كتاب عربي 21

هل ينجح بوب وودوارد في الإطاحة برئيس أمريكي مجددا؟

1300x600
نجاح وودوارد الأول، كان في الإطاحة بالرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، عندما فضح هو وزميله في صحيفة "واشنطن بوست" كارل برنشتاين إيعاز نيكسون لمعاونيه بالتجسس على مقار منافسه هيوبرت همفري، مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة في حزيران/ يونيو من عام 1972.

هل ينجح وودوارد في الإطاحة بالرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب؟ الله أعلم، ولكن هناك ما يدعو إلى الشك في ذلك، لأن القاعدة الجماهيرية التي يستند إليها ترامب صلبة وراضية بخطرفاته ونزواته وصلفه ونزقه، وقادة الحزب الجمهوري الذي وصل ترامب إلى سدة الرئاسة تحت لافتته، مدركون أنه أخرق ومتفلِّت ونزق، ويجلس على كرسي أكبر من "مقاسه"، ولكنهم يدركون أن توجيه النقد العنيف ـ والمستحق ـ له سيزلزل كيان الحزب، ومن ثم لا يجاهرون بالشكوى من الممارسات الترامبية، وهكذا يكون الولاء للحزب أقوى من الولاء للوطن.

في كتابه الجديد "الخوف ـ ترامب في البيت الأبيض"، يفضح وودوارد مدى نزق ترامب وقصور فهمه لكثير من شؤون الحكم والسياسة، ومنها واقعة رد فعله على قصف حكومة بشار الأسد لبلدة خان شيخون بالأسلحة الكيمائية، والذي تمثل في قوله لوزير الدفاع جيمس ماتيس "دعنا نقتله، لنذهب إلى هناك ونقتله حيث هو، دعنا نقتل عددا كبيرا منهم"، فوافق ماتيس على ذلك، ثم قال لمساعديه إنه سيتجاهل كلام ترامب، لأن إلمامه (ترامب) بشؤون السياسة الدولية "يساوي معرفة طالب في الصف الخامس أو السادس الابتدائي بها".

ملأ الدنيا وشغل الناس

ولأن وودوارد قامة صحفية فارعة وبارعة، وليس من أنصار صحافة الإثارة، التي تلفق الأخبار والتقارير أو تحملها ما لا تحتمل، فلم يصدر تكذيب لما حواه الكتاب حتى من البيت الأبيض، وإن كال له ترامب السباب كعادته في التعامل مع جميع وسائل الإعلام، باستثناء قناة فوكس رائدة الغوغائية، ومن ثم صار كتاب وودوارد الجديد مالئ الدنيا وشاغل الناس، خاصة في مراقي السلطة العليا في العديد من العواصم.

كان ترامب كتابا مفتوحا حتى خلال حملته الانتخابية للفوز بالرئاسة، بمعنى أن نهجه القائم على اللامنهجية كان معلوما، فقد عود الرجل الناس أن يقول الشيء ثم ينفي أنه قال ما قال، أو يعمل بنقيض ما قال ووعد، لأنه من ذلك الصنف من الناس الذين يعجلون بقول كل ما يخطر على ألسنتهم، ثم يفكرون في ما قالوا لاحقا.

وجاء في الكتاب أيضا أن المستشار الاقتصادي لترامب، غاري كوهين، وسكرتير البيت الأبيض روب بورتر، أخفيا بعض الأوراق عن طاولة ترامب لمنعه من التوقيع عليها، ولو وقع ترامب عليها، لأدى ذلك إلى انسحاب الولايات المتحدة الفوري من اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، المعروفة باسم "نافتا NAFTA"، والانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية. 

شهادات أعوان ترامب

ويورد وودوارد شهادات كبار أعوان ترامب ممن راقبوا أداءه وطرائق تفكيره واتخاذه القرارات، فروب بورتر يقول صراحة إن ترامب يسير بالبلاد نحو الهاوية، أما جون كيلي كبير موظفي البيت الأبيض الحالي فقد شكا من أنه يشغل أسوأ منصب حظي به في مسيرته المهنية. 

