قضايا وآراء

صناعة الجوع... والإبادة الجماعية القادمة

1300x600
في مفردات الصراع الدولي الراهن، أصبح إضعاف الآخر الحضاري وإنهاكه وتجويعه وإفقاره، بل وإبادة ما أمكن من سكانه، هدفا استراتيجيا للقوي الماسونية والإمبريالية المسيطرة على المشهد العالمي. بل أصبح الأمر أكثر إحكاما بعد أن أصبح الاستهداف يشمل مقومات ما يسمى "القوة الشاملة للدولة" كافة، الذي يتضمن عدة عناصر؛ منها القوة العسكرية، والقدرات التكنولوجية والعلمية والبحثية، ومعدلات التعليم، والموارد الطبيعية والتنمية الاقتصادية، وعناصر أخرى من بينها "القوة السكانية". ومن هنا، يتضح أساسا أنه لا يمكن اعتبار ازدياد "عدد السكان" شرا مطلقا وضررا حتميا يلحق بمؤشرات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

إلا أن القوى الماسونية والإستعمارية سعت إلى نشر فكرة مغلوطة لدى النخب الفاعلة في الدول الإسلامية، مفادها أن الزيادة السكانية لها تداعيات سلبية على الرفاهية الاقتصادية، استنادا على ما اصطلح على تسميته بالخرافة المالتوسية (نسبة إلى الاقتصادي الإنجليزي "توماس مالتوس" الذي روج لهذه النظرية، وقيل إنه تراجع عنها جزئياً في وقت لاحق). وقد انكشفت تلك المخططات الماسونية والإمبريالية في التسعينيات من القرن الماضي، مع تسريب بعض التقارير الاستراتيجية الصادرة في أمريكا، التي أوصت بالعمل على ضرب القوة السكانية في الدول الإسلامية الكبرى، خاصة مصر، وأندونيسيا، وماليزيا، وبنجلاديش، وإيران، وتركيا، التي تتسم جميعها بتعداد سكاني عال، وثقل استراتيجي مؤثر في أقاليمها يجعلها مركز الثقل الرئيسي في الأمة العربية والإسلامية.

وخلافا لتلك التوجهات العالمية الراهنة في مجال السكان، ظلت تلك الفكرة المالتوسية محل قناعة من النخب الحاكمة في عدد من الدول الإسلامية. واستندت عليها القوى الماسونية والاستعمارية لإدارة حرب ممنهجة على الخصائص السكانية، مثل التعداد السكاني، والصحة العامة، والخصوبة، والمستوي التعليمي والثقافي، وغيرها من الخصائص السكانية. وقد تمت تلك الحرب السكانية بأساليب متعددة، منها برامج الحد من الإنجاب، وصناعة الجوع، والحروب الأهلية والإقليمية والحرب البيولوجية والوبائية المستترة، وصناعة الجهل بتدمير التعليم، وغيرها من الأساليب التي عملت على الخصائص السكانية كافة. ومع إرهاصات المجاعات والقحط البادية في عدد من دول المنطقة، نجد أننا قد نكون على أعتاب ما يشبه شدة مستنصرية جديدة، كالتي حدثت في التاريخ المصري، والتي قد تؤدي إلى إبادة جماعية مخططة لملايين من سكان الدول المستضعفة، والتي ستكون الخرافة المالتوسية غطاء فكريا وأخلاقيا لتمريرها بشكل لا يؤرق الضمير العالمي الذي يبدو أنه قد مات إكلينيكيا.

تذكرت تلك الشدة المستنصرية عندما سمعت عن قرار مصري محتمل للسماح بتصدير القطط والكلاب إلى دول تسمح الأنماط الغذائية السائدة فيها بأكلها، مثل بعض الدول الآسيوية التي تهدف إلى دعم احتياجاتها الغذائية على حساب المصالح البيئية للدول المصدرة، لذلك فقد تسعى مثل تلك الدول إلى البحث عن أصحاب مصالح في دول مثل مصر؛ ممن لديهم نفوذ يمكّنهم من تمرير مثل هذه القرارات. وقد أدى السماح بتصدير بعض الحيوانات من بعض الدول إلى الصيد الجائر لتلك الحيوانات، ومن ثم أدى إلى أنها أصبحت منقرضة أو على مشارف الانقراض

ورغم أن النمط الغذائي للمواطن العربي، لا يقبل حاليا أن تكون القطط والكلاب جزءا من خليط البروتين الحيواني الذي يتناوله، إلا أننا لا يمكن أن ننسى أن أكل الدواب والقطط والكلاب وحيوانات أخرى قد حدث في زمن الشدة المستنصرية؛ التي نرى إرهاصات تكرارها - والعياذ بالله - في عدد من دول العالم النامي أيضا بسبب انتهازية وتآمر القوى الدولية، وبسبب سوء إدارة السياسات الاقتصادية والزراعية والبيئية، فضلا عن انتشار الحروب الأهلية والإقليمية والقحط والمجاعات. وسيؤدي كل ذلك إلى صناعة مخططة للجوع، التي ربما تصل ببعض الدول العربية إلى وضع تصبح فيه حيوانات مثل الدواب والقطط والكلاب بمنزلة احتياطي لا مفر منه للخليط البروتيني التقليدي في تلك الدول، في حالة حدوث مجاعات أو قحط، مثلما أجاز الشرع أكل الميتة عند الضرورة.