كتاب عربي 21

دفع الكرب في فقه التجويد عند الزعماء العرب

1300x600
أبدي إعجابي الشديد ببلاغة الزعماء العرب، وحسن تجويدهم لأحكام السياسة والحياة. للمصنفين في البلاغة كتب، مثل نهج البلاغة، وبلاغات النساء، والعقد الفريد، وخزانة الأدب.. وأتذكر بلاغة السيسي مثلاً عندما قال: واحدة ست غيّرتْ "قانون" زمان النبي، يروح لها من هنا، تجي من هنا، وهو يقول مالكيش، مش كده يا بتوع... وأتذكر بلاغة ملك الحزم والعزم والنثر والنظم، عندما ردَّ على تيلرسون، الذي نقل له تحيات ترامب، فقال: ابني خالد سفير عندكم! ولملوك بلاد الحرمين، تلاوات قرآنية لا يصح أن نوردها هنا، وإلا اتهمنا بالفسق وكُفرنا تكفيرا.

وأدقُّ لهم على الخشب والحديد، وعلى آلة القانون، وطبل الدستور، وأبواق النصر. قال سعيد بن جبير للحجاج: عجبتُ من جرأتك على الله وحلم الله عليك.

والتجويد لغةً هو التحسين، وجعل النطق أكثر جودة وإتقاناً، واصطلاحاً إخراج كل حرف مخرجه الصحيح، وسيجد القارئ أنّ العرب بارعون في أحكام التلاوة في السياسة والحرب، لا في تلاوة القرآن، كتابهم الذي جعلهم عرباً، "فِيهِ ذِكْرُكُمْ"، وإلا صاروا مثل الهنود الحمر "ناقوساً في عالم النسيان" وأثرا بعد قدم وعين. وتشمل أحكام التجويد أحكام السكون، وأحكام المدّ والقصر، والتفخيم والترقيق، وأحكام المتماثلين والمتباعدين، وأحكام الوقف، والابتداء، والقطع والسكت، والوصل والقطع، والإظهار والإخفاء، والإدغام بغنّة، ومن غير غنّة، والإقلاب.

كتب بعض الزملاء ينتقدون وزيرة خارجية النمسا كارين كنايسل، ووجدوا عيوباً في نطقها، الذي يشبه نطق الأطفال، واتهموها بالعنصرية واليمينية، وتذكروا رقصتها مع بوتين، وبحثوا لها عن غايات غير نبيلة، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا. ووجدت أنها أفصح من زعيمين عربيين على الأقل، أحدهما لم يعد يقوى إلا على رفع جفنه، الذي علّم الغزل، لكنه قادر، ولله الحمد والمنة، على الأفعال اللاإرادية مثل الشهيق والزفير.. والثاني زعيم بلاد مهبط الوحي، وهو لا يجيد نطق آية واحدة صحيحة، لا هو ولا الذي قبله، وكان لا يعرف الكتابة ولا القراءة، والذي قبلهما لا يعرف القراءة ولا الكتابة، بل إن كل الزعماءالعرب، وهم ينعمون بالمال، وأحسن المعلّمين، والجامعات، ويركبون الطائرات وظهور الشعب، يخطئون في النطق، فيرفعون العدوّ، وينصبون الشعب على المشانق. بئس ما كانوا يفعلون. وإن تسابقوا ففي الظلم والاستخذاء والذلة والمسكنة، وباؤوا بغضب من الله.

أمثلة تطبيقية عن أحكام التجويد، مثال الإقلاب:

قبل سنوات قليلة، قام مترجم القناة الأولى المحلية في التلفزيون الإيراني الرسمي؛ بتحريف خطاب الرئيس المصري محمد مرسي، الذي ألقاه خلال قمة دول عدم الانحياز بطهران، فبدل المترجم بسوريا البحرين، فضلاً عن عبارات أخرى، وكانت معظم النقاط التي جرى فيها تحريف خطاب الرئيس المصري تتعلق بالملف السوري، فعندما قال مرسي: "إن الشعبين الفلسطيني والسوري يناضلان من أجل الحرية والعدالة والكرامة"، سمعها الإيرانيون على تلفزيون بلادهم الرسمي: "إن شعبي فلسطين والبحرين يناضلان للحرية"، كان التلفزيون الرسمي يقوم بتجويد الإقلاب، فقلب الباء ميماً، وسوريا بحرين، بينهما برزخ لا يبغيان.

وبالأمس القريب، خطب دونالد ترامب ثلاث خطب متوالية، طالب فيها الملك بدفع الأموال، لقاء حماية عرشه، وكان يخاطبه بهذه اللغة الراقية: يا ملك، في المصرية: (ياهندسة، وفي أقوال أخرى: يا هندز) هات فلوس، فقامت وسائل الإعلام السعودية بتجويد الخطاب وتحبيره بالإخفاء، والإخفاء تحوّل على لسان عادل الجبير إلى إقلاب: السعودية صارت قطر. ولي العهد بعد أسبوع، استفاق من عز النوم، وقال قولاً في أحكام الترقيق: يجب تقبّل المديح والنقد من الأصدقاء". أحكام التفخيم رأيناها في زيارة ترامب، والقلادة الذهبية التي عُلّقت على صدره، والمليارات التي ضخّتْ في أمريكا من أجل فرص العمل والبطالة الأمريكية، وفرص البقاء على العرش.

أحكام المدّ نراها في تمديد فترات الرؤساء المنتخبين، والسكون نراها في حال الشعب العربي منعا من التنوين في الاسم المفرد، وأحكام القطع نجدها في قطع الرؤوس، والإعدام، والإخفاء القسري، وهو في سوريا بالجملة، أحياء وأمواتاً، والمد المتصل على بساط الريح، والسكوت التام لوسائل الإعلام، الذي يصل حد الإخراس والإبكام، والموت الزؤام، والوقف اللازم وغير اللازم التطوعي كالتربع لحديقة حيوانات في لندن أو ضحايا إعصار في نيوجرسي، ووصل إسرائيل ولم يكن وصلها إلا حلما. والإظهار نراه في إظهار عظمة الرئيس وتجبره على شعبه.

مصر هي بصلة العرب السيسائية (لا علاقة لاسم رئيس عربي بهذا الوصف)، وقد ضُربت البصلة. ونختم بهذا المقطع غير الصوتي للعلّامة القارئ المتقاعد خلفي ضحيان، الذي قال يصف مقابلة لولي العهد السعودي مع بلومبيرغ حاسر الرأس "صورة المقابلة بدون شماغ دليل على البساطة، وعدم التكلف، والتعامل بروح العصر".

وقعت في أوائل الألفية جريمة قتل في حمص، كان الجاني يتربص الضحية خارجا من البنك، ووجدت صديقا يساريا وثوريا مستبشرا بالجريمة، فتعجبت وسألته عن سبب سعادته بها، فقال مجودا: هذا إشارة وبشارة أن حمص صارت مدينة، الجرائم في أوروبا مقترنة بالمدن الكبيرة.

نحن نتقدم.

ذهب جمال خاشقجي ضحية روح العصر.

رحمه الله.