قضايا وآراء

ممنوع.. ممنوع

1300x600
أغلبنا يتذكر قصيدة أحمد فؤاد نجم عن الممنوعات في مصر في 1984، ممنوعات القرن العشرين، حيث غنى في حب مصر، "ممنوع من السفر.. ممنوع من الغنا.. ممنوع من الكلام.. ممنوع من الاشتياق.. ممنوع من الاستياء.. ممنوع من الابتسام.. وكل يوم في حبِّك.. تزيد الممنوعات.. وكل يوم بحبك أكتر من اللي فات..".

لا يوجد أصدق من ذلك في الحديث عن حال مصر في أواخر القرن العشرين، ولا شك أن تلك القائمة من الممنوعات لم تؤثر سلبا في حبنا لمصر، بل كما قال: ".. وكل يوم بحبك أكتر من اللي فات". وبلا شك حال شعب مصر كان ولا زال يزداد سوءا يوما بعد يوم، ولكنه وفي أحلك حالاته لم يصل لما هو عليه الآن.

وظل المصريون في الخارج متنفسا طبيعيا ومعبرا عن حال مصر ومعاناة شعبها، حتى جاءت ثورة 2011 وانطلق كل المصريين في الخارج ليعبروا عن إحساس الشعب المصري ويقوي من عزيمته، حتى رحيل مبارك وسقوط مشروع التوريث. وامتدت مشاركة مصريي الخارج للمرحلة التالية، وهي تمكين الثورة وشاركوا بأعداد كبيرة في الاستحقاقات الديمقراطية الناتجة عن ثورة 2011، حتى إن أعدادا غير قليلة منهم عادت لأرض الوطن للمشاركة في بناء مصر الجديدة.

وعندما انقضت قوى الظلام للإطاحة بمكاسب وآمال ثورة الشعب المصري، وتمكنت قوى الشر، عن طريق الانقلاب الدموي الفاشي، من السيطرة على الحكم، وهبّت قوى الثورة رفضا للانقلاب، كان الشعب المصري في الخارج على ذات الوتيرة رافضا لاغتصاب السلطة.

وعندما أحكمت قوى الظلام قبضتها على الداخل بالإرهاب وتقنين تكميم الأفواه بقوانين الإرهاب وقوانين منع التنفس على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تعود بالشعب المصري لما قبل القرن العشرين، ناهيك عن أننا نتمتع بحريات القرن الحادي والعشرين.. مع كل ذلك، بقي الشعب المصري في الخارج حرا طليقا يفضح النظام في الداخل، واتحد مع قوى المجتمع المدني في الغرب وكثير من دول الشرق وجمعيات حقوق الإنسان، وأصبح لسان حال مصر المعبر عن حقيقية ما يجري على أرضها.

إن كل الدلائل تشير إلى مدى انزعاج النظام الفاشي من دور مصريي الخارج في التصدي له وفضحه، فتفتق ذهن مخربي مصر من عبيد تلك المنظومة لفكرة رائعة، لإسكات تلك الأصوات الفاضحة لنظامهم المجرم.

فبنص ما نشرته جريدة المصريين في 5 آب/ أغسطس الجاري، تحت عنوان "مشروع قانون يحرم "السياسة" على المصريين بالخارج":

"كشفت مصادر برلمانية، عن أن لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، تستعد لمناقشة مقترح قانون تنظيم الجاليات المصرية بالخارج، خلال دور الانعقاد القادم... نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة، أشارت إلى أن مشروع قانون تنظيم الجاليات المصرية في الخارج سيحظر عمل الجاليات أو ارتباطهم بالسياسة بأي شكل من الأشكال"، مبررة الحظر بأن "بعض تلك الجاليات تصرح بأشياء تضر الدولة.. دا اللي جابنا ورا، وأنا مش هسمح بيه بأي شكل من الأشكال".

إن ذلك ليس بغريب على ذلك النظام وأدواته المتمثلة في ما يسمى مجلس النواب، ولا أدري نواب من هم؟ نواب الشعب أم نواب جلاده؟ فبدلا من أن يحث هؤلاء العرائس المتحركة النظام بأن يرعى مصالح المصريين في الخارج، تحل علينا وزيرة العجب بهذا المقترح الأعوج.. ثم ماذا؟

فبتحريم ممارسة السياسية على المصريين في الخارج تمتد الممنوعات لتشمل مصريي الخارج، وهذا ولا شك طريق ليمتد بطش النظام بمن هم بالخارج. فذلك الذي تحدث بما لا يهوى سفاح مصر؛ حتى وإن كان لا يستطيع سجنه أو سحله أو تعذيبه، فإنه يستطيع أن يسحب جواز سفره، أو أن يترقب وصوله لزيارة أو قد يمتد بطش السفاحين لأسرته أو يصادر أمواله.

هذا تصور النظام في كيفية إسكات المصريين رافضي القهر، إلا أن مصريي الخارج لن يكونوا يوما ما بوقا لنظام عفن، وسيظلون وشعبنا في الداخل يقاومون الانقلاب ويسمون الأمور بأسمائها. فهم تحملوا الكثير وسيتحملون الأكثر حتى يسقط ذلك النظام، فكما قال نجم: ".. وكل يوم في حبِّك.. تزيد الممنوعات.. وكل يوم بحبك أكتر من اللي فات".