كتاب عربي 21

الطريق إلى صورة حسني مبارك

1300x600

الحقيقة أن هناك صوراً تبدو كما لو كانت لها حياة منفصلة، هي صور تتصرف كما لو كانت كائناً عاقلاً، تتصرف معك بطريقة يبدو فيها أنها تحاول استفزازك، تتصرف كمن يصرخ بجانب أذنك ثم يركض مبتعداً قبل أن تستوعب ما حدث، ليقف على مسافة منك مطلقاً ضحكات صاخبة ويخرج لك لسانه. ما هي فرصة أن تحتفظ بسلامك النفسي أو بهدوء أعصابك وأنت ترى صورة مفتعلة لبشار بجانب زوجته في مشفى ما وهو يجلس بجانبها يتظاهر بالحنان الزوجي، بينما تعلم أنت أن ذلك الشخص الجالس متظاهراً بالأبوة وروح الأسرة يحمل دماء مئات الآلاف من السوريين ويده فوق أزرار قذائف تنتظر دورها لتهبط فوق رؤوس غيرهم؟

كم ثانية يمكنك أن تعدها قبل أن تفقد أعصابك وأنت ترى ابتسامة أسماء الأسد التي تتظاهر بالسكينة وتبتسم ابتسامة سينمائية تتظاهر فيها بالتجلد لتستجلب تعاطف الناس معها وهي تنظر لزوجها بشار والاثنان يتظاهران بأنهما لا يريان آلات التصوير وبأن المشهد طبيعي ويتظاهران بأن الطغاة العرب وعائلاتهم يتلقون العلاج في المستشفيات الشعبية العادية التي يرتادها عامة الشعب، بينما تتذكر أنت مشاهد جثامين أطفال الغوطة وقد خلت من الحياة ومئات المشاهد غيرها يحمل فيها أفراد فرق الدفاع المدني جثامين لأطفال ملتاعين يصرخون على أمهاتهم وقد خرجوا لتوهم من تحت أنقاض بناية ما هدمتها قذيفة طائرة ما؟


كيف يمكنك أن تتحمل صورة مستفزة كهذه وأنت ترى مظاهرات تخرج في إدلب بعد قصف طائرات بشار لها بالفوسفور المحرم دولياً وترى صوراً للقصف وتتخيل هذه الحمم التي تهبط على رؤوس سكان إدلب؟

صورة أخرى عائلية للمخلوع مبارك ظهرت منذ عدة ساعات، يظهر فيها جالساً مبتسماً وهو يواجه الكاميرا وبجانبه فتاة مبتسمة. وفي الصورة يظهر المخلوع مبارك وقد توقف عن صبغ شعره وزاد وزنه عدة كيلوجرامات. صورة ظهرت فيها بوضوح علامات تقدمه في السن ولكنها لم تخل من الترف. وصحيح أن الصورة خلت من تلك النظرة المتعجرفة وصحيح أيضاً أنك لا ترى ما حول الصورة بوضوح غير أن التفاصيل القليلة لا تمنعك من التقاط ذلك الجو المترف بمكان التقاط الصورة.

الرجل الذي حصدت داخليته أرواح ما يقرب من ألف متظاهر في ميدان التحرير في يناير 2011 يجلس ناظراً للكاميراً وهو يبتسم في سعادة في مكان ربما كان منتجعاً أو نادياً أو قصراً أو ما شابه.

الرجل المسؤول عن ملايين أصبحوا في عهده تحت خط الفقر، والمسؤول عن ثلاثين عاماً من العشوائيات، الرجل الذي وقف يضحك بعد غرق العبارة السلام، ينظر للكاميرا وقد ازداد وزنه.

منذ سبع سنوات ونصف كان ذلك الرجل يجلس في غرفة عمليات بين وزير دفاع ورئيس أركانه يشير بأصبعه إلى شاشة ما ويتبادل معهما حديثاً ما بينما كانت حشود من المتظاهرين تتحرك بصعوبة في مواجهة خراطيم المياه وقنابل الغاز إلى ميدان التحرير، منذ سبع سنوات كان ذلك الرجل يقف ناظراً إلى الكاميرا مهدداً وهو يخاطب الناس مؤكداً أنه لا بديل عنه إلا الفوضى.


كيف يمكنك أن تحتفظ بهدوء أعصابك وأنت ترى المسؤول عن ثلاثة عقود من التدمير المستمر لكل شيء، في مكان تبدو عليه علامات الترف، بينما يظهر الرئيس الذي انتخبه الملايين (إن ظهر) في ثياب السجن وفي قفص زجاجي؟

إن هذه الصورة هي نتاج طريق طويل من المجازر منذ انقلاب يوليو 2013 وحتى الآن. هذه الصورة لم تكن ممكنة لولا من وقعوا استمارات تمرد ودعوا لانتخابات مبكرة.