صحافة دولية

BDS: حركة سلمية تُحدث تحولا بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني- 4

- أ ف ب

في تحقيق مطول تنفرد "عربي21" بنشره مترجما على خمس حلقات، رصدت صحيفة الغارديان البريطانية نشأة وتطور حركة مقاطعة إسرائيل، التي تعرف اختصاراً باسم "بي دي إس".


وفي التقرير الذي أعده نيثان ثرول، يمكن للقارئ العودة لجذور النشاط الفلسطيني لمواجهة الاحتلال بداية، ثم توافد النشطاء الدوليين للتظاهر في الأراضي المحتلة، ليتطور الأمر إلى حركة منظمة تنشط في عدد كبير من مناطق العالم، وخصوصا العالم الغربي.

ويشار إلى أن هذه الظاهرة تسببت بقلق إسرائيلي من نتائجها، ما دفع الحكومة الإسرائيلية لوضع خطط لمواجهتها، وبدأت بإبعاد النشطاء في الحركة ومنعهم من الدخول، ثم تحركت الإدارة الأمريكية، وخصوصا على مستوى الولايات، لوضع إجراءات وقوانين تحظر المقاطعة، سواء كان على مستوى الشركات أم في المؤسسات التعليمية.

وفي ما يأتي الجزء الرابع من ترجمة "عربي21" لتحقيق صحيفة الغارديان:

بي دي إس (حملة مقاطعة إسرائيل): كيف تمكنت حركة غير عنفية مثيرة للخلاف من إحداث تحول في الجدل الإسرائيلي الفلسطيني؟

ترى إسرائيل في حملة المقاطعة الدولية خطراً وجودياً محدقاً بالدولة اليهودية. أما الفلسطينيون فيرون فيها ملاذهم الأخير

 

على الرغم من أن حركة "بي دي إس" لم يكن لها تأثير اقتصادي كبير على إسرائيل حتى الآن، إلا أنها مقارنة بالحراك الذي استمر لعقد من الزمان في جنوب أفريقيا، كان صعودها سريعاً جداً. فقد انسحب بعض المستثمرين المؤسساتيين من المصارف الإسرائيلية، ومن هؤلاء صندوق التقاعد الهولندي (بيه جي جي إم) والكنيسة المنهجية المتحدة (يونايتد ميثوديست تشيرش). وهناك من سحبوا استثماراتهم من الشركات التي تستفيد من الاحتلال الإسرائيلي، ومن بينهم الكنيسة المشيخية (بريزبيتيريان تشيرش) وكنيسة المسيح المتحدة (يونايتد تشيرش أوف كرايست)، وأكبر صندوق تقاعدي في النرويج. وعلى إثر حملات المقاطعة قرر عدد من المؤسسات الكبرى الانسحاب كلياً أو إلى درجة كبيرة من إسرائيل، ومن هؤلاء فيوليا، و"جي4 إس" و"سي آر إتش". وانضمت العشرات من اتحادات الطلاب والعديد من الروابط الأكاديمية إلى مبادرات المقاطعة وسحب الاستثمارات، وألغى العديد من الموسيقيين والفنانين عروضهم أو تعهدوا بمقاطعة إسرائيل.

ولا يقل أهمية عن ذلك أن حركة "بي دي إس" نجحت فعلياً في كسب الدعوة داخل فلسطين. كان أبو مازن قد صرح في عام 2013 بأنه بينما تدعم منظمة التحرير مقاطعة المستوطنات، "إلا أننا لا ندعم مقاطعة إسرائيل" لأن "لدينا علاقات مع إسرائيل، لدينا اعتراف مشترك مع إسرائيل". ولكن بحلول عام 2018" كانت منظمة التحرير، على الأقل على مستوى الخطاب، قد تبنت ما تطالب به حركة "بي دي إس". كما تأثرت المنظمات الدولية أيضاً بحركة "بي دي إس"، فانتقلت ببطء من التنديدات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، إلى المطالبة بإجراءات عملية لها وقع وتأثير. ففي الصيف الماضي، طالبت منظمة العفو الدولية بفرض حظر عالمي على استيراد منتجات المستوطنات، وبحظر تصدير السلاح إلى إسرائيل وإلى المجموعات الفلسطينية المسلحة. ودعت منظمة هيومان رايت سواتش المستثمرين المؤسساتيين في المصارف الإسرائيلية إلى ضمان أنهم لا يساهمون في المستوطنات أو لا يستفيدون منها، أو غير ذلك من الانتهاكات التي ترتكب بحق القانون الدولي. وجمع مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قائمة بما يزيد عن مئتي شركة، معظمها مقراتها في إسرائيل أو في المناطق المحتلة، ومنها 22 مقراتها في الولايات المتحدة، ترتبط بإقامة وتوسع أو صيانة المستوطنات الإسرائيلية. وفيما يتوقع أن يكون أبرز تطور في تاريخ حملة "بي دي إس" الممتد على مدى 13 عاماً، ينوي مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان نشر أسماء هذه الشركات في وقت متأخر من هذا العام.

