة تصفية القضية الفلسطينية، إلا أنها في الحقيقة خطة شاملة للقضاء على كل ما يحمله التاريخ العربي الحديث وسحق الإرادة وتحطيم المعنويات وتشويه التاريخ بحجة إعادة كتابته، وإعادة ترسيم الحدود وقولبة الشعوب وتعميق الكراهية والثأر؛ حتى لا تعود الألفة لمئات السنين.

إن انتقالنا من الحديث عن مصر إلى الحديث عن الأمة العربية ككل؛ ليس إلا دليلا على ترابط الهجمة التي، وإن لم تكن بدأت بكامب دايفيد، فإن حسنة كامب ديفيد الوحيدة أنها أظهرت المؤامرة على السطح وسمحت لمن يملك الإرادة بمواجهتها.

إن مواجهة تلك الخطة لا بد أن تمر عبر مواجهة أدواتها، مواجهة لن تنجح إلا بتظافر جهود كل العرب المؤمنين بوطنهم وتاريخهم والمتطلعين لمستقبل أبنائهم، وأن تبدأ خطواتهم بلفظ كل من يعرض مبادرات تصالح مع تلك الأنظمة، وكل من يستخدم من الماضي طريق لتسوية ملفات شخصية، وكل من يتمسك بالدفاع عن أيدولوجيات قبل الدفاع عن الوطن، وكل من يلفظ فصيل لأنه لا يستهويه مقاله، وكل من يخون بلا دليل، وكل من لا يرى أن ما تقوم به هذه المنظومة هو الخيانة.

المعادلة صعبة، ولكنها ليست مستحيلة ونجاح الخطوات القادمة يتوقف على إدراكها وحسن التعامل معها.