صحافة إسرائيلية

عمليات القنص بغزة تؤرق الاحتلال وتنال من كبريائه (تحليل)

الاحتلال أصدر تعليمات لجنوده بالتزام الدبابات خشية تعرضهم للقنص- جيتي

سلطت عمليات القنص التي نفذتها المقاومة الفلسطينية على حدود غزة في الأيام الأخيرة ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي الضوء على هذا الأسلوب من الهجمات المسلحة.


وأخذت المقاومة خلال السنوات الماضية أبعادا متقدمة في استخدام أساليب جديدة ومتطورة في استهداف جنود الاحتلال والمستوطنين، وساعد في حدوثها امتلاك قوى المقاومة للمزيد من العتاد والتسليح، ومن أبرز أشكال هذا التطور إطلاق النار على الدوريات العسكرية وقوافل المستوطنين، واقتحام المواقع العسكرية والمستوطنات المنتشرة على حدود وقطاع غزة.


وتنوعت هذه العمليات، لتأخذ شكل إطلاق النار على مستوطنة حينا، وعلى موقع أو برج عسكري حينا آخر، وعلى سيارة عسكرية أو قافلة استيطانية حينا ثالثا، أو أي هدف إسرائيلي يتاح لفصائل المقاومة، وقياسا لمستوى هذه العمليات وتخطيطها وطبيعة الهدف الخاص بها تكون نتائجها، فالتخطيط الجيد يقود إلى تنفيذ جيد، وبالتالي إلى نتائج جيدة في معظم الأحيان.


والتقدير الذي لقي قبول الجميع أن هذا اللون من العمل العسكري المقاوم لا غنى عنه للمقاومة رغم بساطته، وقلة التعقيدات الكامنة فيه، لأنه كرس شكلا أساسيا من أشكال العمل المقاوم التقليدية، في الوقت ذاته الذي يحقق فيه مستوى واسعا من الانفتاح الشعبي على الانخراط في المقاومة، عبر تبني هذا الأسلوب الذي يقترب من إمكانات وقدرات الجماهير.


وبدأ المقاومون تحولا في أساليبهم؛ تمثل في تكتيك جديد يقوم على اعتبار البندقية أفضل من القنبلة، وهو ما رآه الخبراء الإسرائيليون خطوة قد تؤدي لتسهيل العمليات ضد قوات الاحتلال، والحصول على قدر أكبر من التبرير السياسي.


ولعل ما أقلق الجيش الإسرائيلي من هذه الخلايا المتخصصة بالكمائن والقنص نوعية الأهداف التي اختارتها، فخبرتها وقدرتها أشارت لقدرة عسكرية تستحق الثناء، وكل العمليات كانت بحاجة لرصد، إعداد، ومنطقة داعمة تمكن السمك من الغوص في مياهه، وهكذا تفعل حركة حماس الآن، مما منحها الاحترام والتقدير في الشارع الفلسطيني.


هذا النوع من عمليات إطلاق النار واستهداف الجنود والمستوطنين، نجح باستنزاف الآلة الحربية الإسرائيلية، والهجوم على ما يعرف بـ"كبرياء" الجيش، وعلى مستوى الصراع الإعلامي الدولي.
على صعيد آخر، تحولت حياة الجنود الإسرائيليين في الدبابات على حدود غزة إلى جحيم لا يطاق، فالأوامر الصادرة لهم تضمنت البقاء داخل الدبابة طوال الفترة المحددة لهم دون الخروج منها، مما جعلهم يعيشون حياة ملؤها الملل والضجر، حتى إن علاقة الجنود داخل الدبابة امتازت بالمشاحنات والمشاجرات.


وخلال فترة المناوبة لمجموعة الجنود البالغ عددهم 5 داخل الدبابة، لا يستطيعون الخروج من الدبابة لقضاء حاجتهم، خوفا من تعرضهم لقناص ينتظر خروجهم من الدبابة، لاسيما أن وجودهم داخل الدبابة، واحتكاكهم طوال الوقت مع بعضهم البعض تسبب بمضايقات لهم، حتى إن نفسياتهم أصبحت منهارة، والرائحة الكريهة تنبعث منهم بسبب حالة الطوارئ في صفوف الجيش.


