كتاب عربي 21

ظاهرة الشيخ "ميزو"!

1300x600
اختفى الشيخ "ميزو" ليعود بـ "نيولوك جديد"، فقد روج خصومه لخبر مفاده أن "ميزو" ترك الدعوة، ويعمل في بيع الأسماك. وقد نشرت صور له وهو يقف على بضاعته، حيث بدا أنه يمارس نشاطه في الشارع، فاليد العاطلة نجسة!

قبل هذه الصور، كان قد ظهر بصحبة "فاطمة ناعوت" وبعض القواعد من النساء، من الواضح أنهن صديقاتها. وقد تم الإعلان أن علاقة زوجية ربطت بين "ميزو" و"ناعوت"، وبما يوحي أن الصديقات جئنا للاحتفال بهذه الخاتمة للمذكورة ليودع هو العزوبية، وتودع هي العنوسة، كما ودعت الشعر، فما عادت "فاطمة ناعوت" تقرضه، مع أنه كان يتم تقديمها على أنها "شاعرة". لكن الإلهام توقف، وكل من لهم علاقة بالحياة الثقافية في مصر، يعرفون سر توقفه!

سُئلت إحدى الفنانات في برنامج تلفزيوني: لماذا لم تتزوج؟ فقال ضاحكة: نسيت! ويبدو أن البطالة كانت سبباً في إقدام "ميزو" و"ناعوت" على هذه الخطوة، إن لم تكن الصورة للدعاية، ولا تعني أنهما تزوجا فعلاً. وهناك دلائل تشير إلى هذا، ومنها أن ممارسة "ميزو" لنشاطه الجديد تتم في الحارة التي يسكن فيها، فلم ينتقل إلى "عش الزوجية"، حيث تقيم عروسه في القاهرة. ومعلوم أن "ميزو" من سكان محافظة القليوبية، فلم يجد عليه جديد، غير أنه صار يحلق شعره في "صالون"، وليس أسفل الكوبري، وغير من هندامه، لزوم مرحلة الانتشار الإعلامي، بعد السنوات التي قضاها عاطلاً، وقبل أن تحتاج الثورة المضادة لأمثاله لمهمة التشويه، وشغل الناس بعيداً بموضوعات لا يفهم فيها، فيا له من ببغاء عقله في أذنيه!

وهذا كله إذا صدقنا فعلا أن "ميزو" تحول بالفعل إلى تاجر أسماك، وأنه ترك الدعوة كما تقول الرسالة التي روج لها خصومه من تيار الشرعية، وهو تيار مسؤول عن ذيوع أسماء من لا قيمة لهم ولا حضور، من خلال النفخ فيهم، لحاجة في نفس يعقوب قضاها!

عندي شك كبير في صحة ما يذاع وما ينشر، ولدي تصور بأنها أخبار وصور للتغلب على التعتيم الإعلامي. فيبدو أن حكم العسكر لم يعد بحاجة إلى من يثيرون آراءً تصدم الرأي العام، بهدف لفت الانتباه بعيداً عن الهموم اليومية وفشل أهل الحكم في البر والبحر، ربما لأن هؤلاء لم يعد لديهم الآن ما يقولونه، وربما لأن الفشل أكبر من شغل الناس عنه، وربما لأنهم صاروا أوراقاً محروقة، فقدت قيمتها من كثرة الاستعمال، وربما لهذا كله، فتم الاستغناء عن خدماتهم، فصار كل منهم يتحدى الغياب الإعلامي بالظهور بأي شكل، لا فرق بين "ميزو" و"سما المصري"، والأخيرة خبرة في الاستمرار على السطح، يساعدها في ذلك التيار المعادي، الذي يستحق تحية منها بشكل شخصي، فلولاه ما كانت!

