قضايا وآراء

سوريا ومؤشرات تراجع النفوذ الأمريكي في غرب آسيا

1300x600

أعلنت الإدارة الأمريكية نيتها الذهاب إلى الأمم المتحدة يوم الجمعة الموافق 7 أيلول/ سبتمبر الجاري؛ لمناقشة الهجوم العسكري المزمع على إدلب في مجلس الأمن؛ إعلان جاء بعد فشلها المتكرر في إعاقة الحملة على إدلب التي تجاوزت مصالحها المعلنة، وعلى رأسها المصالح الإسرائيلية، والوجود الإيراني في سوريا.


فإيران ورغم الضغوط الأمريكية تمكنت من إعادة برمجة وهندسة وشرعنة وجودها في سوريا من خلال توقيع اتفاقية التعاون العسكري مع دمشق الاسبوع الماضي؛ متجاوزة بذلك التحذيرات والتهديدات الأمريكية مسنودة بتقارب مع تركيا على خلفية العقوبات المزدوجة بل الثلاثية الأبعاد التي أعلنتها أمريكا على كل من أنقرة وطهران وروسيا أيضا.


إعلان البيت الابيض نيته الذهاب إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن يعكس تراجع هامش المناورة الأمريكي وتراجع فاعلية تحركاتها السياسية والعسكرية؛ إذ جاء بعد حشود عسكرية وتحذيرات أطلقها ترمب يوم الثلاثاء 4 ايلول \ سبتمبر للنظام السوري يحذره من هجوم كارثي على ادلب، تبعه بساعات تعليق من المتحدث باسم الكرملين انتقد فيها تصريحات ترمب وأتبعته القوات الروسية بهجمات جوية وصاروخية على المدينة في إشارة منها لتحدي النوايا والرغبات الأمريكية؛ مضيقة بذلك هامش المناورة الأمريكي الذي يكاد يختنق في المنطقة بتحركات تقودها تركيا وروسيا وإيران.


خطوة بائسة


 لم يبق لواشنطن إلا ورقة الأمم المتحدة لعرض سياساتها ولم يبق في جعبتها من الأوراق أو الضغوط ما تمارسه إلا العودة لمجلس الأمن والأمم المتحدة التي تمردت على قراراتها وانسحبت من بعض مؤسساتها وقلصت فيها موازناتها؛ ما يجعلها خطوة بائسة جدا؛ إذ أنها دعوة لاستجداء الدعم الدولي المفقود للإدارة الامريكية وللتشويش على الاجتماع الثلاثي المزمع  عقده في طهران و تغيب عنه واشنطن؛ إذ يضم كلا من إيران وروسيا وتركيا يوم الجمعة 7 ايلول \ سبتمبر الحالي.


ما حدث ويحدث في سوريا يعد واحدا من مؤشرات عديدة على تقلص هامش المناورة وتراجع النفوذ الأمريكي في غرب اسيا، إذ تواجه أمريكا معضلة مماثلة مع باكستان لتنضم إلى تركيا وإيران في تحدي السياسة الأمريكية؛ أمر انعكس بشكل واضح على فاعلية إدارتها لمعركتها في أفغانستان التي باتت معركة خاسرة مهددة بذلك من فاعلية القيادة المركزية الأمريكية في المنطقة والتي تعاني من ضغوط متزايدة في البحر الاحمر والخليج العربي والبحر المتوسط من سوريا إلى العرق فإيران وتركيا وانتهاء بباكستان وافغانستان.


نفوذ أمريكي متراجع

تراجع هامش المناورة والتأثير (النفوذ) لا يقتصر على المناطق والقوى الإقليمية المذكورة التي تمتعت بعلاقات تحالف مع أمريكا وعلى رأسها تركيا وباكستان، بل تضرب عميقا في جذور النفوذ الأمريكي والممثلة في الملف الفلسطيني؛ فأمريكا بعد نقل السفارة واستهداف الأونروا وحق العودة للفلسطينيين باتت تعاني من تناقضات وفشل وتعثر كبير في سياساتها في واحد من أهم الملفات التي تعكس قوتها وهيمنتها بفرض السلام الأمريكي الذي تبع اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 وعزز بأوسلو ووادي عربة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي؛ فأمريكا مرتبكة وتحركها نوازع إيدلوجية وواقع داخلي مأزوم يستنزف قدرتها على المناورة في الملف الفلسطيني؛ أمر دفع الرئيس الأمريكي للمناورة في هامش ضيق تمثل بطلب لقاء محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية على هامش جلسة الأمم المتحدة الـ73؛ على أمل احتواء التداعيات الممكنة لأي نقاش أو قرار ممكن من الجمعية العامة في الأمم المتحدة يؤكد على حق العودة ويجدد التفويض الممنوح للأونروا؛ ما سيجعل من هذا التحرك هزيمة تضاف الى سلسلة الهزائم التي تعاني منها الإدارة الأمريكية.


لقاء استعراضي


سعي ترمب إلى تفكيك الملف الفلسطيني المعقد من خلال المناورة البائسة التي يبحث عنها بلقائه الذي سيتخذ طابعا استعراضيا مع محمود عباس؛ يشير بوضوح إلى ازمة عميقة ومأزق خطير يسعى ترمب لتجنبه من خلال الضغط او المناورة بالإغراء والتهديد لرئيس السلطة على أمل تعطيل أي قرار أممي يجدد للأونروا ويعزز مكانتها.


أزمة أمريكا متشابكة في إقليم غرب آسيا فهي تفقد حلفاءها وتأثيرها يوما بعد يوم؛ يفاقمها أزمة داخلية ما إن تغيب حتى تعود الى الظهور بقوة في الساحة الأمريكية على شكل استقطاب وانقسام يترسخ بقوة في الساحة الأمريكية؛ عبر عنه مؤخرا بالفوضى التي سادت جلسات لجان مجلس النواب الأمريكي لمناقشة تعين مرشح ترمب للعضوية المحكمة العليا  القاضي "بريت كافانوغ".

 

ختاما: معارك ترمب الداخلية والخارجية افقدت سياساته وادارته الفاعلية؛ وقلصت هامش المناورة الأمريكي في غرب آسيا وأضعفت نفوذها وقدرتها على التأثير في الملفات الكبرى؛ لينصب التركيز في البحث عن بدائل وأوراق احترقت وفقدت فاعليتها كالحلفاء التقليدين على رأسهم تركيا وباكستان أو الاتفاقات كالاتفاقية النووية 5+1 او حتى اتفاق اوسلو الذي ارتدت الإدارة الأمريكية على كافة بنوده ومراحلة؛ أو على الأمم المتحدة التي قوضت مؤسساتها وسعت إلى إضعاف تاثيرها أو الحلفاء الأوروبيين الذين تصارعت معهم غير مرة دون جدوى أو فاعلية؛ فهي إدارة مأزومة قوضت النفوذ الأمريكي وأضعفت هامش المناورة التي باتت مؤشراته تظهر بقوة في غرب اسيا والعالم العربي.