 

حملة إسرائيلية مضادة


من الملاحظ أن جميع قرارات سحب الاستثمارات التي اتخذتها المؤسسات أو الاتحادات الطلابية كانت تقريباً انتقائية، بحيث لم تستهدف إسرائيل ككل، وإنما فقط المستوطنات والاحتلال، وعدد قليل منها لم يكن له علاقة بحركة "بي دي إس، نفسها. إلا أن الحكومة الإسرائيلية وحركة "بي دي إس" كليهما تنزعان نحو إخفاء هذه الحقيقة. فيما يتعلق بحركة بي دي إس، ساعدها ذلك في أن تبدو كما لو كانت تحقق قدراً أكبر من الانتصارات، وأما الحكومة الإسرائيلية، فساعدها ذلك في تسفيه المبادرات البيروقراطية الحذرة المطالبة بالالتزام بالقانون الدولي، وتصورها بدلاً من ذلك كما لو كانت غير سوية، مشيطنة الجهود التي يبذلها راديكاليو حركة "بي دي إس".

كعنصر أساسي من سياستها، عمدت الحكومة الإسرائيلية إلى الخلط بين مقاطعة المستوطنات ومعارضة وجود إسرائيل، بما يعكس رغبة لديها؛ ليس فقط لحماية المستوطنات، وإنما أيضاً لوقف موجة المقاطعات الانتقائية التي يمكن أن تتوسع وتنتشر لتشمل إسرائيل ككل. وفي هذا السياق، قال يوسي كوبرواسر: "نحن نقول إنه لا يوجد فرق بين مقاطعة المستوطنات ومقاطعة إسرائيل. فإذا كنت تريد أن تروج لمقاطعة إسرائيل، أي جزء من إسرائيل، فأنت في هذه الحالة لست صديقاً لإسرائيل، وإنما أنت فعلياً عدو لها. وبناء عليه يتوجب علينا أن نتدبر أمرك".

سنت الحكومة قانوناً يحظر دخول الأجانب الذين يدعمون بشكل علني مقاطعة إسرائيل (أو أي منطقة خاضعة لسلطانها). وطالب وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي بفرض غرامات مالية على المنظمات والشركات الإسرائيلية، وفي بعض الحالات على الأفراد الإسرائيليين، الذين يدافعون عن مقاطعة إسرائيل أو مقاطعة المستوطنات. وبعد أن خاطب هاجاي إلعاد، رئيس المنظمة الإسرائيلية لحقوق الإنسان (بيتسيلم) مجلس الأمن الدولي، مطالباً إياه باتخاذ إجراء ضد الاحتلال الإسرائيلي، دعا رئيس الائتلاف الحكومي إلى سحب جنسيته، وسن قانون يسمح بفعل نفس الشيء مع أي إسرائيلي يطالب الكيانات الدولية باتخاذ إجراء ضد إسرائيل.

انتهجت إسرائيل وحلفاؤها نفس الاستراتيجية في الخارج. ففي عام 2014 عقد نتنياهو اجتماعاً حضره كبار الوزراء في حكومته لمناقشة الإجراءات التي يمكن اتخاذها لمواجهة حركة "بي دي إس"، بما في ذلك - كما نشرت صحيفة هآريتز اليومية - "رفع دعاوى قضائية في محاكم دول أوروبا وشمال أمريكا ضد منظمات بي دي إس" و"اتخاذ إجراء قانوني ضد المؤسسات المالية التي تقاطع المستوطنات"، و"ما إذا أمكن تفعيل اللوبي الداعم لإسرائيل في الولايات المتحدة، وتحديداً منظمة إيباك، من أجل الترويج لفكرة سن تشريع داخل الكونغرس". منذ ذلك اليوم، قامت البنوك الكبرى حول العالم بإغلاق حسابات جماعات مؤيدة لحركة "بي دي إس"، ثم ما لبثت 24 ولاية أمريكية أن سنت قوانين أو أصدرت أوامر تقيد حرية التعبير من خلال تثبيط وتغريم من يقاطعون إسرائيل أو المستوطنات فيها، بل وحظر أي دعم أو تأييد للمقاطعة. وحتى الآن، شهدت ولايتان على الأقل طعوناً ضد هذه الإجراءات تقدم بها الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية.