ووصف المحامي السابق لترامب جون دود، ترامب بالكذاب الغبي، بينما قال عنه رئيس موظفي البيت الأبيض السابق رينس باريبوس إنه "جرذ لا يتوقف عن الجري"، واكتفى وزير خارجية ترامب السابق ركس تيلرسون بوصف الرجل بأنه محدود الذكاء لدرجة الإعاقة، وهي المقولة التي كلفته منصبه. 

مدلولات الكتاب

وعنوان كتاب وودوارد "الخوف ـ ترامب في البيت الأبيض"، له معنيان: أحدهما أن وجود ترامب في البيت الأبيض مدعاة للخوف، وثانيهما أنه على الناس أن يخافوا لأن ترامب في البيت الأبيض، وأثبت الشعب الألماني أن اختيار عنوان الكتاب صادفه التوفيق، فقد جاء في  عدد الخميس الماضي من "عربي21"، نقلا عن وكالة الصحافة الفرنسية، أن 69% من الألمان يعتقدون أن ترامب أكثر خطورة على بلدهم من الإرهاب. 

وكشف استطلاع للرأي أن سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب "هي أكبر مصدر قلق لدى الألمان"، وقالت بريجيت رومستدت المديرة في معهد الاستطلاعات الألماني إن "أكثر من ثلث الألمان لديهم مخاوف هائلة من أن سياسات دونالد ترامب تجعل العالم أكثر خطورة". 

وقال الخبير في العلوم السياسية مانفريد شميدت: إن سياسة ترامب القاضية بـ"أمريكا أولا"، المتهورة وموقفه العدائي من الاتفاقات الدولية، وموقفه الذي لا يقل عدائية تجاه التجارة والأمن بما في ذلك ضد حلفائه يخيف غالبية الألمان". 

نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الخميس الماضي، مقالا غفلا من اسم كاتبه، واكتفت بالإشارة إلى أنه أحد كبار أعوان ترامب، كانت خلاصته أن مساعدي ترامب مشغولون معظم الوقت بإجهاض قرارته الطائشة، ومنعه من التوقيع على أوامر رئاسية وخيمة العواقب في حال صدرت ووضعت حيز التنفيذ، ولو دعا ذلك إلى سرقة أوراق من مكتبه. 

جاء رد فعل ترامب على ذلك، مؤكدا أن الرجل سطحي وساذج، يهتم فقط بمظهره وليس بجوهر الأمور، حيث طلب من كل كبار موظفي البيت الأبيض كتابة إفادة بما معناه "عليّ بالطلاق لم أكتب مقال نيويورك تايمز"، ذلك أن كل ما يهم ترامب هو النيل من نيويورك تايمز، وليس الانتصار للحقيقة لأن بينه والحقيقة قطيعة. 

جمهورية الخوف

ولو كان كتاب وودوارد، ومقال "نيويورك تايمز" يتعلقان برئيس أي دولة ديمقراطية غربية، لأدى ذلك إلى جرجرته فورا أمام البرلمان والقضاء، ولكن الدستور الأمريكي يعطي الرئيس الأمريكي درجة عالية من الحصانة من المساءلة، وعزل ترامب مثلا لأنه كذب وخرق القوانين، لا يتم إلا عبر مجلسي الكونغرس، وطالما أن للحزب الجمهوري أغلبية مريحة في المجلسين، فإن عزله مستبعد رغم أن الجمهوريين أنفسهم، باتوا مدركين أن ترامب خطر عليهم وعلى الوطن. 

وسيظل ترامب يمارس الخطرفة والهرطقة والفهلوة غير آبه للقانون، لأنه يتمتع بسند يخيف خصومه، ويتمثل هذا السند في ملايين الغوغائيين والمنظمات اليمينية المتطرفة التي هي على استعداد لمناصرته بصناديق الاقتراع والصراخ في المهرجانات السياسية، أو حتى بالسلاح. 

ومن ثم فإن كتاب وودوارد على ما فيه من أسانيد مجلجلة، من المفترض أن تعرض البيت الأبيض للزلزلة، سيبقى مجرد مرجع حول حقبة وأداء الرجل الذي جعل من الولايات المتحدة جمهورية الخوف (هذا هو الاسم الذي أطلقه كنعان مكية على عراق صدام حسين).