يتم تقديم "سماء المصري" بأنها راقصة، دون أن نعرف لها مكان خدمة، أو مجالاً لممارسة مهنتها. ربما كانت كذلك قبل أن يتلقفها العسكر للقيام بمهمة وطنية، وهم أصحاب تاريخ مجيد في هذا الجانب، والتحقيقات التي أجريت مع الرائد متقاعد صفوت الشريف، أمام النيابة العامة، تكشف عن "المهام الوطنية" التي تستدعى لها الفنانات، غصباً أو بالرضى. ولك أن تعرف أن المذكورة "المصري" كانت تملك قناة فضائية من بابها، فإذا علمت أن ملكية قناة تلفزيونية أكبر من قدرة رجال أعمال كبار، فيكون السؤال: من أين لها هذا!

ومن الواضح، أنه داست على سلك مكشوف، أو أنهم رأوا ضرورة أن تغادر المشهد السياسي، فكان التحريض المتبادل، لتقع في مرتضى منصور، وينتهي الأمر بإغلاق القناة، لخروجها على مقتضى الواجب الوظيفي ومعايير مهنة الصحافة، وهي معايير لو طبقت على الجميع، لتم تسويد الشاشات، وترحيل مقدمي البرامج إلى سجن طره!

من يعملون في المجال الصحفي يعرفون الشائعات التي تروجها بعض الفنانات عن نفسها لتحدي الغياب عن المشهد، وهناك صحفيون معروفون بالقيام بهذه المهام، لكن في زمن السوشيال ميديا، صار الشعار "اخدم نفسك بنفسك"، وعليه تقاوم "سما المصري" بإذاعة أخبار عن نفسها، ونُشرت صور لها في أوضاع لو طبق القانون فيها لما خرجت من السجن، فما تنشره يجرمه القانون، لكن انشغال الرأي العام المسلم بذلك هو ما يعطي لهذا الظهور أهمية لدى الجهات التي تحكم مصر، وترى فيها استثماراً سياسياً مهماً. وكل فريق له في مدح النبي غرام، ولا تعلم هذه الجهات أنه انشغال متعمد، من أناس لم تكفهم الحقائق التي تكفي لتجريم النظام العسكري، فينشغلوا بما دونها لذات الهدف!

قبل حلول شهر رمضان من العام قبل الماضي، أعلنت "سما المصري" أنها ستقدم برنامجاً دينياً، وتحرك مليشيات الصحوة الإسلامية وهي تهتف: "وا إسلاماه"، ولم يقف أحد من الهاتفين ليسأل عن اسم القناة! فقد كانت هناك رغبة جارفة للإمساك في هذه الدعاية والصياح: "وا إسلاماه". وجاء شهر رمضان وانتهى، ولم نشاهد البرنامج الديني لـ"سما المصري"، ولم يسأل أحد من الذين هتفوا "وا إسلاماه": أين البرنامج؟!.. وبعد عام من هذه الواقعة، وقبل قدوم شهر رمضان في العام الحالي، قامت "سما" بإعلان أنها ستقدم برنامجاً دينياً في رمضان، وكان الجديد هذه المرة، هو تصويرها لدعاية للبرنامج، بصورتها وهي تضع طرحة على رأسها، فلم ينشغل أحد بعدم وجود "لوغو" للقناة، ومع هذا كان الهتاف من جديد: "وا إسلاماه". ففي مصر، بلد الأزهر، تقدم راقصة برنامجاً دينياً، يوشك أحدهم أن يهتف من أراد أن تثكله أمه فليقابلني خلف هذا الجبل!

ومضى شهر رمضان، ولم يُقدم البرنامج الديني للراقصة في بلد الأزهر، على نحو يبدو فيه أن الطرفين على توافق تام. فالراقصة تبحث عن من يروج لها أخبارها ليتردد اسمها بدلاً من الموت بالحياة، والأخوة (أعزهم الله) بحاجة للقول بأن دين الناس في مصر فسد، بعد تغيب الإخوان المسلمين!

