مقالات مختارة

السعودية.. وضرورة التعامل مع الواقع

1300x600
مساء الأحد الماضي بثت فضائية "فوكس نيوز" الأمريكية حوارا مهما للغاية مع عادل الجبير، وزير الخارجية السعودي.. لماذا هو مهم ومختلف؟

لأنه الظهور الأول للجبير الذى يرأس الدبلوماسية السعودية منذ اندلاع أزمة اختفاء ثم مقتل الكاتب الصحفي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية.

ثانيا: لأن الجبير تكلم بصراحة إلى حد كبير، وقال: إن عملية القتل كانت خطأ كبيرا وفادحا، وأن هناك تصميما من الملك سلمان على محاسبة المسئولين عن الحادث، وأنه واثق بأن العلاقات بين بلاده وأمريكا سوف تتجاوز الحادث.

يوم أمس الأول، تحدث الجبير مرة أخرى وقال كلاما جديدا أيضا أن بلاده ستلقي القبض على كل المتهمين والمتورطين في الحادث، وستعلن النتائج بكل شفافية، وصباح، أمس، قرأنا أن وزير المالية السعودي خالد الفالح، قال: إن قتل خاشقجي أمر مقيت ولا يمكن تبريره.

تقديري، أن المهم في الأمر أن النبرة السعودية الرسمية بدأت في الاختلاف والتغيير، لم تعد تلك النبرة المصرة على الإنكار منذ بداية الاختفاء في 2 أكتوبر الجاري.

كان هناك خطأ كارثي في كل شيء تعلق بهذه العملية، والنتيجة أن السعودية وجدت نفسها عالقة في دوامة شاملة وصعبة، وربما غير مسبوقة منذ سنوات طويلة.

أن يخرج الجبير ثم الفالح بهذه التصريحات الواضحة، فهي محاولة جادة لوقف النزيف الذي يهدد السعودية منذ بداية الحادثة وحتى الآن.

الأمر الآخر، أن وسائل إعلام كثيرة محسوبة على السعودية بدأت في التعامل بطريقة مختلفة عقب الإعلان عن وفاة خاشقجي داخل السفارة، وتوقيف 18 متهما، وإجراء هيكلة في جهاز الاستخبارات السعودي، الذي تم تحميله مسؤولية العملية بأكملها.

صارت هناك مناقشات علنية في بعض وسائل الإعلام السعودية للتهديدات الأمريكية، خصوصا من بعض قادة الكونغرس بمجلسيه، أو وسائل الإعلام المختلفة التي كانت رأس الحربة الأساس في هذه القضية منذ تفجيرها.

مرة أخرى، أفضل خيار أمام السعودية أن تبادر بالإعلان عن كل التفاصيل المتعلقة بهذا الحادث المأساوي، وأن يتم تقديم كل المتورطين إلى العدالة لينالوا الجزاء العادل.

تقول الرواية السعودية الرسمية: إن الذين نفذوا العملية، تصرفوا من تلقاء أنفسهم، ولم يخبروا المستويات العليا، بل قاموا بتضليل الحكومة في الرياض، وأبلغوها بأن خاشقجي خرج من السفارة.

حكومات غربية ووسائل إعلام كثيرة لا يصدقون هذه الرواية، وبعضهم يريد فرض عقوبات فورية على المملكة العربية السعودية.

الحل لمواجهة هذه الموجة التسونامية غير المسبوقة، أن تقرر الحكومة السعودية الاستمرار في عملية التحقيق بكل شفافية ونزاهة حتى تقنع الرأى العام العالمي أولا، وكذلك الرأي العام السعودي والعربي الذي يستحق أن يحصل على الحقيقة أيضا.


أجد أهم الدروس المستفادة من هذا الحادث الرهيب، أن الصدق والصراحة والوضوح أهم مليار مرة من أي محاولات للالتفاف أو التغطية أو التحايل. 

تخيلوا لو أن البيان السعودي الأخير صدر قبل بيان رجب طيب أردوغان، أمس؟ كان الأمر سيصبح كارثيا، لكن تخيلوا في المقابل أن الإعلان السعودي صدر في يوم وقوع الجريمة نفسها داخل القنصلية في 2 أكتوبر الماضي.. لو حدث ذلك، ما كانت السعودية وجدت نفسها في هذا المأزق، لكن السؤال الجوهري لماذا تم اللجوء إلى هذا التصرف من الأساس؟!

(عن صحيفة الشروق المصرية)