قضايا وآراء

حتى لا تنتهي الثورة

1300x600

لا تنتهي الثورات إلا إذا قرّر أهلها أنها أنجزت مهمتها أو أن التطورات الحاصلة، لمصلحتهم، قد تجاوزتها، لذلك عاشت الثورة الفرنسية قرنا كاملا رغم كل ما قاسته من غدر وويلات، كما أن الثورة الفلسطينية التي بدأت عام 1920 بـ" ثورة القدس" تمدّدت على مساحة قرن كامل، رغم مسارها الشاق والمكلف،  ويشهد العالم اليوم أحدث نسخها في غزة وطائراتها الورقية.


والثورة السورية، مثلها مثل سابقاتها، قامت على إرادة الشعب في التحرّر من الاستبداد والتهميش والقهر، وتكاد تكون هذه الأقانيم عناصر الثورات الأساسية، ربما لأن البشر يبحثون، على الدوام، عن التوازن في العلاقات داخل مجتمعاتهم، ويسعون لتحقيق العدالة، إن كان على مستوى توزيع الثروات أو الحصول على فرص متساوية في الحياة.


ثمّة من يسعى للترويج أن الثورة السورية وصلت إلى خاتمتها، ويعتبر أن المؤشر والدليل على هذا الزعم سيطرة الطرف المعادي للثورة، روسيا وإيران ونظام الأسد، على أكثر من نصف مساحة سوريا، كما أن من المحتمل مضاعفة مساحات سيطرته إذا توافقت روسيا مع أمريكا وتركيا على الانسحاب من مناطق شرق وشمال البلاد لصالح التحالف الذي تقوده روسيا.


بيد أن ذلك ليس مؤشرا كافيا على الزعم بنهاية الثورة، وليس مقياسا صحيحا يمكن الركون إليه في تقدير مسارات الحدث السوري ومألاته، بل يمكن القول بثقة إنه مؤشر مضلل لارتكازه على حالة ظرفية، السيطرة على الأرض، وتغييبه لعامل أهم، إرادة الثورة، وعدم احتسابها في تقدير استمرار الثورة وبقائها، ذلك أن الثورات التي اتبعت أسلوب تحرير الأرض قلة قليلة، في حين أن غالبية الثورات أسقطت الدساتير والقوانين والديكتاتوريين، رغم سيطرتهم الكاملة في تلك اللحظة على كامل تراب بلدانهم.


من هنا، ليس ثمة خوف على الثورة السورية، التي تراجعت تعبيراتها، أمام ظروف معقدة وباتت معلومة لدى الجميع، ولكنها لم تمت، ولن يحصل ذلك إلا من خلال تحقّق سلسلة من الشروط:
- التنازل عن الرواية، أن يتنازل السوريون عن أصل رواية الثورة، ثورة ضد نظام طاغية وفاسد ومجرم، والسماح بتمرير رواية النظام عن حربه المزعومة ضد الإرهاب والتخلف، ومن المعلوم أن نظام الأسد بذل أقصى طاقته في الداخل والخارج لترويج روايته، إما عبر تجيير الأحداث لصالحه، أو من خلال آلته الدعائية والإعلامية وعلاقاته قوى وأحزاب تنتشر عبر العالم، وعلاقات حلفائه وداعميه.


وفي المرحلة القادمة سيتشرس نظام الاسد لتمرير روايته، وخاصة إذا وجد الساحة باردة وإذا ركن الثوار لليأس والقنوط والتصديق بأن الثورة انتهت، ولم يعد مفيدا بذل أي مجهود في هذا الإطار، حينها فقط يمكن القول إن الثوار نحروا ثورتهم على مذبح يأسهم، وفي هذه الحالة فإن النصيحة الطبيعية هي أن من تعب ليرتاح ويتيح المجال لغيره لمتابعة الطريق ولا يقف عثرة بوجهه.

 

- عدم التنظيم وعدم  الاستفادة من الطاقات: ليس سرا أن المرحلة السابقة اتسمت بشيء من الفوضى، وخاصة في ظل حالة العسكرة التي سادت لمرحلة تجاوزت الخمس سنوات، وفي أثنائها جرى تهميش الجانب المدني، بأجنحته السياسية والإعلامية واقتصر الأمر على مبادرات فردية، اليوم مطلوب إعادة هيكلة فعاليات الثورة وقواها ووظائفها، وتنظيم هياكلها وأطرها، وخاصة أننا أمام ظاهرة وجود خمس عشرة مليون سوري، في الداخل والخارج، لم يعد نظام الأسد وحكوماته ومؤسساته يمثلونهم، حتى لو كانوا يخضعون لسلطته، التي لا تختلف عن أي سلطة احتلال في العالم.


- استمرار الاعتماد على الدول الخارجية: لقد كان أحد أسباب الموقف المعقّد الذي تمر به الثورة السورية اليوم، الاعتماد الكلي والمطلق على أطراف خارجية، لدرجة حوّلت قوى الثورة نفسها إلى أوراق تفاوضية في أيدي تلك الدول، وهذه نتيجة طبيعية للتخلي عن القرار الثوري، وللتخلص من هذه الوضعية يتوجب البحث عن بدائل سورية، على كل المستويات، وخاصة المالية اللازمة لتسيير شؤون الثورة ومؤسساتها وأنشطتها، عبر طرق معروفة للجميع، كالتبرع من قبل رجال الأعمال، أو مساهمة السوريين المغتربين بمساعدات شهرية، لا تشكل عبئا عليهم بقدر ما تسند العمل الثوري وتدعمه، وفي هذا الإطار أصبح ضروريا تنظيم اللاجئين السوريين في أوروبا، باعتبارهم باتوا كتلة جيدة والاستفادة من طاقاتهم وإمكانياتهم وحضورهم في عواصم القرار العالمي.


لم تتبدّد طاقة الثورة السورية، وتملك من المحركات والمحفزات ما يجعلها تعمل لفترة أطول، بعيدا عن الظروف والمتغيرات التي تمر بها، بل يمكن تحويل هذه التحديات إلى فرص لصالح الثورة، عدا ذلك، فكل المؤشرات التي يعمل اليائسون على إيرادها هي مؤشرات متهافتة، وخاصة في ظل وجود معطى إنهاك واستنزاف نظام الأسد وتعب داعميه، وعدم قدرتهم على إدامة دعمه لسنوات طويلة.