ويبدو أن جهة ما تساعد "سما المصري" في هذا الحضور، فهى لا تعدم مبرراً للدعاية، فمرة تقف أمام إحدى الجامعات الخاصة وتنشر صورها وتعلن أنها كانت "معيدة" بإحدى كلياتها (لم تسميها) وأنها كانت هنا لتقديم طلب للعودة إلى المجال الأكاديمي، دون أن تصدر الجامعة المقصودة بياناً ينفي هذا الأمر، لتجد من يتلقف هذه الصور ويروجها وهو يقول هذه هي مصر بعد أن تركها الاخوان المسلمين، فقد ضاعت البلد حد أن راقصة ستعمل في السلك الجامعي!

لقد حدث أن نشرت المذكورة صوراً ساخنة، يعاقب القانون على ترويجها ووجدها خصومها فرصة لممارسة الهتاف: "وا إسلاماه"، ولاستكمال المهمة قام أحد المحامين بتقديم بلاغ ضدها للنائب العام، ولو أخذ القانون مجراه لصدر قرار بضبطها واحضارها، وخشيت هي من تكرار تجربة "مرتضى منصور" فهي في النهاية أداة في يد الأجهزة الأمنية، يمكن أن يتخلصوا منها ولو بالسجن، كما تركوا غيرها من أدوات مستخدمة تسجن أيضاً، مثل "إسلام البحيري"!

وتكمن المشكلة في أن من بين الأجهزة الأمنية من يتصور أن هذه الضجة التي تحدث في كل مرة، تؤكد قدرتها على شغل الناس، في حين أن الناس هي ما تشغل نفسها بنفسها، فتعيد إلقاء القنبلة لليد التي قذفتها، لاستكمال مهمة الدعاية بأن مصر ضاعت، وكأن الإخوان هم من كانوا يحافظون على أخلاق الأمة، وقد وجدوا في أمثال "ميزو" ضالتهم، انظر إلى الصفحات التي روجت لخبر ترك "ميزو" للدعوة وتغيير مساره بالاتجار في الأسماك، لتعرف التوظيف المضاد لهؤلاء!

متى اشتغل "ميزو" بالدعوة، ليقال إنه تركها، وهو من نشرت الأوقاف في عهد الانقلاب العسكري أنه لا علاقة له بمساجدها أو منابرها، وأنه لم يكن في يوم من الأيام إمام مسجد، ولم يعمل في هذه المهمة أبداً!

في المقابلات التلفزيونية يظهر "ميزو" بالملابس الأزهرية، دون أن يكون ممن يرتدون هذا الزي في السابق. وإذا كنت لا أتذكره فقد حاول زملاء لي أن يذكروني به، عندما فتحت نقابة الصحفيين على الشارع بعد الثورة، وكان يأتي مع بعضهم، ولم أتذكره رغم محاولاتهم!

سألت من كان يجالسهم إن كانوا يعرفون عنه أنه "شيخ" فنفوا ذلك، فكل معرفتهم به أنه عاطل عن العمل، ويعيش حياة بائسة، ومن يعرفونه في مسقط رأسه يقولون إن علمهم به أنه "مرشد للأمن"، فليس شيخاً ولا مستشيخاً!

لا أعرف إن كان الفتى تخرج في جامعة الأزهر أم لا، ولا أعرف إن كان قد أكمل تعليمه، أم انقطع عن ذلك، وإن كان تخرجه في الأزهر ليس له معنى، فليس كل خريجي الأزهر شيوخاً، ما لم يمارسوا المشيخة رسمياً، وليس كل من درسوا فيه يمكن أن يقال إنهم متدينون ما لم تكن لديهم رغبة خاصة في ذلك!

وقد ظهرت أزمة كبرى عقب أخذ وزارة الأوقاف في السابق بنظام التكليف، وتعيين خريجي الأزهر أئمة على غير إرادتهم. وشاهدنا أزهرية لا يجيدون قراءة الفاتحة، مع أن القواعد تلزمهم بحفظ القرآن كشرط للتخرج في الجامعة. وهناك نوادر تروى في لجان الامتحانات، وأحد الأصدقاء لم يحفظ طيلة دراسته الأزهرية سوى سورة "يسين" كان يغالط بها في الامتحان من كل عام، ومن حسن الحظ أنه لم يُحمل على أن يعمل خطيباً، وقد اعترف لي أحدهم بأنه لم يصل منتظماً إلا بعد تعيينه واعظاً رغم أنفه، وإن كان، والشهادة لله، قال إنه كان يصلي في الفترة السابقة للامتحانات في كل سنة!