 

ضغوط أمريكية


في الصيف الماضي، بعد إعصار هارفي، طالبت مدينة ديكنسون بولاية تكساس المقيمين فيها ممن تقدموا بطلبات إعانة وإغاثة بالإقرار بأنهم لا يقاطعون إسرائيل ولا ينوون مقاطعتها، وهو المطلب الذي وصفه المدير القانوني لفرع الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية في تكساس بـ"الانتهاك السافر والفظيع للتعديل الدستوري الأول، بما يذكر بأيمان الولاء في الحقبة المكارثية". كما عارض الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية مشروع قانون فيدرالي ضد المقاطعة تقدمت به منظمة إيباك، وقال الاتحاد إن "المقاطعات السياسية حق يكلفه التعديل الدستوري الأول"، بغض النظر عما إذا كانت المقاطعة لإسرائيل أو للمستوطنات فيها.

تسبب هذا التداخل المتعمد بين إسرائيل والمستوطنات في قدر غير قليل من الفزع في أوساط مؤيدي إسرائيل الأكثر ليبرالية داخل الجالية اليهودية الأمريكية. فقد سعى هؤلاء لسنوات إلى حماية إسرائيل نفسها من المقاطعة، من خلال القول إن مقاطعة المستوطنات فقط هي المقاطعة المشروعة. ولكنهم باتوا الآن يشعرون بأنهم مستهدفون بالهجوم، ليس فقط من قبل حركة "بي دي إس" في اليسار، وإنما أيضاً من قبل الحكومة الإسرائيلية في اليمين، حيث يزدري كلاهما فكرة يسار الوسط القائمة على دعم إسرائيل ومعارضة الاحتلال في نفس الوقت. وحيث يرفض كلاهما الموقف الذي يرى بأن النبيذ الذي تنتجه مستوطنات الضفة الغربية ينبغي أن يقاطع، ولكن ليس الحكومة التي أوجدت ومولت وصانت هذه المستوطنات.

تمثلت استراتيجية إسرائيل في إجبار الشركات التي تتعرض للضغط حتى تنسحب أو تسحب استثماراتها؛ على الاختيار بين أن تبقى في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل وتتجاهل حملة المقاطعة، أو تخضع لها ولمطالبها وتواجه دعاوى قضائية وخسائر محتملة في الأسواق الأكبر داخل أوروبا والولايات المتحدة. وأمام هذا الخيار، كما يقول كوبرواسر، ستتردد معظم الشركات في الانسحاب من إسرائيل أو من المستوطنات: "ولكن فيما لو قاطعوا، فسيشهد العالم مزيداً من الدعاوى القضائية مما سيسبب المعاناة لتلك الشركات. إذن، بإمكاننا الرد والانتقام".

في معظم نشاطاتها المعادية لحركة "بي دي إس" في الدول الأجنبية، تستعين وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية بعناصر خارجية في إنجاز هذه المهام، ولذلك تساعد في تأسيس وتمويل جماعات ومنظمات تدخل معها في شراكة لكي تشكل ما يشبه الواجهة في هذا العمل سعياً من الحكومة الإسرائيلية إلى تجنب الظهور بمظهر المتدخل في السياسات المحلية لحلفائها في أوروبا والولايات المتحدة. يقول كوبر إن المجموعات المناهضة لحركة "بي دي إس" آخذة الآن في النمو والتكاثر "كما ينمو فطر عيش الغراب بعد هطول المطر". ينشط هو وعدد من مسؤولي المخابرات والأمن السابقين كأعضاء في واحدة من هذه المجموعات، واسمها كيلا شلومو، التي توصف بأنها "وحدة مغاوير العلاقات العامة". تعمل هذه المجموعة مع وزارة الشؤون الاستراتيجية (الإسرائيلية)، وتتلقى منها عشرات الملايين من الدولارات. وكانت السفارة الإسرائيلية في لندن قد أرسلت برقية إلى القدس في عام 2016، تشتكي فيها من أن وزارة الشؤون الاستراتيجية باتت تشكل خطراً على المنظمات اليهودية البريطانية، حيث أن معظمها مسجل كجمعيات خيرية يحظر عليها ممارسة النشاط السياسي. وجاء في البرقية أن "المنظمات اليهودية التي تعمل مباشرة من القدس... تشكل خطراً ويمكن أن تواجه معارضة من المنظمات (البريطانية) نفسها بسبب وضعها القانوني، فبريطانيا ليست الولايات المتحدة!". وفي العام الماضي بثت قناة الجزيرة تسجيلات سرية لمسؤول إسرائيلي يعمل من داخل السفارة في لندن؛ وصف فيها كيف طلبت منه وزارة الشؤون الاستراتيجية المساعدة في إقامة "شركة خاصة" داخل بريطانيا للعمل لصالح الحكومة الإسرائيلية، وبالتنسيق مع الجماعات المناصرة لإسرائيل مثل منظمة إيباك.

