كتاب عربي 21

لا خيار أمام تركيا غير الانتصار

1300x600

لم يعد يخفى على أحد تعرض تركيا لهجمات شرسة تستهدف اقتصادها وعملتها الوطنية، بعد تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي أعلن فيها فرض ضرائب إضافية على صادرات الصلب والألمنيوم التركية إلى الولايات المتحدة، كما لم تعد الأزمة بين أنقرة وواشنطن مسألة اعتقال القس أندرو برانسون أو إطلاق سراحه.

استهداف الليرة التركية وحّد الأتراك حكومةً ومعارضةً وشعباً، بخلاف توقعات المتلاعبين بسعر صرفها والمصفقين لهم، ولم يهرع الناس إلى البنوك لبيع مدخراتهم بالليرة التركية وتحويلها إلى الدولار الأمريكي، كما لم يحدث أي نوع من الاضطرابات في الشوارع. بل واصل الجميع حياتهم اليومية بهدوء. ومما لا شك فيه أن تأكيد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان ومسؤولين آخرين أن البلاد تتعرض لهجمات اقتصادية، مع تشديدهم على أن تركيا ستخرج منتصرة من هذه المعركة، لعب دورا في تجاوز الصدمة الأولى.

وزارة الخزانة والمالية التركية، والبنك المركزي التركي، والمؤسسات المالية الأخرى المعنية بالأزمة اتخذت التدابير اللازمة للحد من تأثير عمليات التلاعب بسعر صرف الليرة التركية، كما لفت الخبراء إلى قوة النظام المصرفي في تركيا. غير أن هناك عاملا آخر أسهم في إصابة المستهدفين للاقتصاد التركي بخيبة أمل، وهو استشعار المواطنين بالخطر على سيادة بلادهم، ومشاريعها التنموية الكبرى، وأن تركيا تواجه محاولة انقلاب أخرى بعد فشل الأولى في 15 تموز/ يوليو 2016، ولكنها هذه المرة في ثوب اقتصادي.

 

الأجواء التي تخيِّم على الرأي العام التركي هذه الأيام شبيهة بتلك التي شاهدناها خلال تصدي الشعب التركي لمحاولة الانقلاب التي قام بها ضباط موالون للكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة غولن


الأجواء التي تخيِّم على الرأي العام التركي هذه الأيام شبيهة بتلك التي شاهدناها خلال تصدي الشعب التركي لمحاولة الانقلاب التي قام بها ضباط موالون للكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة غولن. وأعلنت الأحزاب السياسية والشركات ومؤسسات المجتمع المدني وقوفها إلى جانب الحكومة ضد الهجمات التي تستهدف اقتصاد البلاد وعملتها الوطنية، في ظل حملات شعبية لدعم الليرة التركية، والحث على شراء المنتجات التركية ومقاطعة المنتجات الأمريكية. وتعدت حملات التضامن هذه حدود تركيا لتصل إلى دول صديقة، مثل الكويت وقطر ولبنان وباكستان ودول في البلقان وأفريقيا وآسيا. كما أن الأتراك المقيمين في الدول الأوروبية، على رأسها ألمانيا، اصطفوا في طوابير أمام البنوك لتحويل أموالهم إلى الليرة التركية.

المثل يقول إن "الضربة التي لا تقتلك تقويك". وحوّلت قطر الحصار المفاجئ الذي فرضه عليها الدول الأربع إلى فرصة لتعزيز اكتفائها الذاتي وسد الثغرات في أمنها الغذائي، بعد أن نجحت في امتصاص الصدمة الأولى. ومن المتوقع أن تحوِّل تركيا هذه الأزمة إلى فرصة لتعزيز عملتها الوطنية، والبحث عن سبل حماية اقتصادها، بالإضافة إلى تشجيع صناعة المنتجات الوطنية. وهذا ما أكده أردوغان، حين دعا إلى مقاطعة المنتجات الإلكترونية الأمريكية، وشراء هاتف سامسونغ الكوري أو فيستل التركي بدلا من آيفون الأمريكي.

 

إن نجح الأتراك في ترسيخ مقاطعة المنتجات الأمريكية، ونشر ثقافة شراء المنتجات الوطنية قدر المستطاع، فسيكون ذلك خطوة كبيرة نحو تقليل خروج العملات الصعبة


الشركات التركية الكبرى بدأت تعلن واحدة تلو الأخرى أنها لن تنشر إعلاناتها التجارية بعد الآن في المواقع الأمريكية، مثل غوغل، كما صرح وزير البيئة التركي مراد كوروم مقاطعة المنتجات الأمريكية في المشاريع التي ستنفذها وزارته. وإن نجح الأتراك في ترسيخ مقاطعة المنتجات الأمريكية، ونشر ثقافة شراء المنتجات الوطنية قدر المستطاع، فسيكون ذلك خطوة كبيرة نحو تقليل خروج العملات الصعبة من البلاد.

الليرة التركية ارتفع سعرها أمام الدولار يوم الثلاثاء مع بداية التعاملات. ويقول المسؤولون الأتراك إن الأزمة الحالية ستتلاشى خلال فترة وجيزة، لتعود المياه إلى مجاريها الطبيعية وتنخفض أسعار العملات الصعبة. كما يشددون على أن تركيا لن تتخلى عن قواعد اقتصاد السوق الحرة.

 

إلحاح الإدارة الأمريكية على سياسة فرض الواقع والإملاء، واللجوء إلى أساليب الابتزاز، واستخدام العقوبات كسلاح ضد تركيا أمر مرفوض جملة وتفصيلا

ليس أمام تركيا غير الصمود والانتصار في هذه المعركة الاقتصادية؛ لأن الخيارت الأخرى تعني الاستسلام، والتخلي عن السيادة الوطنية، والعودة إلى التبعية المهينة للهيمنة الأمريكية. وقد تكون هناك مباحثات ومفاوضات بين أنقرة وواشنطن في إطار المصالح المتبادلة، وقاعدة الأخذ والرد، كما أننا يمكن أن نشهد في الأيام القادمة إطلاق سراح القس ضمن صفقة ترضي الطرفين، إلا أن إلحاح الإدارة الأمريكية على سياسة فرض الواقع والإملاء، واللجوء إلى أساليب الابتزاز، واستخدام العقوبات كسلاح ضد تركيا أمر مرفوض جملة وتفصيلا.