قضايا وآراء

أما من نهاية لآلام العالم؟! (2)

1300x600
الذي يسبح خلف ما يجري في عالم اليوم بخاصة لشرفائه ومخلصيه يتعجب من كم المآسي التي تدور فيه. ولكن في المقابل، فإن الذي يقرأ كتاب التاريخ بخاصة أحباب الله والمقربين إليه تعالى من أخيار البشر؛ يجد تشابها بين ما يحدث في عصرنا وما جرى لكل مصلح منذ شروق التاريخ.

إنها سنُّة الله في الابتلاء وزلزلة وغربلة الصالحين، وصولا إلى كلمة حق أو طاعة لرب العالمين في وقت مرير.. والأهم حِكَم مما يجري ويحدث لنا قد لا نتبينها أو نستبينها على مدار حياتنا!

طفل صغير يتيم الأم يرعاه أبوه وأخاه الأصغر منه وسط طوفان من إخوة من أم أخرى بلغ عددهم أحد عشر أخا؛ فيتلقى منهم معاملة شديدة قاسية، بل لعله يُجبر على فعل ما لا يحب من خدمتهم والعناية بهم، وهم جميعا أكبر منه سنا وجسدا.

ثم مع الوقت يحتالون لإدخال السعادة إلى قلبه.. هكذا يزعمون ويكذبون ويحاولون إقناع أباهم؛ تماما كما تحاول دول تدعي أنها في قمة الاخلاق والحضارة إيذاء دول أضعف بغرض إسعادها!

وينجح المخطط فينتزعون الصغير الذي لا يدري من أمر نفسه شيئا؛ ينتزعونه من أبيه ويذهبون به إلى الصحراء، وهناك يلقونه في غياهب بئر وينصرفون، ويبيت الصبي في الظلام يسمع أصوات حشرات سامة أو يخشى أن يلتف حول جسده ثعبان، ولكن الخالق العظيم يكون قد همس في روح الصبي بطريقة تناسبه تعالى.. إنك ستخبرهم عن هذا الموقف لاحقا وهم لا يدركون أنك ستفعل.

وتأتي السيارة أو إحدى قوافل الصحراء.. ويريدون أن يشربوا الماء.. فيرسلون المختص فيتعلق الصبي بالدلو.. فيسعد به الرجل إلى حين، ولكن مع مسير القافلة يتفق الجميع على أن يبيعونه بثمن قليل بخس؛ ربما لشعورهم بأن وراء الصبي الأخضر الجسد الناضر الجمال.. لشعورهم بأن وراءه قصة ما.

فطر الله هذا الوجود.. وخلق هذه الحياة على أنها للابتلاء والامتحان والاختبار لنيل منزلة أفضل في الآخرة والوصول الأبدي إليها، وفي ذلك تكبر الامتحانات وتتوسع منذ آدم عليه السلام، مرورا بسيدنا نوح حتى سيدنا يوسف الذي نتوقف معه قليلا.

في مصر يُباع الصبي إلى عزيز مصر أو رئيس وزرائها الذي لا يُنجب، فيقول لزوجته بسلامة ضمير ونية: إننا باحتفاظنا بالصغير هذا سنجد منه منفعة أو حتى نتخذه ولدا.

وكما يحكم بلادنا الظالمون غالبا اليوم كانت مصر كذلك في تلك الفترة التاريخية.. وكان رئيس الوزراء ابن البلد أو الوطني لا يحسن حكم بيته.. بالإضافة إلى حكم الهكسوس لها!

ومع الوقت، تحركت نفس امرأة العزيز وهي ترى سيدنا يوسف في صحوه ومنامه.. يشب عن طوق الصبا، وربما ترقبه متخففا من ثيابه إلى حد ما، وهو يعتبرها أُمّا ولكنها أرادته عشيقا.

وتبلغ المأساة ذروتها. لم تبالغ امرأة العزيز في إغلاق الأبواب وارتداء أفضل زينتها، ولما تخبره برغبتها يستعيذ بالله، إذ إن زوجها ربه الذي أنفق عليه واعتنى به وأحسن مثواه!

أراني بعين الخيال لدى أحزان يوسف - عليه السلام - وهو الشاب الناضج الجميل؛ يكتمل البلاء عليه، إذ تجمع له امرأة العزيز النسوة من علية القوم.. وكلهن يطالبنه بارتكاب الفاحشة، حتى إنه ليدعو الله أن يسجنه كي لا تصبو نفسه وتميل إليهن.. وهو ما تعجب منه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال فيما معناه: لو كنتُ مكان أخي يوسف لسألتُ الله المعافاة وما سألتُه الابتلاء والسجن!

كم كان مقدار أحزان سيدنا يوسف في سجنه وهو يعاقب بجريمة شرف؛ لأنه حافظ على شرف جميع علية القوم في مصر تقريبا ولم يخن الله فيهم.. تلك امتحانات الدنيا لا تفارق الأطهار منذ فجر التاريخ.. تُعكس الآية، فيجدون أنفسهم مُتهمين بما يُقاومونه في أقوامهم من ظلم وإرهاب.

وفي السجن يزداد البلاء.. وينساه ساقي الملك بضع سنوات جديدة حتى يتذكره وتبدأ رحلة صعود سيدنا يوسف كعزيز لمصر يحميها والعالم من حولها من المجاعة، ليعرف حينها أسباب مفارقته أبوه صغيرا وامتحانه واختباره منذ الصبا!

وهكذا يمضي تاريخ البشرية.. أحزان تلو أحزان وأفراح قليلة، وأقدار لله نعرفها أو تدق وتغيب عن عالمنا.