ولست هنا بصدد مناقشة أسباب هذا، فلعل السبب الأساسي، هو أن الأزهر ونتيجة التوسع في بناء المعاهد، قبل كل المتسربين من التعليم العام في الشهادة الأعلى فمن فشلوا في المرحلة الابتدائية، قبلوا في المرحلة الإعدادية بعد اجتياز امتحان صوري، هذا فضلاً عن أن هناك من انتسبوا للأزهر بدون رغبة منهم!

أما عن الزي الأزهري، فقد كان كثيرون يعتبرونه عبئاً ثقيلاً، فلا يكادون ينتهون من مرحلة الإلزام به ويلتحقون بالجامعة؛ حتى يبادرون إلى ارتداء الملابس المدنية. وهناك تحقيقات صحفية نشرت، تحاول الوصول إلى سبب تخلي خريجي الأزهر وطلابه عن الزي الأزهري. فحتى من يتم اختيارهم للمناصب الرسمية لم يكونوا يرتدونه قبل ذلك (شيخ الأزهر الحالي نموذجا)، وكذلك المفتي نصر فريد واصل، الذي تأخر موعد حلفه للقسم أمام رئيس الجمهورية حتى انتهى "الترزي" من إعداده!

بيد أن الانقلاب العسكري رد الاعتبار لزيين: الزي الأزهري والملابس العسكرية. وشاهدنا من يبادرون بنشر صورهم وهم في الجيش، سواء كانوا ضباطا سابقين أم جنوداً مجندين. وأحد الأشخاص خرج من الجيش مبكراً كان يكتب على صفحته على "فيسبوك": "حاصل على درجة الدكتوراة في الاقتصاد"، فحذف هذا التعريف ليكتب "ضابط سابق بالقوات المسلحة"!

وفي هذه الأجواء كان الاستدعاء التلفزيوني للشيخ "ميزو"، بالزي الأزهري وهو الاستدعاء الذي بدأ في مرحلة التحضير للانقلاب، ليقول كلاماً مثيراً في الدين، ضمن مجموعة جرى اختيارها لهذه المهمة، مثل "بحيري" وغيره. وبدت قيمة "ميزو" في هذا الزي الأزهري، فالأفكار كلها مشوهة، والمناقشات تحريضية، ومن جرى استدعاؤهم جهلة بإجماع العلماء، ولم يقولوا سوى عناوين، لكنهم أجهل من أن يقوموا بتعميقها!

وبعض هذه الأفكار قيلت من قبل، لكن قالها أناس جادون، تعبوا في البحث، ولم تنقصهم الرصانة، فجاء "الفهلوية" ليتعاملوا بأسلوب الهواة، وعلى طريقة: على ظهرها تنور، وعلى جنبها تنور"، بدون أن يجرؤ أحد منهم على كتابة بحث جاد لتقديم عمق يتم في إطاره الأخذ والرد!

ولأن الناس جبلوا على التشبع السريع من الإثارة التي تفتقد للتجديد، فكان طبيعياً أن تنتهي المهمة سريعاً، وعندما يطول الغياب يظهر الشيخ "ميزو" على طريقة "سما المصري". لكن، ومع أنه اجتهاد فردي، لكن رد الفعل يجعل من يستخدمونه يرون أنهم لا يزالون صالحين للاستخدام مجدداً، فاتهم أن ردة الفعل لا تعني قدرتهم على شغل الناس، ولكن لأن هناك من يعتبرونهم أداة في مهمة تشويه النظام الانقلابي، وكأنه بحاجة إلى هذا الافتعال!

دعوا ظاهرة الشيخ "ميزو" تموت في سلام، ثكلتكم أمهاتكم.