وأشار الجنود أن جلوسهم لفترة طويلة داخل دبابة على حدود غزة مع الشعور بالخوف من المحيط الموجود فيه، جعلهم في قلق دائم، بحيث ينتظر الواحد منهم بفارغ الصبر انتهاء ورديته للخلاص من هذا الجحيم الذي لا يطاق، لأن الأوامر الصادرة للجنود تحظر عليهم حتى النظر من فوهات الدبابة، خوفا من تعرضهم لرصاصات تأتيهم من المناطق المحاصرة.


ولم يسلم أي من المواقع العسكرية الإسرائيلية على حدود غزة من هجمات المقاومة التي تنوعت وسائلها، فمن اقتحام المواقع العسكرية وإطلاق قذائف الهاون والصواريخ، إلى استخدام العبوات الموجهة وتفجير الآليات العسكرية، إلى حفر الأنفاق وتفجير عبوات ناسفة كبيرة تحت مواقع جيش الاحتلال.


وشكلت المواقع العسكرية أهدافا مفضلة لمقاومي غزة رغم تحصينها، وهذا الشكل من أشكال المقاومة مثل قمة المواجهة مع الاحتلال، وذروة التحدي لأسطورته الأمنية والعسكرية التي روجها خلال العقود الماضية.


فاقتحام وتدمير المواقع العسكرية، حتى في مرحلة ما قبل الانسحاب الإسرائيلي من غزة، واختراق أنظمتها الأمنية ذات الحصانة العالية، والتمكن من الوصول إلى عمقها، وإعمال القتل والتجريح في أفرادها، شكل أعلى درجات الإهانة لجيش الاحتلال، الذي كثيرا ما تباهى بحرفيته العالية ومهنيته الرفيعة وقدراته الكبيرة، كونها تتفوق على مجموع الجيوش العربية، ودلل على مستوى الارتقاء النوعي الذي بلغته المقاومة، وتقدمها المطرد في مضمار المواجهة مع الاحتلال.


ولا شك أن هذا الأسلوب القوي والمتميز الذي اتسمت به هذه العمليات، استلزم إعدادا جيدا وتخطيطا دقيقا فاق الإعداد والتخطيط لأشكال المقاومة الأخرى، على النحو التالي:


أ‌- تحديد الهدف المفترض اقتحامه واستهدافه.


ب‌- جمع كامل المعلومات والمعطيات الخاصة بالهدف، ودراسة إمكانيات وفرص اقتحامه والثغرات الموجودة فيه، ورسم خطة عملية استنادا لمعطيات الواقع الميداني، تراعي المفاجآت ودواعي الفشل، وتضع البدائل للاحتمالات المختلفة.


ج- تنفيذ سليم وتطبيق دقيق، قد يتكلل بالنجاح، وقد يمنى بالفشل والإخفاق لاعتبارات مختلفة.


وتكررت أحاديث الضباط عن ضراوة الاشتباكات على مشارف غزة خلال حربها الأخيرة، لأنها أوقعت خسائر فادحة في صفوف الجيش، واصفين ما حدث في غزة بأنه "كارثة غولاني"، التي غيّرت المشهد الميداني للعملية العسكرية، وبدلا من أن يؤمن العسكر رافعة ميدانية تمكن القيادة السياسية الإسرائيلية من فرض إملاءاتها وشروطها، بدت الأخيرة في موقف الدفاع عن قرار التوغل وتبرير الخسائر.


كما أن توغل الجيش داخل التشكيل الدفاعي لحماس في الشجاعية، أصلب نقاط قوتها في غزة، لم

ينجح بمباغتتها، لأن خطواته العسكرية متوقعة لديها، وبدا أنها استعدت لأبعد حد في هذه المنطقة، ولم تكتف بالعمليات، وجبي الثمن من الجيش.


ورغم ما بدا من شدة مناورة وحركة للقوات الإسرائيلية على مشارف غزة، فإنها حصرت في شريط ضيق يتراوح عرضه بين عشرات الأمتار إلى كيلومتر ونصف في أشد مناطق القطاع خلاء في الجنوب، ورغم القوة المدرعة الهائلة التي حشدت على طول حدود القطاع، وضمت مئات من أحدث الدبابات، إلا أن أداء المقاومة جعلها تتحرك بأقل من سرعة السلحفاة، ومرارا كانت المدرعات توابيت متحركة لجنود العدو رغم شدة تدريعها.