 

آثار عكسية


بالنسبة ليلبراليين الإسرائيليين، أخطر ما في حركة "بي دي إس" هو أنها دفعت حكومتهم إلى رد فعل غاية في الرعونة والتجاوز، فهي أشبه ما يكون بمرض يصيب جهاز المناعة عند الإنسان، حيث أن المعركة التي تخوضها الحكومة ضد حركة "بي دي إس" تنال أيضاً من حقوق المواطنين العاديين وتضر بالممارسة الديمقراطية. فلقد لجأت وزارة الشؤون الاستراتيجية إلى أجهزة الأمن لتراقب وتهاجم من يسعون لنزع الشرعية عن إسرائيل، ودعت إلى وضع قائمة سوداء بأسماء المنظمات الإسرائيلية والمواطنين الإسرائيليين الذين يؤيدون حملة المقاطعة السلمية، وأوجدت "وحدة تلطيخ" لتلويث سمعة أنصار المقاطعة ونشرت مقالات مدفوعة الأجر في الصحافة الإسرائيلية. وبناء على ذلك، تم استدعاء يهود من اليساريين الإسرائيليين للتحقيق أو أوقفوا على الحدود من قبل عناصر من جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، الشين بيت، عرفوا أنفسهم على أنهم ضباط يعملون ضد نزع الشرعية. ومنعت إسرائيل عشرين منظمة من الدخول بسبب آرائها السياسية، بما في ذلك "لجنة خدمات الأصدقاء الأمريكيين"، وهي مجموعة تابعة لطائفة كويكر كانت قد فازت بجائزة نوبل لما قدمته من مساعدات للاجئي الهولوكوست، وتقوم الآن بدعم تقرير المصير للإسرائيليين والفلسطينيين، وفي نفس الوقت تؤيد حملة "بي دي إس".

في العام الماضي، طالب وزير المخابرات الإسرائيلي يزرائيل كاتز على الملأ باستهداف النشطاء المدنيين بالاغتيال مثل عمر برغوثي الذي شارك في تأسيس "بي دي إس"، والذي يقيم بشكل دائم في إسرائيل. كما هُدد برغوتي من قبل وزير الأمن العام والشؤون الاستراتيجية في إسرائيل الذي قال: "قريباً، كل ناشط يستخدم نفوذه لنزع الشرعية عن الدولة اليهودية الوحيدة في العالم سيدرك أنه سيدفع ثمن ذلك ... وقريباً سوف نسمع أكثر عن صديقنا برغوتي." لم يطل ببرغوتي المقام بعد ذلك حتى مُنع من مغادرة البلد، وفي العام الماضي قامت السلطات الإسرائيلية بتفتيش منزله ثم اعتقلته بتهمة التهرب من الضرائب.

لربما كانت أقوى أدوات إسرائيل في حملتها ضد نزع الشرعية هو اتهام منتقدي الدولة بمعاداة السامية. ولكي تتمكن من ذلك كان لا بد من تغيير التعريف الرسمي للمصطلح. بدأ هذا المسعى أثناء السنوات الأخيرة من الانتفاضة الثانية، في عام 2003 وعام 2004، حينما كانت دعوات المقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل ما قبل تأسيس "بي دي إس" تكتسب زخماً بشكل متزايد. في ذلك الوقت، اقترحت مجموعة من المؤسسات والشخصيات، بينهم دينا بورات، الأستاذة في جامعة تل أبيب، والتي كانت عضواً في الوفد الإسرائيلي إلى مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية عام 2001 في ديربن بجنوب أفريقيا، إيجاد تعريف جديد لمعاداة السامية من شأنه أن يساوي بين انتقاد إسرائيل وكراهية اليهود.

