كتاب عربي 21

فقراء بفعل فاعل مبني للمعلوم

1300x600
في تشرين أول/ أكتوبر الماضي، اعتقلت أجهزة الأمن المصرية الدكتور عبد الخالق فاروق، ويقال إن جريمته تتمثل في إصدار كتاب يحمل اسم "هل مصر فقيرة حقا؟"، الذي يؤكد متْنُهُ  أن مصر غنية بمواردها الطبيعية ومنتجاتها و"أصولها" الضخمة، ولكن جماعة الأمن اعتبروا أن المؤلف اختار عنوان الكتاب وموضوعه، ليدحض ما قاله الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة بأن مصر بلد فقيرة.

مقومات اقتصادية مصرية

ومصر الحالية لا هي بالفقيرة ولا هي بالغنية، فهي فقيرة بلغة الدفاتر، من حيث متوسط دخل الفرد والديون الحكومية وعجوزات الميزانية إلخ، ولكنها غنية جدا بحساب ما يمكن أن يكون لو أحسنت الحكومة إدارة شؤونها وشؤون الإقتصاد.

لا أظن أنه  يوجد على سطح الأرض من هو أشطر/ أمهر من الفلاح المصري، فعلى ضيق الرقعة الزراعية في مصر، فإن إنتاج  مصر من المحاصيل الزراعية، أعلى من إنتاج السودان، حيث المساحة الصالحة للزراعة من الأراضي، تعادل نصف مساحة مصر.

ومصر فيها من جاذبات السياحة والعملات الصعبة ما لا يتوفر لأي دولة في العالم، وتملك احتياطات غاز هائلة وعندها قناة السويس والأهم من كل ذلك عندها كوادر مهنية عالية التأهيل وعمالة ماهرة، ولكن أساليب الهرجلة والبرجلة في إدارة الموارد جعلت حلم معظم المصريين الهجرة المؤقتة، او البحث عن أوطان بديلة.
 
فقر السودان

ولا يأتي الناس على ذكر السودان إلا مقرونا بكل ما يرتبط بالفقر، ومنتجات الفقر من حروب وفقدان للأمن الأهلي، وقيل للملايين من طلاب العلم في جميع الدول العربية أن السودان هو سلة غذاء العالم، وترك أولئك الملايين مقاعد الدراسة، وكبروا وكبرت عقولهم وصاروا يتساءلون: هل كان المقصود بكون السودان سلة غذاء العالم أنه يعيش على الهبات من المانحين ليملأوا سلته لإطعام أهله؟

نظريا بإمكان السودان أن يصبح مصدر غذاء العديد من دول العالم، فلديه من الأنهار النيلين الأبيض والأزرق، ونهر عطبرة ونهري الدندر والرهد، وبه أنهار موسمية تروي ملايين الهكتارات، ونصف مساحته تنعم بأمطار غزيرة في موسم الخريف، ومتوسط نصيب المواطن السوداني من الأراضي الخصبة نحو عشرين فدان (الفدان= 4200 متر مربع)، ولكن محظوظ هو المواطن السوداني الذي يجد أرضا تتسع لجثمانه عندما يسترد الله  وديعته.

فهل من حق السوداني أن يغضب إذا سمع النكات عن "كسله"؟ أليس من المنطقي أن يستنتج الناس أن بلدا فيه كل هذه الوفرة من المياه والأراضي والثروة الحيوانية (نحو 130 مليون رأس من الضأن والماعز والأبقار والإبل)، ويعاني من شظف العيش، لابد وأنه مأهول بشعب كسول لا يريد الاستفادة من خيراته الطبيعية؟ بينما واقع الأمر هي أنه ما من مواطن سوداني يعول أسرة إلا ويجمع بين أكثر من وظيفة أو مهنة ما استطاع إلى ذلك سبيلا، بدرجة أن وجبة الغداء في السودان صارت عند المغيب أي بعد عودة أهل البيت القادرين إلى العمل لأخذ قسط من الراحة.
 
باعت حكومة السودان الحالية ملايين الأفدنة لمستثمرين عرب، فماذا فعلوا بها؟ زرعوها علفا، فصار السودان يصدر غذاء البهائم ويستورد غذاء البشر، وكان حريا بأولئك المستثمرين أن يستغلوا تلك المساحات المهولة من الأراضي لإنتاج طعام لأوطانهم، ولكنهم يرون أن إنتاج العلف قليل التكلفة وسريع العائد المرتفع.

وهل تصدق أن السودان الذي يعاني أهله من شح الغذاء، يتنازل منذ نحو ستين سنة عن  نحو عشرة مليارات متر مكعب من المياه سنويا لمصر؟ وحقيقة هو "لم يتنازل عنها" بل هو فائض يصل إلى مصر شاء السودان أم أبى، لأن الحكومات السودانية المتعاقبة لم تفكر في إقامة مشاريع زراعية ترويها بحصتها من مياه النيل.

الأمر في ما يخص سوء الأحوال في مصر والسودان يتعلق بهدر وسوء إدارة الموارد وهذا ناجم عن سوء إدارة شؤون البلاد والعباد.
 
يا جماعة عدد أعضاء البرلمان المركزي في السودان، هو نفس عدد أعضاء مجلس النواب المركزي الأمريكي، وتعداد سكان السودان نحو ثلاثين مليون نسمة، بينما تعداد سكان الولايات المتحدة 330 مليون نسمة، وشتان ما بين المجلسين: فواحد يتألف من "نوائب"، وآخر به نواب يمثلون الشعب وكلامهم ماشي حتى على رأس الدولة.

وقفت طويلا عند الحالة السودانية بحكم أنني ملدوغ منها، ولك أن تتساءل لماذا يهاجر الجزائريون من بلادهم أفواجا طلبا للعيش الكريم، تاركين وراءهم ثروات هائلة من النفط والغاز والمنتجات الزراعية؟ أين ذهبت مئات المليارات التي دخلت الخزانة الليبية طوال نصف القرن الماضي؟

وهل حققت الدول العربية النفطية ما هو أكثر من بناء الأبراج الشاهقات ومجمعات التسوق الضخمة؟ هل تحسبت لأن ثرواتها ناضبة؟ ماذا أعدت لمرحلة ما بعد النفط والغاز؟ أم هل تنتظر بلوغ تلك المرحلة ثم يكون للحادث حديث؟