قضايا وآراء

روسيا ولعبة الملف الإنساني

1300x600
مع انتهاء العمليات العسكرية الكبرى تقريبا في سورية وعودة مناطق خفض التصعيد إلى هيمنة النظام السوري، تسعى روسيا إلى استكمال خطتها في إعادة تأهيل النظام على المستوى الإقليمي والدولي بعدما نجحت في تأهيله محليا على الصعيد العسكري.

لجأت روسيا إلى الملف الإنساني للحصول على تأييد أممي واسع، كونه ملفا يلقي بظلاله على كثير من الدول الإقليمية والدولية، على عكس الملف السياسي، أكثر الملفات تعقيدا وأكثر الملفات غموضا، مع غموض الموقف الأمريكي من الحل السياسي، وبروز الهوة الكبيرة بين الجانبين التي ظهرت بوضوح في قمة هلسنكي، والرفض الأمريكي لشرعنة مسار سوتشي على الأقل نظريا مع إعلان الخارجية الأمريكية تمسكها بمسار جنيف واعتبار المسارات الأخرى ليست أكثر من "عامل صرف أنظار عن تنفيذ القرار الدولي 2254".

في الملف الإنساني ستحصل روسيا على دعم دول الجوار السوري وعلى دعم أوروبي وأمريكي وأممي، وسيحصل تعاون مكثف بين هذه الأطراف وروسيا كل لأسبابه.

الهدف الروسي واضح هو إعادة إنتاج النظام وتأهيله على المستوى الإقليمي والدولي بما يعطيه نوعا من الشرعية العملية التي قد تستحيل لاحقا إلى شرعية قانونية في ظل تواطئ أمريكي واضح مع روسيا.

عودة مئات آلاف اللاجئين تعني أن الجغرافية السورية الخاضعة لسيطرة النظام أصبحت بيئة آمنة منتجة للسلام، هكذا تريد روسيا أن تسوق على المستوى العالمي، وتعني أيضا أن المشاكل العميقة التي أنتجتها الأزمة السورية يمكن أن تحل على المستوى المحلي من دون تدخل خارجي، بل على العكس لقد أدى التدخل الخارجي إلى مفاقمة الأزمات الداخلية، وهذه هي الرسالة الثانية التي تريد روسيا إيصالها للمجتمع الدولي.

إن قدرة النظام على استعادة السيطرة العسكرية أولا ثم الإيحاء بحل مشكلة المعتقلين ثانيا، ثم دعم عملية عودة اللاجئين ثالثا، تمنحه القدرة وربما الشرعية على تمرير رؤيته للحل السياسي أو على الأقل تمرير الجزء الأعظم من رؤيته السياسية.

تحتاج روسيا إلى مسار إنساني ضروري، وربما هذا ما يفسر التأخير المقصود للبدء بحل ملف المعتقلين المطروح على بساط البحث منذ اجتماع "استانا 6"، لأن هذا الملف سيمنح الروس حضورا دوليا كبيرا هم بحاجة له الآن في هذه المرحلة التي أعقبت انتهاء المعارك الكبرى، بما يدعم موسكو في شق مسار إنساني ما تحت سياسي تكون سوتشي مركزه، مسار من شأنه أن يعبد الطريق لفتح مسار اقتصادي وربما سياسي في وقت لاحق لا يكون بديلا عن جنيف وإنما قاعدة له، بمعنى أن الطروحات الاقتصادية ـ السياسية تبدأ من سوتشي وتجد تحققها واكتمالها في جنيف، كما جرى مع اللجنة الدستورية وكما يجري الآن مع مسألة عودة اللاجئين.

وعلى خلاف الولايات المتحدة والدول الأوروبية والأمم المتحدة، تعمل روسيا على عدم ربط ملف إعادة الإعمار بالعملية السياسية، وإنما ربطه بعودة اللاجئين، بعبارة أخرى لا يمكن أن تتحقق عودة اللاجئين من دون إعادة الإعمار، وفي هذا الربط إغراء واضح للدول الأوروبية التي تعاني من اللاجئين السوريين.

وقد أكد المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، أن كل من روسيا وتركيا وألمانيا وفرنسا سيبحثون في قمة أيلول/ سبتمبر عودة اللاجئين السوريين، في وقت تأمل موسكو بالحصول على مساعدة مالية من ألمانيا وفرنسا التي بدأت عملية التعاون مع روسيا عبر تقديم مساعدات إنسانية داخل سوريا.

لكن المخططات الروسية لن تكون سهلة التحقق على أرض الواقع، فقد تنجح في إعادة بضعة آلاف، لكن مسألة اللاجئين مسألة معقدة كثيرا ولا يمكن فصلها عن المسار السياسي، لما تتطلبه من بيئة آمنة غير متوفرة الآن، ولن تتوفر قبيل إنهاء الأزمة سياسيا.

كما أن روسيا ليست طرفا محايدا يمكن الاعتماد عليه من قبل المجتمع الدولي، فهي طرف في الصراع الدائر، وهي التي أوصلت الأمور على ما هي عليه الآن، وهذا ما يجعل اللاجئين في شك من الجهود الروسية فضلا عن المجتمع الدولي الذي يفضل تنفيذ عودة اللاجئين وفق معايير أممية تشرف عليها الأمم المتحدة بشكل مباشر.