 

توسيع تعريف معاداة السامية

 

عمل هؤلاء الخبراء وتلك المؤسسات مع اللجنة اليهودية الأمريكية ومع غيرها من الجماعات المناصرة لإسرائيل؛ في صياغة "تعريف عملي" جديد لمصطلح معاداة السامية، بحيث يكون متضمناً لقائمة من الأمثلة والنماذج، تم نشره في عام 2005 (ثم تم التخلي عنه من بعد) من قبل كيان تابع للاتحاد الأوروبي معني بمكافحة العنصرية. ثم أعيد تكييف هذا التعريف العملي في عام 2016 من قبل التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، ومنذ ذلك الحين وهو يستخدم ويتم تبنيه أو التوصية به، مع بعض التعديلات البسيطة، من قبل عدد من المنظمات الأخرى،  بما في ذلك وزارة الخارجية الأمريكية، والتي ما فتئت منذ عام 2008 تعرف معاداة السامية على أنها تتضمن واحد من ثلاثة أصناف من انتقاد إسرائيل تعرف (بالإنجليزية) "3D": 1- delegitimisation (نزع الشرعية عن إسرائيل)، 2- demonisation (شيطنة إسرائيل)، 3- double standards (ازدواجية المعايير في التعامل مع إسرائيل). (من الجدير بالذكر أن تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست كان مؤخراً في القلب من الجدل الذي دار حول معاداة السامية داخل حزب العمال الذي تبنى نسخة معدلة من الأمثلة المصاحبة للتعريف).

في تعريف وزارة الخارجية الأمريكية، يتضمن نزع الشرعية (delegitimization) "إنكار حق الشعب اليهودي في تقرير المصير وإنكار حق إسرائيل في الوجود". وبذلك تعتبر معاداة الصهيونية، بما في ذلك الرأي القائل بأن إسرائيل ينبغي أن تكون دولة لكل مواطنيها بحقوق متساوية لليهود وغير اليهود، شكلاً من أشكال نزع الشرعية، وهي بذلك معاداة للسامية. إذن، بحسب هذا التعريف يصبح جميع الفلسطينيين تقريباً (ونسبة كبيرة من اليهود الأرثوذكس المتدينين داخل إسرائيل ممن يعارضون الصهيونية لأسباب دينية) مذنبين بجرم معاداة السامية؛ لأنهم يريدون لليهود والفلسطينيين الاستمرار في العيش في فلسطين، ولكن ليس ضمن دولة يهودية. كوبرواسر واحد من أولئك الذين يصرون على توجيه هذه التهمة حيث يقول: "معاداة الصهيونية ومعاداة السامية هما نفس المرأة ولكن بحلتين مختلفتين".

أما حرف "D" الثاني فهو الحرف الأول من كلمة "demonisation"، أي الشيطنة، وتتضمن الشيطنة "إجراء مقارنات بين السياسة الإسرائيلية المعاصرة والسياسة النازية"، كما فعل نائب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في خطبة له في يوم إحياء ذكرى الهولوكوست في عام 2016، حينما شبه "النزعات المتمردة" في أوروبا وألمانيا في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين؛ بالتوجهات الحاصلة في إسرائيل اليوم. وأما الصنف الذي يشار إليه بحرف "D" الثالث، فهو "double standards"، أي ازدواجية المعايير، وهذا يفيد بأن إفراد إسرائيل بالنقد هو شكل جديد من أشكال معاداة السامية. وبهذا يمكن من الناحية العملية اتهام كل المبادرات السابقة التي تبنت سحب الاستثمارات أو المقاطعة حول العالم بازدواجية المعايير، بما في ذلك الحملة ضد نظام الأبارتيد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا، حيث أن معظم من نشطوا في تلك الحملة تجاهلوا كثيراً من الانتهاكات الجسيمة التي كانت ترتكب في أماكن أخرى من العالم، مثل ما كان يجري في نفس الوقت تقريباً من إبادة عرقية في كمبوديا وفي كردستان العراق وفي تيمور الشرقية.

 

للاطلاع على النص الأصلي باللغة الإنكليزية، اضغط هنا

BDS: حركة سلمية تُحدث تحولا بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني- 1
BDS: حركة سلمية تُحدث تحولا بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني- 2
BDS: حركة سلمية تُحدث تحولا بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني- 3

BDS: حركة سلمية تُحدث تحولا بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني- 5